حكم الدخول أو الخروج لأرض فيها وباء

حكم الدخول أو الخروج لأرض فيها وباء

ما حكم  الدخول أو الخروج لأرض فيها وباء؟ فقد اجتاح فيروس كورونا بلدان العالم، ومات بسببه الكثير من الأشخاص؛ فما حكم الدخول إلى أرض انتشر فيها فيروس كورونا، أو الخروج منها؟ وهل يحرم الخروج إذا كان للمداواة؟

ينبغي على الإنسان أن يتجنب دخول الأرض التي انتشر فيها هذا الفيروس الوبائي؛ حمايةً له وحفاظًا عليه، وقد نهى الشرع عن الدخول لأرض انتشر فيها المرض الوبائي؛ كالطاعون ونحوه، أما الخروج منها: فيجوز ما لم يكن بقصد الفرار، ما دام أن ذلك لا يخالف اللوائح والأنظمة، خاصة في ظل هذه الفترة الراهنة التي يعيشها العالم.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حكم الدخول أو الخروج لأرض فيها وباء

نهى الشرع الشريف عن الدخول إلى أرضٍ فشا فيها الوباء وانتشرت فيها الأمراض؛ كالطاعون ونحوه من الأوبئة العامة؛ حمايةً للإنسان وحفاظًا عليه من التعرُّض للتلف، ونهى كذلك عن الخروجِ منها فرارًا من المرض؛ وذلك كله لإثبات التوكل على الله تعالى والتسليم لأمره وقضائه؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» متفقٌ عليه.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 299، ط. المطبعة العلمية): [في قوله: «لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ»: إثبات الحذر والنهي عن التعرض للتلف، وفي قوله: «لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» إثبات التوكل والتسليم لأمر الله وقضائه، فأحد الأمرين تأديبٌ وتعليم، والآخر تفويضٌ وتسليم] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (12/ 260، ط. وزارة أوقاف المغرب): [وفيه عندي -والله أعلم- النهي عن ركوب الغرر والمخاطرة بالنفس والمهجة؛ لأن الأغلب في الظاهر أنَّ الأرض الوبيئة لا يكاد يَسْلَم صاحبها من الوباء فيها إذا نزل بها، فنهوا عن هذا الظاهر إذ الآجال والآلام مستورة] اهـ.
وحينما اعترض أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على الصحابة في رجوعهم عن الشام لمَّا أن نزل بها الوباء، وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفِرارًا من قدر الله؟! قال له عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان: إحداهما خصبة، والأخرى جدبة؛ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟! قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ فقال: إن عندي في هذا علمًا؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». قال: فحمد اللهَ عمرُ، ثم انصرف. أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث مُطَوَّلٍ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 132، دار الوفاء): [وقول عمر رضي الله عنه له: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة"، يريد من ليس عنده من العلم ما عندك، وأن رجوعي ليس بفرار من قدر، ولكنه أخذ بالحذر والحزم الذي أمرنا الله به.. وأن هذا من الانتقال من وجهٍ إلى وجهٍ، لا فرق بينه وبين الانتقال من القدوم على الوباء أو الرجوع؛ إذ لا يكون من هذا كله إلا ما قدَّره الله، لكن على الإنسان طلب الأسباب والاكتساب، وهو مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، وقوله: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّل»] اهـ.

حكم  الخروج من الأرض المنتشر فيها الوباء لغرضٍ آخر غير الفرار

الخروج من الأرض المنتشر فيها الوباء إذا كان لغرضٍ آخر غير الفرار؛ كالعلاج ونحوه؛ فقد أجازته الشريعة الغرَّاء، ونص عليه جماهير العلماء:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفرٌ مرضى، من حي من أحياء العرب، فأسلموا وبايعوه، وقد وقع الموم وهو: البرسام –الجدري الشديد-، فقالوا: يا رسول الله: هذا الوجع قد وقع، لو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فكنا فيها، قال: «نَعَم، اخرجُوا فَكُونُوا فِيها» أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، ثم قال: [إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالخروج إلى الإبل، وقد وقع الوباء بالمدينة، فكان ذلك عندنا -والله أعلم- على أن يكون خروجهم للعلاج لا للفرار] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (13/ 225، ط. دار الغرب الإسلامي): [ويجوز الخروج من بلاد الوباء لغرضٍ آخرَ غير الفرار] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 10، ط. المطبعة الإسلامية): [والحاصل أن من خرج لشغل عرض له أو للتداوي من علة به؛ طعن أو غيره: فلا يختلف في جواز الخروج له لأجل ذلك] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "الطب النبوي" (ص: 35، ط. دار الهلال): [من لا يستغني عن الحركة؛ كالصناع، والأجراء، والمسافرين، والبُرُد، وغيرهم، فلا يقال لهم: اتركوا حركاتكم جملة، وإن أمروا أن يتركوا منها ما لا حاجة لهم إليه، كحركة المسافر فارًّا منه، والله تعالى أعلم] اهـ.
والخروج في هذه الآونة لا بد أن يكون مرتبطًا باللوائح المنظمة لحركة السفر والانتقالات بين المدن، فإن التنقل فيها أو من خلالها لا بد أن يكون عن طريق الجهات المختصة.

الخلاصة

على ذلك: فينبغي على الإنسان أن يتجنب دخول الأرض التي انتشر فيها هذا الفيروس الوبائي؛ حمايةً له وحفاظًا عليه، وقد نهى الشرع عن الدخول لأرض انتشر فيها المرض الوبائي؛ كالطاعون ونحوه، أما الخروج منها: فيجوز ما لم يكن بقصد الفرار، ما دام أن ذلك لا يخالف اللوائح والأنظمة، خاصة في ظل هذه الفترة الراهنة التي يعيشها العالم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا