تصرف حال الحياة وتقسيم تركة

تصرف حال الحياة وتقسيم تركة

أنا أكبر من إخوتي الثلاثة، ووالدي ووالدتي في سن الشيخوخة، ووالدي ملازم الفراش، جمَعَنَا الوالد بصحبة محامٍ، وطلب من المحامي عمل عقود بيع وشراء، على أن يحصل كل رجل منا نحن الأربعة على فدانَي أرض زراعية، وطلب من المحامي تسجيل العقود بصحة ونفاذ مع أخذ إقرار عرفي علينا بعدم التصرف في الأرض إلا بعد وفاته، والأرض في الجمعية ما زالت في حيازة والدي، ووالدي هو الذي يقوم بدفع الأموال الأميرية حتى الآن، وقد أقر والدنا بتسلمه مبلغ الأرض بالمحكمة، وهذا على غير الحقيقة والواقع، ولم نتسلم الأرض، والقائم على جباية الإيجارات هو والدنا.
ثم توفي الأخ الأكبر لنا في حياة والدنا وترك زوجته فقط، فهل لها الربع في الفدانين؟ وكان قد ترك سيارة باسمه تزعم الزوجة شفويًّا أنها قد دفعت نصف ثمن السيارة من مالها الخاص. فما حكم تقسيم ثمن هذه السيارة؟ علمًا بأنه يوجد شهود على ذلك، ثم قامت جهة عمله بصرف مبلغ أربعة آلاف جنيه للزوجة مصاريف جنازة، علمًا بأن مصاريف الجنازة قام بها الوالد. فهل الأب والأم يرثان في هذا المبلغ؟ كما توجد شقة بمنزل الوالد غير سكن الزوجية بالقاهرة تزعم الزوجة قيام زوجها حال حياته بشراء كامل الأثاث والموبيليا والأجهزة الكهربائية. فهل ترث الزوجة في هذا الأثاث؟ وهل يرث الأب والأم في سكن الزوجية بالقاهرة من أثاث وأجهزة فيما زاد عن القائمة؟

ما قام به والدك هو تصرف صحيحٌ شرعًا، وتنتقل به ملكية الأرض لأولاده، ولا تدخل هذه الأرض ضمن التركة، بل تكون حقًّا خالصًا لمن كُتِبَت له.
أما بالنسبة للأخ الأكبر فجميع ما تركه بعد الوفاة يُعدُّ تركةً عنه، ومنها: الفدانان، ونصف ثمن السيارة إذا كانت قد أعطته زوجته نصف ثمنها بقصد الدين، أو كامل ثمنها إذا كانت قد أعطتها له بقصد الهبة، وكذلك جميع ما تركه بالمنزل -باستثناء قائمة منقولات الزوجة-، وأثاث وأجهزة الشقة الأخرى إذا ثبت كونها من تأسيس المتوفى. وتقسم التركة كالآتي: للزوجة الربع فرضًا، وللأم السدس فرضًا، وللأب الباقي تعصيبًا.
وأما المبلغ الذي تم صرفه كمصروفات للجنازة فيخصم منه ما صرفه الوالد على الجنازة، إلا إذا كان متبرعًا بما أنفقه، ففي هذه الحالة يكون للزوجة المبلغ كاملًا، بالإضافة إلى قائمة منقولاتها.

التفاصيل ....

يجوز للإنسان أن يتصرف في ملكه في حال كمال أهليته بالبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر عليه أو كونه في مرض الموت بشتى أنواع التصرفات المشروعة كما يشاء حسبما يراه محققًا للمصلحة.
فإذا فعل ذلك ثم مات فإن هذه التصرفات سواء كانت هبات أو تنازلات أو بيوعًا أو غير ذلك هي عقود شرعية صحيحة نافذة يُعمل بها، ولا تدخل الأشياء التي تصرف فيها بهذه العقود ضمن التركة، بل تكون حقًّا خالصًا لمن كُتِبَت له لا يشاركه فيها غيره من ورثة الميت، ولا حق لهم في المطالبة بشيء منها.
وقد يختص بعضَ مَن يصيرون ورثته بشيء زائد عن غيرهم؛ لمعنًى صحيح معتبر شرعًا؛ كمواساة في حاجة أو مرض أو بلاء أو كثرة عيال أو لضمان حظ صغارٍ أو لمكافأة على برٍّ وإحسان أو لمزيد حب أو لمساعدة على تعليم أو زواج أو غير ذلك، ولا يكون بذلك مرتكبًا للجور أو الحيف؛ لوجود علة التفضيل، وبهذا يعلَّل ما وُجد من تفضيل بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم لنفر من ورثتهم على نفر آخر؛ كما روي ذلك عن أبي بكر وعائشة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما.
وبهذا يُفهم اختيار الجمهور لاستحباب المساواة بين الأولاد في العطية وعدم قولهم بالوجوب، وبيع الشخص ما يملكه دون أخذ مقابل يقع صحيحًا؛ لأنه يكيَّف على أنه حط عنه الثمن بعد وقوعه صحيحًا لازمًا، أو أبرأه من الدَّين الذي هو الثمن، أو أنه هبة في صورة بيع على أحد القولين في قاعدة: "العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني".
ولا يجوز لأحد الرجوع في هبته لآخر، إلا أن يهب الوالد لولده فيجوز له ذلك في كل أو بعض ما وهبه لولده؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَحل لِرَجُلٍ أن يُعطِيَ عَطِيَّةً أو يَهَبَ هِبَةً فيَرْجِعَ فيها، إلا الوالِدَ فيما يُعْطِي وَلَدَه» رواه أصحاب "السنن" الأربعة وأحمد والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
وعلى ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ما قام به والد السائل هو تصرف صحيحٌ شرعًا، وتنتقل به ملكية الأرض لأولاده، ولا يضر في ذلك أن والده يأخذ الإيجارات ويدفع الأموال الأميرية.
وجميع ما تركه المتوفى يُعدُّ تركةً عنه ومنها الفدانان ونصف ثمن السيارة إذا كانت قد أعطته زوجته نصف ثمنها بقصد الدين، أو كامل ثمنها إذا كانت قد أعطتها له بقصد الهبة والهدية، وكذلك جميع الأثاث والأجهزة الكهربائية الزائدة عن قائمة المنقولات الخاصة بالزوجة، وكذلك أثاث وأجهزة الشقة الأخرى إذا ثبت كونها من تأسيس المتوفى.
والمبلغ الذي تم صرفه للزوجة كمصروفات للجنازة يخصم منه ما صُرف على الجنازة أي المبلغ الذي دفعه والد المتوفى إلا إذا كان الوالد متبرعًا بما أنفقه من مصاريف الجنازة، ففي هذه الحالة يكون جميع المبلغ المصروف للزوجة خاصًّا بها لا يشاركها فيه أحد، وكذا قائمة منقولاتها، وما بقي بعد ذلك يكون للزوجة فيه الربع فرضًا؛ لعدم وجود الفرع الوارث، وللأم السدس فرضًا؛ لوجود عدد من الإخوة، وللأب الباقي بعد الربع والسدس تعصيبًا؛ لعدم وجود صاحب فرض آخر ولا عاصب أقرب، ولا شيء لإخوته الأشقاء؛ لحجبهم بالأب الأقرب منهم جهة.
هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال، وإذا لم يكن للمتوفى شقيق السائل وارث آخر غير من ذكروا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا