ما الحكم إذا زاد عدد الصكوك على عدد الذبائح أو العكس

ما الحكم إذا زاد عدد الصكوك على عدد الذبائح أو العكس

ما الحكم إذا زاد عدد الصكوك على عدد الذبائح أو العكس؟ فنحن جهة خيرية تقوم بتنفيذ مشروع الأضاحي، ومنذ تأسيس المشروع لا نخطو خطوة إلا بعد الرجوع إلى دار الإفتاء المصرية في أي موضوع جديد. ولِمَا حققه هذا البرنامج من نجاح في إطعام عشرات الآلاف من الفقراء والمحتاجين لحوم أضاحي سنويًّا، مما يصعب معه تحديد عدد المتبرعين المشتركين في تمويل البرنامج قبل التعاقد مع موردي الخراف والعجول داخل مصر وخارجها؛ مما يؤدي إلى بيع عدد صكوك أقل أو أكثر مما تم الاتفاق عليه مع الموردين.
فسؤالنا هو: هل يجوز في حالة زيادة أعداد الصكوك عما تم الاتفاق عليه مع موردي الخراف والعجول لموسم الأضاحي الحالي أن يتم استخدام هذه الزيادة في شراء أضاحي مع صكوك العام القادم؟ وفي حالة نقص عدد الصكوك المباعة عن العدد الذي تم التعاقد عليه فهل يمكن تحويل الفرق إلى لحوم صدقات وندفع تكلفتها؟

شراءُ صكِّ الأضحيَةِ من الجهة المذكورة هو توكيلٌ لها بالتَّضحيَة عن المشتري في عامِ الشِّراءِ؛ لأنَّها إنما تعرض على الناس صكوكَ الأضاحِي عامًا عامًا، إلا أن يشترط المشتري غير هذا، وعلى الوكيل الالتزام بشرط الوكالة شرعًا أو عرفًا.
ومن هنا فلا يجوز لكم شرعًا أن تؤجِّلوا ذبح شيء من الأضاحي التي أعطيتم بها صكوكًا للمشترين إلى العام التالي إذا نَفِدَ ما لديكم من بهيمة الأنعام؛ لأنهم إنما اشتروها للأضحية عامَ شرائها، فتكون الوكالة بذلك مقيدةً بزمن الأضحية وجنسها، وتكونون ملتزمين شرعًا بذبح ما وُكِّلتم فيه في وقت الأضحية المحدد شرعًا.
وعليكم في هذا الصدد إيجاد آلية لضبط عدد الصكوك المقدور على تنفيذها، فإذا لم يتيسر لكم إيجاد تلك الآلية فيجب أن تكون الصكوكُ مشتملةً على هذا القيد صراحة؛ فيكون مكتوبًا عليها: أنه إذا لم يتيسر ذبح الأضحية هذا العام فسيكون ذلك في العام القادم، ولن يُعَدَّ مشتري الصك حينئذ مضحيًا في عام الشراء.
هذا عن زيادة عدد الصكوك على عدد الأنعام، أما إذا قل عدد الصكوك عما لديكم من عدد الأنعام فإنه يجوز لكم ذبحها وإخراج لحومها صدقات لإطعام الفقراء والمساكين.

التفاصيل ....

المحتويات

حكم التوكيل في ذبح الأضحية

الصَّكُّ صورةٌ من صور الوَكالة، وهي جائزةٌ في النِّيابةِ عن الذَّابِح في الأضحية؛ فيجوز لمريد الأضحية أن يُنِيبَ عنه من شاء ليذبحها له، أو ليوزِّعَها؛ فإنَّ الفُقهاءَ قد نصُّوا على أنَّ ذبح المضحي لأضحيته هو أمرٌ مسنونٌ لا واجب، وهذا يقتضي جواز إنابة غيره في ذلك.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 67، ط. دار الكتب العلمية): [تجزئُ فيها -أي: الأضحية- النِّيابة؛ فيجوزُ للإنسانِ أن يضحِّيَ بنفسه وبغيره بإذنه؛ لأنَّها قربة تتعلق بالمال، فتجزئُ فيها النِّيابة؛ كأداء الزَّكاةِ وصدقة الفطر، ولأنَّ كلَّ أحدٍ لا يقدِرُ على مباشرةٍ الذَّبح بنفسه، خصوصًا النساء، فلو لم تَجُزْ الاستنابة لأدَّى إلى الحرج] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين بحاشية مغني المحتاج" (6/ 124-125، دار الكتب العلمية): [ويُسَنُّ لِمُرِيدِها أن لا يُزيل شعره ولا ظُفرَه في عشر ذي الحجة حتى يضحي، وأن يذبحها بنفسه، وإلا فلْيَشهدْهَا] اهـ.
قال العلَّامة الخطيب الشربيني في شرحه "مغني المحتاج" (6/ 125): [أَفْهَمَ كلامُه جوازَ الاستنابة، وبه صرَّح غيره؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم "سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ؛ فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْمُدْيَةَ فَنَحَرَ مَا غَبَرَ -أَيْ: بَقِيَ-"] اهـ.

ما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة

الوكالة قد تكون مطلقةً، وقد تكون مقيَّدةً، فإذا ما قُيِّدَتْ بقيدٍ أو كان الموَكَّل فيه مقيَّدًا في نفسه: فليس للوكيل مخالفةُ قيد الوكالة؛ سواء في الثمن، أم في الجنس، أم في الوقت، إلا إذا كانت مخالفته إلى ما هو أفضل لموكِّلِه، وعلى ذلك جمهور الفقهاء.
قال الإمام المازري المالكي في "شرح التَّلقين" (2/ 102، ط. دار الفكر الإسلامي): [والموكّل على شراء سلعة لا يخلو أن يكون يُقيِّد المثمون والثمن، أوْ لا يقيِّدهما جميعًا، أو يقيد المثمون دون الثمن، أو الثمن دون المثمون، فإن قيَّدهما فخالف الوكيل ما قيّد له، كان متعديًا من غير خلاف] اهـ.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "التنبيه" (ص: 109، ط. عالم الكتب): [وإن قال: بِعْ بألف درهم، فباع بألف دينار: لم يصح، وإن قال: بع بألفٍ، فباع بألفين: صح، إلا أن ينهاه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" (ص: 136، ط. دار الفكر): [قال: بع لشخصٍ معينٍ أو في زمنٍ أو مكانٍ معين؛ تَعَيَّن.. ومتى خالف الموكلَ في بيع ماله أو الشراء بعينه؛ فتصرفه باطل] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (3/ 250): [فصل "فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيَّدة بغير أجل وما يتبعها": لو (قال: بِعْ لشخصٍ معيَّن) كزيدٍ (أو في زمنٍ) معيَّنٍ كيومِ الجمعة (أو مكانٍ معيَّنٍ) كسوق كذا (تَعَيَّنَ) ذلك] اهـ.
وجاء في "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 287): [إذا قُيِّدَتْ الوكالة بقيدٍ فليس للوكيلِ مخالفته، فإن خالف لا يكون شراؤه نافذًا في حقِّ الموكِّل، ويبقى المال الذي اشتري عليه. ولكن إذا خالف بصورة فائدتها أزيد في حقِّ الموكل فلا تعد مخالفة معنى] اهـ.
ونصَّت المادَّة رقم (819) في "مرشدِ الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان" للعلَّامَةِ محمد قدري باشا (ص: 134، ط. المطبعة الكبرى الأميرية) على أنَّه: [إذا قُيِّدَتِ الوكالةُ بقيدٍ فليس للوكيل بالشِّراءِ مخالفته، إلا إذا كان خلافًا إلى خير] اهـ.
وكما يكون التَّقييدُ في الوكالة بنصِّ الوكيلِ، فقد يكون كذلك بالسياق والعُرف.
قال الإمام ابن الصلاح في "فتاويه" (2/ 601، ط. مكتبة العلوم والحكم): [مسألة: لو وُكِّلَ ليشتري له جَمَدًا في الصَّيفِ ثم جاء الشِّتاءُ وخرَج الجَمَدُ عن أن يكون له قيمة، ثم جاء الصيف الآخر؛ لا يجوز له الشراء؛ لأنَّ العادَة أنه أراد به العامَ الأوَّلَ] اهـ.

ما يجب على الوكيل في التوكيل في ذبح الأضحية

شراءُ صكِّ الأضحيَةِ من هذه الجهة الخيرية هو توكيلٌ لها بالتَّضحيَة عن المشتري في عامِ الشِّراءِ؛ لأنَّها إنما تعرض على الناس صكوكَ الأضاحِي عامًا عامًا، إلا أن يشترط المشتري غير هذا.
وحينئذٍ فليس للجهة -بصفتِها وكيلةً عن المشتري- أن تخالف ما وكَّلَها فيه؛ سواءٌ كان ذلك في جنسِ الأضحية أو شرطِها أو وقت ذبحِها؛ لأنَّ على الوكيل الالتزامَ بشرط الوكالة، فإذا كان التوكيل بالذَّبحِ هذا العام، لم يَجُزْ للوكيل تأخيرُه إلى العامِ القادِمِ إلا بإعلامِ موكِّلِه وموافقتِه على ذلك.

الخلاصة

بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فلا يجوز لهذه الجهة الخيرية أن تؤجِّلَ ذبحَ شيءٍ من الأضاحِي التي أَعطَت بها صكوكًا للمشْتَرِين إلى العام التالي إذا نَفِدَ ما لديها من بهيمةِ الأنعامِ؛ لأنَّهم إنما اشتروها للأضحية عامَ شرائِها، فتكونَ الوَكَالَةُ بذلك مقيدةً بزمن الأضحية وجنسها، وتكون الجهة ملتزمةً شرعًا بذبحِ ما وُكِّلَت فيه في وقت الأضحية المحدد شرعًا.
وعلى الجهة إيجادُ آليَّةٍ لضبط عدد الصكوك المقدور على تنفيذِها؛ لأنَّ ذلك من صميمِ عملِ الوكيلِ؛ إذ من شرط قبولِ الوكالةِ القدرةُ عليها، ولا يجوز للجهة أن تقبل صكوكًا بأضاحي هذا العام، ثم تؤخِّرُ ذبحها إلى العام القادم.
أما إذا لم يتيسر للجهة إيجاد آليَّةٍ لضبط عدد الصكوك على عدد الأضاحي فيجب أن تكون صكوكُها مشتملةً على هذا القيد صراحةً؛ فيكون مكتوبًا عليها: أنه إذا لم يتيسر ذبحُ الأضحيَةِ هذا العام فسيكون ذلك في العام القادم، ولن يُعَدَّ مشتري الصَّك حينئذٍ مضحيًا في عام الشراء.
أما إذا قلَّ عددُ الصُّكوكِ عما لدى الجهة من عدد الأنعام فإنه يجوز لها أن تذبحها وتخرج لحومها صدقات لإطعام الفقراء والمساكين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا