حكم التعويض عن الضرر الأدبي

حكم التعويض عن الضرر الأدبي

هل التعويض عن الضرر الأدبي جائز في الإسلام أم غير جائز؛ أي أن يطالب شخص بتعويض مالي من شخص آخر سبَّه مثلًا أو أهان كرامته فقط دون أن يترتب على ذلك ضرر مادي؟ ويطلب الإفادة عن ذلك شرعًا.

يجوز لمن وُجِّهَت إليه الإهانة أن يُطالِب بالتعويض المالي بسبب ما لحقه من أذًى إذا ثبت ذلك شرعًا؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقترض من أعرابي قرضًا، فلَمَّا حَلَّ وقتُ الأداء جاء الأعرابي يطلُب الدين، وأغلظ على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الطلب، فاستاء لذلك الصحابةُ، وهمَّ بعضهم بإيذاء الأعرابي لإساءته الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا» وأمر بإعطائه أكثر من حقه. رواه البخاري.
لكننا مع ذلك ندعو من يتعرضون لإهانة كرامتهم بسبب ألفاظٍ وُجِّهَت إليهم ولا تصل إلى ما يوجب حد القذف شرعًا، ندعوهم للأخذ بالعفو وكظم الغيظ؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].

التفاصيل ....

من أهداف الشريعة الإسلامية الغراء وأغراضها الأساسية حفظ الضروريات الخمس، وهي: العقل والنسل والنفس والدين والمال، وسُميت بالضروريات أو الكليات الخمس؛ لأن جميع الأديان والشرائع قررت حفظها وشرعت ما يكفل حمايتها؛ لأنها ضرورية لحياة الإنسان؛ لذلك نرى الشارع الحكيم عمل على صيانة الأعراض وحفظ الحقوق؛ تطهيرًا للمجتمع من أدران الجريمة، وجعل لكل إنسان حدودًا لا يتعداها ومعالم ينتهي إليها، فلا يليق ولا ينبغي لمسلم أن يهدر كرامة أخيه المسلم ولا يقع في عِرضه، بل تعدى ذلك إلى غير المسلم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه أحمد وابن حبان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عَبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بِحَسْبِ امْرئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه مسلم، والتناجش: أصله الارتفاع والزيادة، وهو أن يزيد في ثمن سلعة لِيَغُرَّ غيرَه، وهو حرام؛ لأنه غش وخديعة.

وعن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما، «لا ضرر»: أي لا يضر أحدكم أحدًا بغير حق ولا جناية سابقة، «ولا ضرار»: أي لا تضر من ضرك، وإذا سبك أحد فلا تسبه، وإن ضربك فلا تضربه، بل اطلب حقك منه عند الحاكم من غير مسابَّة، وهذا الحديث وغيره يُعتبر مبدأً قويمًا في السلوك السليم والمعاملة الحسنة التي تحفظ للإنسان حقه وكرامته دون عنف أو عدوان.

وعلى هذا: فإذا كان الشخص المسؤول عنه قد تعرض لإهانة كرامته بسبب ألفاظ نابية معيبة وجِّهت إليه من شخص آخر وكانت تلك الألفاظ جارحةً لشعوره ماسَّة بكرامته ويتأذَّى بمثلها أمثاله وأشهد على ذلك فله أن يرفع أمره إلى القضاء مطالبًا الذي أهان كرامته وأساء إليه بتعويض مالي، وللقاضي أن يسمع حُجَّته ويحكم بالتعويض المالي متى ثبت ذلك الحق بالبينة إن أنكر المُدعى عليه أو ثبت ذلك بإقراره.

ولتلك المسألة شاهد من التاريخ الإسلامي:
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقترض من أعرابي قرضًا، فلما حل وقت الأداء جاء الأعرابي يطلُب الدَّين وأغلظ على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الطلب فاستاء لذلك الصحابة وهمَّ بعضهم بإيذاء الأعرابي؛ لإساءته الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا» وأمر بإعطائه أكثر من حقه. رواه البخاري وغيره.
وهنا مناط الاستشهاد؛ وذلك أنه لما همَّ بعض الصحابة بإيذاء الأعرابي وترويعه أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإعطائه أكثر من حقه تعويضًا ماليًّا له بسبب ما لحقه من الترويع والتخويف.

وعلى أن الشخص موضوع السؤال إذا كان قد تعرض للسبِّ الذي هو بمعنى القذف والاتهام بالزنا وما في معناه فذلك له حكم خاص به ورد بشأنه قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ • إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 4-5]، وتخصيص النساء في قوله: ﴿المُحْصَنَات﴾؛ لخصوص الواقعة، ولأن قذْفهن أغلب وأشنع، وفيه إيذاء لهن ولأقربائهن، وإلا فلا فرق بين الذكر والأنثى في الحكم.

ومن هذا البيان يتضح الجواب عن السؤال، وأنه يجوز لمن وُجِّهت إليه الإهانة التي مسَّت كرامته وأساءت إليه أن يُطالب بالتعويض المالي بسبب ما لحقه إذا ثبت ذلك شرعًا، على أننا مع ذلك ندعو السائل وأمثاله ممن يتعرضون لإهانة كرامتهم بسبب ألفاظ وجهت إليهم من جهل عليهم ولا تصل تلك الألفاظ إلى ما يوجب حد القذف شرعًا؛ ندعوهم للأخذ بالعفو، وكظم الغيظ؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134]، ولقوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾ [الشورى: 40]، وإلى قوله جل شأنه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: 34-35]، وإلى قوله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]. هدانا الله إلى أحسن الأخلاق وألهمنا الرشد والتوفيق.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا