من أحكام الحوالة

من أحكام الحوالة

 شخص في شركة مقاولات، وبإذن باقي الشركاء توسط عند جهة مال لتقرض الشركة قرضًا يساعدها على حفظ كيانها وعدم انهيارها وتجنبها غرامات كبيرة بسبب عدم استطاعتها الوفاء بالتزاماتها تجاه الغير، وذكرت شركة المقاولات لجهة المال أن لها عند الغير حقوقًا تزيد عن قيمة القرض المطلوب، فوافقت جهة المال على إقراض الشركة بشرط أن يكفل الشخص المذكور القرض كفالة غرمٍ وأداءٍ متضامنًا مع الشركة، وتم القرض في صورة سندٍ تعهدت فيه الشركة بالوفاء في وقت محدد، وذيّله الكفيل الوسيط بكفالته كفالة غرم وأداء، وبعد حلول سداد القرض طالبت جهة المال بالوفاء، فكتبت الشركة على عميل لها عليه دين أكثر من قيمة القروض، وطلبت منه أن يحول حقوقها لديه لصالح جهة المال حتى تستوفي ما لها، وقبل المحال عليه ذلك وكتب إلى جهة المال أنه موافق على تحويل وإيداع أيّ مستحقات أو حقوق لشركة المقاولات لحسابها أي لحساب جهة المال، وبعد فترة من الزمن دخلت شركة المقاولات المدينة في التصفية فطلب الكفيل من جهة المال أن تطلب من مصفي الشركة اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو استيفاء دينها كاملًا؛ لأنه من الديون الممتازة كما طلب من جهة المال تخليصه من عبء الكفالة، لم تستجب جهة المال لموضوع طلب تمييز دينها وطلبت من المصفي إدراج دينها أسوة بباقي الغرماء دون أن تنوّه له عن الحوالة السارية المفعول بكفالة الدين من قبل الشريك، ولا بأحقيتها في التمييز، وفي نفس الوقت طلبت من الكفيل تسديد المديونية كاملة، اعترض الكفيل على تصرف جهة المال؛ لأنها عندما طلبت من المصفي إدراج دينها أسوة بباقي الغرماء قد أضعفت مركز الكفيل؛ لتحميله عبء الوفاء بقيمة الدين, طلبت جهة المال من المصفي أن يحجز لصالح دينها كامل قيمة من الحوالة التي كانت الشركة قد تنازلت عن قيمتها للجهة المقرضة حال حياتها، وفي نفس الوقت أصرت على مطالبة الكفيل أن يسدد لها كامل دينها أي أنها جمعت المطالبة بحقها مرتين مرة من الحوالة وأخرى من الكفيل.
ويسأل الطالب عن حكم ما حدث شرعًا، وهل للحوالة التي أصدرتها الشركة المذكورة لصالح الجهة المقرضة والتي لا تزال قائمة عند المحال عليه وتغطي دين الجهة المقرضة هل لها امتياز على مبالغها المستحقة لدى المحال عليه لا سيما وأنها قد تمت قبل دخول الشركة في التصفية؟
وهل قبول الحوالة من الجهة المقرضة قبل دخول الشركة في التصفية يعتبر استيفاء يبرئ الكفيل من كفالته؟
وهل ما فعلته الجهة الدائنة بعد أن أضعفت مركز الكفيل أن ترجع على الكفيل بالفرق الذي يعتبر قد تنازلت عنه عندما طلبت دخولها في التصفية أسوة بالغرماء؟
وهل تبرأ ذمة المحيل من المحال به عند انعقاد الحوالة؟
وهل براءة المحيل وهو أصل تقضي ببراءة الكفيل وهو الفرع؟
وهل يجوز للجهة المقرضة أن تطالب بدينها كاملًا مرتين الأولى بطلبها حجز قيمة الحوالة لمصلحتها، والثانية بطلب دينها كاملًا من الكفيل؟

 عرف الفقهاء الكفالة بأنها: ضمّ ذمة إلى ذمة أخرى في المطالبة، وتنعقد بالإيجاب والقبول بين الكفيل والمكفول له دون حاجة إلى رضا المكفول عنه، ومتى تمت الكفالة ثبت للمكفول له حق مطالبة الكفيل بما وقعت الكفالة به عن الأصيل متى شاء، كما أن للمكفول له أن يطالب المكفول عنه أيضًا؛ بمعنى أن المكفول له الخيار؛ إن شاء طالب الذي عليه الدين، وإن شاء طالب كفيله، ومن أحكام الكفالة أنه إذا أبرأ المكفول له المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل؛ لأن براءة الأصيل وهو المكفول عنه توجب براءة الكفيل، كما عرف الفقهاء الحوالة بأنها: نقل الدين من ذمة إلى ذمة. أي: من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ويشترط لصحة الحوالة رضا كل الأطراف المحيل والمحال عليه والمحال له، ومتى تمت الحوالة برئ المحيل من الدين على المختار؛ لأن معنى الحوالة النقل والتحويل وهو لا يتحقق إلا بفراغ ذمة الأصيل؛ لأن الدين متى انتقل من ذمة لا يبقى فيها ولا يرجع المحال له الدائن على المحيل المدين إلا إذا جحد المحال عليه الحوالة وحلف على ذلك ولا بينة للمحال له ولا للمحيل لإثباتها عليه أو بأن يموت المحال عليه مفلسًا أو يحكم بإفلاسه حال حياته.
وبناءً على ما تقدم: ففي واقعة السؤال، وحيث قد تمت الكفالة على الوجه المشروح في موضوع الاستفتاء كما تمت الحوالة مستوفية شروط صحتها بين كل من الشركة المقترضة شركة المقاولات المحيلة، وبين عميلها المحال عليه الذي لها دين عليه أكثر من قيمة القروض، وقد قبلت الجهة الدائنة المحالة هذه الحوالة، فإنه -والحالة هذه- تكون الشركة المقترضة شركة المقاولات قد برئت ذمتها من هذا الدين موضوع الاستفتاء، كما تبرأ ذمة الكفيل تبعًا؛ لأن المنصوص عليه فقهًا أنه إذا برئت ذمة المكفول المدين برئت ذمة الكفيل. وفي هذه الحالة لا ترجع الجهة المقرضة المحالة على شركة المقاولات المحيلة إلا في الحالات التي بيناها سابقًا. وبهذا يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا