الأولوية في إمامة الصلاة بين العالم والحافظ

الأولوية في إمامة الصلاة بين العالم والحافظ

ما الأوصاف المطلوبة شرعًا فيمن يُعيَّن إمامًا للمسجد؟ أهو العالِم فقط أم الحافِظ؟ ومَن الأحق بالإمامة لو كان العالِم موجودًا في المنطقة وهو جار المسجد؟ ومن المقدم للإمامة حينذاك: العالِم أم الحافظ؟

إمامة الصلاة مظهر من مظاهر النيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الشعائر الدينية، ولذا جعل الشرع الشريف لمن يقوم بهذه الوظيفة شروطًا: فيقدم العالم على الحافظ؛ لأن الحفظ مُحتاجٌ إليه لإقامة ركنٍ واحدٍ من الصلاة، بينما العلم مُحتاجٌ إليه في أركان الصلاة كلها، فإن تساويا في العلم والحفظ قُدِّم الأكبر سنًّا.
وإذا اجتمع قوم وكان فيهم ذو سلطان فهو أولى بالإمامة إن كان مستجمعًا لشروط صحة الصلاة؛ كحفظ مقدار الفرض من القراءة والعلم بأركان الصلاة ولو كان بين القوم من هو أفقه أو أقرأ منه؛ لأن ولايته عامة، وإلا يقدَّم صاحب المنزل مع استحباب أن يأذن لمن هو أفضل منه، ويقدَّم إمام الحيِّ وإن كان غيره أفقه أو أقرأ أو أورع منه، ثم إن شاء تقدم هو وإن شاء قدم غيره.

التفاصيل ....

المحتويات

الإمام في الصلاة نائب عن النبي عليه السلام

إمامة الصلاة مظهر من مظاهر النيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الشعائر الدينية، ولذا جعل الشرع الشريف لمن يقوم بهذه الوظيفة شروطًا: فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ».

وأخرج أيضًا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ».

ترتيب الأحق بالإمامة عند الفقهاء

وقد فصل الفقهاء في ترتيب أولوية الناس في إمامة الصلاة؛ فقدم السادة الحنفية العالِم على الحافظ؛ لأن الحفظ مُحتاجٌ إليه لإقامة ركنٍ واحدٍ من الصلاة، بينما العلم مُحتاجٌ إليه في أركان الصلاة كلها، فإن تساويا في العلم والحفظ قُدِّم الأسنُّ.
قال الإمام المرغيناني في "الهداية" (1/ 346، ط. دار الفكر مع "العناية شرح الهداية") ما ملخصه: أولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسُّنَّة، وعن أبي يوسف رَحِمَهُ اللهُ: أقرؤهم؛ لأن القراءة لا بد منها، والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة، ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها لركن واحد، والعلم سائر أركان الصلاة، فإن تساووا فأقرؤهم، وأقرؤهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه، فقدم في الحديث، ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم، فإن تساووا فأورعهم، فإن تساووا فأسنهم؛ ولأن في تقديمه تكثير الجماعة. اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 557، ط. دار الفكر): [(والأحق بالإمامة) تقديمًا بل نصبًا "مجمع الأنهر" (الأعلم بأحكام الصلاة) فقط صحة وفسادًا بشرط اجتنابه للفواحش الظاهرة، وحفظه قدر فرض، وقيل واجب، وقيل سنة، (ثم الأحسن تلاوة) وتجويدًا (للقراءة، ثم الأورع) أي الأكثر اتقاءً للشبهات. والتقوى: اتقاء المحرمات، (ثم الأسن) أي الأقدم إسلامًا، فيقدم شابٌّ على شيخٍ أسْلَمَ، وقالوا: يقدم الأقدم ورعًا. وفي "النهر" عن الزاد: وعليه يقاس سائر الخصال؛ فيقال: يقدم أقدمهم علمًا ونحوه، وحينئذٍ فقلما يُحتَاجُ للقرعة، (ثم الأحسن خُلُقًا) بالضم ألفة بالناس، (ثم الأحسن وَجهًا) أي أكثرهم تهجدًا؛ زاد في "الزاد" ثم أصبحهم: أي أسمحهم وجهًا، ثم أكثرهم حسَبًا (ثم الأشرف نسبًا) زاد في "البرهان": ثم الأحسن صوتًا. وفي "الأشباه" قبيل ثمن المثل: ثم الأحسن زوجة. ثم الأكثر مالًا، ثم الأكثر جاهًا (ثم الأنظف ثوبًا) ثم الأكبر رأسًا والأصغر عضوًا، ثم المقيم على المسافر، ثم الحر الأصلي على العتيق. ثم المتيمم عن حدث على المتيمم عن جنابة] اهـ.

الأولى بالإمامة في قوم تواجد فيهم ذو سلطان

واتفقوا على أنه إذا اجتمع قوم وكان فيهم ذو سلطان، كأمير ووالٍ وقاضٍ فهو أولى بالإمامة من الجميع حتى من صاحب المنزل وإمام الحي، وهذا إذا كان مستجمعًا لشروط صحة الصلاة كحفظ مقدار الفرض من القراءة والعلم بأركان الصلاة، حتى ولو كان بين القوم من هو أفقه أو أقرأ منه؛ لأن ولايته عامة، ولأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج. وإن لم يكن بينهم ذو سلطان يقدم صاحب المنزل، ويقدم إمام الحيِّ، وإن كان غيره أفقه أو أقرأ أو أورع منه إن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده، لكنه يستحب لصاحب المنزل أن يأذن لمن هو أفضل منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا