هل للحاكم أن يُقيِّد بعض مظاهر العبادات التي جاء بها الشرع الشريف؟ وما الضابط في ذلك؟
أحكام الشعائر الدينية ثابتة في أصلها لا تتغير ولا تتبدل، والقيام بها وتأديتها على وجهها مقيد بالاستطاعة وعدم تعرض النفس للهلكة، وقد أناط الله تعالى بالحاكم رعاية شؤون البلاد، وأمر الناس بلزوم طاعته، ويسر الله تعالى له بما خوّله من سلطة معرفة دقائق الأمور وعظيمها حتى يستطيع بها تدبير مصالح العباد، فإذا جدّ طارئ من وباء أو بلاء تحتم على الحاكم الأخذ بكل وسائل الحيطة والوقاية لحفظ النفوس والحفاظ على أمنها، ولو كان في إقامة بعض الشعائر الدينية ما قد يعرض النفوس للهلاك أو للضرر الشديد جاز للحاكم تقييد إقامة تلك الشعائر على قدر الحاجة وحتى ارتفاع الطارئ مع ثبات حكمها وبقائه على أصل تشريعه دون المساس به.
أمر الله تعالى بطاعة أولي الأمر، وجعلها بعد طاعته سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وذلك لما في طاعتهم وامتثال قولهم من استقرار شؤون البلاد وأمن العباد؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].
ومن القواعد الفقهية المستقرة أنَّ تَصرُّفَ الحاكم على محكوميه منوط بالمصلحة، والمراد بالمصلحة هنا الشرعية المعتبرة أو المرسلة بضوابطها، لا الملغاة.
والمصلحة تكون لعموم مَن تحته لا لفردٍ بعينه، فإذا طرأ من الأمور المستحدَثة ما رأى الحاكم فيه أن إقامة بعض الشعائر الدينية قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالناس، تَحتَّمَ على الحاكم في هذه الحالة تقييدُ إقامة تلك الشعائر على الوجه الذي يأمن به الناس على حياتهم ومصالحهم، ذلك لما استقر أن حفظ النفس من المقاصد الشرعية.
والناظر فيما شرعه الله تعالى من عبادات وأحكام يجدُ أنّ تحقيق مصلحة العباد مقصد رئيسي من مقاصدها، فمن مقاصد الصلاة النهي عن الفحشاء والمنكر، ولا يخفَى ما في الانتهاء عنهما من مصلحة العباد؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]، ومن مقاصد الصوم أن ينعم الناس بصحة البدن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صُومُوا تَصِحُّوا» رواه الطبراني في "الأوسط"، ومن مقاصد الزكاة رعاية الفقير وسد حاجته؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، ومن مقاصد الحج التعارف بين الناس والتبادل في المنافع؛ قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 27-28].
فإذا ما كان في أداء العبادات والشعائر خروج عن مقاصدها، بأن أصبح في إقامة الجماعات تفشي للأوبئة والأمراض، أو في الصيام هلكة لشدة حر أو مرض، أو في دفع الزكاة تقوية لعدو أو محارب، أو في الحج إهلاك للنفس أو للولد، فإن تحقيق المقصد من الشعيرة أولى من تحقيقها، وذلك بقدر الحاجة ورفع الضرر، مع ثبات حكمها ولزوم العمل به في حال زوال العارض الطارئ.
قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (10/ 46، ط. دار الغرب الإسلامي): [إن الشرع وسع للموقع في النجاسة، وفي زمن المطر في طينه، وأصحاب القروح، وجوَّز ترك أركان الصلاة وشروطها إذا ضاقت الحال عن إقامتها، وكذلك كثير في الشرع، وكذلك قال (ش) -أي: الإمام الشافعي رضي الله عنه-: "ما ضاق شيء إلا اتسع"؛ يشير إلى هذه المواطن، فكذلك إذا ضاق علينا الحال في درء المفاسد اتسع؛ كما اتسع في تلك المواطن] اهـ.
وقال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (5/ 177-178، ط. دار ابن عفان): [النظر في مآلات الأفعال مُعتبَر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل؛ فقد يكون مشروعًا لمصلحة فيه تُستجلب، أو لمفسدة تُدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها؛ فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغب -أي: العاقبة-، جار على مقاصد الشريعة] اهـ.
فإذا انتشر الوباء الذي يودي بحياة الكثير من الناس، وجب على الحاكم الأخذ بكل وسائل الوقاية التي تحد من انتشاره، ولو كان من هذه الوسائل تعطيل إقامة بعض الشعائر الدينية، وذلك لما أوكله الله تعالى من مسؤولية الحفاظ على رعيته؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، والبخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند".
وقد تواردت النصوص على إيقاف سيدنا عمر رضي الله عنه لتطبيق بعض الأحكام الشرعية الثابتة بالأدلة القطعية؛ إعلاءً للمقاصد الكلية وتحقيقًا للمصالح المرعية، دون أن يُعَدَّ ذلك إلغاءً للحكم أو تعديًا عليه، ومن ذلك تعطيل حد السرقة في عام الرمادة لتفشي الجوع، وتعطيل سهم المؤلفة قلوبهم في الزكاة لحاجة المسلمين إليها.
فأما تعطيل حد السرقة في عام المجاعة: فعن حصين بن جرير قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لا قطع في عِذْق، ولا في عام سنة" أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفيهما".
وأما تعطيله لسهم المؤلفة قلوبهم: يقول ابن عطية في "تفسيره" (3/ 49، ط. دار الكتب العلمية) بعد أن ذكر إيقاف عمر رضي الله عنه لسهم المؤلفة قلوبهم: [وأما أن ينكر عمر الاستئلاف جملة وفي ثغور الإسلام فبعيد، وقال كثير من أهل العلم: الْمُؤَلَّفَة قُلُوبُهُمْ موجودون إلى يوم القيامة] اهـ.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن حكم الحاكم يشمل العبادات، فاشترط الحنفية إذن الحاكم في إقامة الجُمَع، واشترطه الشافعية في صلاة الاستسقاء، واختلف المالكية في دخوله العبادات؛ فقيل: يدخلها تبعًا، وقيل: استقلالًا.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته" (1/ 549، ط. دار الفكر، بيروت): [والسلطان في الرسم هو الابن وفي الحقيقة هو الوالي لعدم صحة الإذن بالقضاء والجمعة ممن لا ولاية له اهـ. أي: لأن الوالي لو لم يكن هو السلطان في الحقيقة لم يصح إذنه بالقضاء والجمعة] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 75، ط. دار الفكر، بيروت): [إن حكم الحاكم يرفع الخلاف ولو كان الحكم بطريق اللزوم لحكم آخر تبعًا، والحاصل أن حكم الحاكم لا يدخل العبادات إلا تبعًا، وحققه القرافي وخالفه تلميذه ابن راشد فجوز دخوله فيها] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 375، ط. دار الفكر، بيروت): [حكم الحاكم لا يدخل العبادات استقلالًا بل تبعًا؛ كما للقرافي، وهو المعتمد، خلافًا لابن راشد؛ حيث قال: حكم الحاكم يدخلها استقلالًا كالمعاملات] اهـ.
وقال العلامة الصاوي في "بلغة السالك" (1/ 684، ط. دار المعارف): [وللناصر اللقاني قول ثالث: وهو أن حكم الحاكم يدخل العبادات تبعًا لا استقلالًا؛ فعلى هذا إذا حكم الحاكم بثبوت الشهر لزم المالكيّ الصوم إلا إن حَكَمَ بوجوب الصوم، قاله شيخ مشايخنا العدوي] اهـ.
وقال الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (2/ 115، ط. دار الفكر، بيروت): [إن حكم الحاكم يدخل العبادات استقلالًا؛ لأنه حكم فيما يجوز فيه وهي العبادة، قاله ابن راشد. وعدم لزومه به بناءً على أنه لا يدخل العبادات وهو الراجح، قاله القرافي. وقال الناصر: يدخلها تبعًا لا استقلالا] اهـ.
قال إمام الحرمين في "نهاية المطلب" (2/ 647، ط. دار المنهاج): [صلاة الاستسقاء؛ فإنه لا يتعيَّن بالشرع فيها يومٌ، وإنما التعيين عند وقوع الجدب إلى الوالي، فإذا لم تتفق إقامة الصلاة في ذلك اليوم؛ فإنهم يقيمونها في غيره أداء، ثم إن سُقي الناس يوم خروجهم، فذاك، وإن لم يُسقَوْا، خرجوا مرة أخرى، وصلَّوا، وليس في هذا ضبطٌ ما استمر الجدب. ولكن الوالي صاحب الأمر يرعَى في ذلك مقدارَ الضرورة، ويلتفت على ما ينال الناس من المشقة في اجتماعهم، ويجري على ما يليق بالمصلحة في ذلك] اهـ.
كما قد نص الفقهاء على لزوم طاعة الحاكم ولو تردد الناس في صحة ما يقول به؛ لأن طاعة الحاكم فرض منصوص عليه، وعلى أن الشرع قد وسع على الحكام في أحكامهم لمراعاة مصالح العباد والبلاد.
قال الإمام السرخسي في "السير الكبير" (ص: 165-166، ط. الشركة الشرقية للإعانات): [إن أمروهم بشيء لا يدرون أينتفعون به أم لا، فعليهم أن يطيعوه؛ لأن فرضية الطاعة ثابتة بنص مقطوع به. وما تردد لهم من الرأي في أن ما أمر به منتفع أو غير منتفع به لا يصلح معارضًا للنص المقطوع.. وإن كان الناس في ذلك الأمر مختلفين فمنهم من يقول: فيه الهلكة، ومنهم من يقول: فيه النجاة، فليطيعوا الأمير في ذلك؛ لأن الاجتهاد لا يعارض النص، ولأن الامتناع من الطاعة فَتْحُ لسانِ اللائمة عليهم، وفي إظهار الطاعة قطع ذلك عنهم، فعليهم أن يطيعوه] اهـ.
قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (10/ 45):
[التوسعة في أحكام الولاة.. ليس مخالفًا للشرع، بل تشهد له القواعد من وجوه:
أحدها: أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول، ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام بحيث لا يخرج عن الشرع بالكلية؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، وترك هذه القوانين يؤدي إلى الضرر، ويؤكد ذلك جميع النصوص الواردة بنفي الحرج.
وثانيها: أن المصلحة المرسلة قال بها مالك وجمع من العلماء، وهي المصلحة التي لم يشهد الشرع باعتبارها ولا بإلغائها، وهذه القوانين مصالح مرسلة في أقل مراتبها] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإن أحكام الشعائر الدينية ثابتة في أصلها لا تتغير ولا تتبدل، والقيام بها وتأديتها على وجهها مقيد بالاستطاعة وعدم تعرض النفس للهلكة، وقد أناط الله تعالى بالحاكم رعاية شؤون البلاد، وأمر الناس بلزوم طاعته، ويسر الله تعالى له بما خوله من سلطة معرفة دقائق الأمور وعظيمها حتى يستطيع بها تدبير مصالح العباد، فإذا جدّ طارئ من وباء أو بلاء تحتم على الحاكم الأخذ بكل وسائل الحيطة والوقاية لحفظ النفوس والحفاظ على أمنها، ولو كان في إقامة بعض الشعائر الدينية ما قد يعرض النفوس للهلاك أو للضرر الشديد جاز للحاكم تقييد إقامة تلك الشعائر على قدر الحاجة وحتى ارتفاع الطارئ مع ثبات حكمها وبقائه على أصل تشريعه دون المساس به.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم عدم تغسيل المتوفى بفيروس كورونا؟ فنحن نعيشُ في دولة أوروبية، وقد تُوفي معنا شخصٌ مسلمٌ بفيروس كورونا الوبائي، ولكن عندما هممنا أن نجهزه للدفن منعتنا السلطات من تغسيله، وأخبرت بأن جسمه ما زال حاملًا للفيروس. فما الحكم لو دفناه من غير تغسيل؟ هل يُعدُّ هذا الفعل امتهانًا لحقوق الميت وتقصيرًا منا تجاهه؟
ما حكم إنشاء مكاتب لفحص راغبي الزواج للكشف عليهم صحيًّا وتقرير صلاحيتهم للزواج ويعطون شهادة بذلك؟ وما حكم جعل هذا الإجراء إجباريًّا، فلا يعقد الزواج إلا إذا حصل راغب الزواج على هذه الشهادة الدالة على صلاحيته من الناحية الصحية للزواج، ووضع نص قانوني في تشريع يمنع عقد أي زواج إلا إذا تقدم راغب الزواج بما يفيد حصوله على هذه الشهادة؟
ما حكم بناء المسجد على المقابر المندرسة؟ فعندنا مسجد يضيق بالمصلين ولا توجد به دورة مياه، فقام أهل الحي بتوسيعه ليكون مسجدًا جامعًا يتسع للمصلين وتكون به دورة مياه، ولا يوجد مكان في هذا الحي إلا في البقعة المجاورة للمقبرة الموضحة بخريطة المسجد المرفقة مع نص السؤال، وهذه البقعة خالية وليس بها قبور ولم يثبت أنه دُفِن فيها أحدٌ بالفعل؛ حيث إن أهل الحي منعوا من الدفن في هذه البقعة وقاموا منذ زمن طويل بوضع ثلاثة حواجز لِمنع الدفن فيها نتيجة للرائحة التي يتأذى بها أهل الحي، كما كانت توجد بئر قديمة يسقي منها أهل الحي حدائقهم، ولم يكن يوصَل إلى هذه البئر إلا من خلال المرور بهذه البقعة التي بُنِيَ عليها المسجد الآن، والبئر الآن مهجورة، وهذه البقعة بها ثلاث مغارات كان يلجأ إليها أهل الحي عند نزول المطر والغارات الجوية فيما مضى، ولم يكن يوصَل إلى هذه المغارات إلا من خلال المرور بها؛ مما يدل على عدم وجود مقابر في هذه البقعة التي بُنِيَ عليها المسجد.
علمًا بأن المغارات الثلاث والبئر القديمة ومكان الحواجز الثلاث والمكان الذي بُنِيَ فيه المسجد على هيئة هضبة مجاورة للمقبرة؛ أعلاها يبدأ من البئر القديمة ثم تنحدر هذه الهضبة وتنتهي عند الطريق العمومي كما هو موضح بالخريطة.
كما نوضح لفضيلتكم أن الأرض التي بُنِيَ عليها المسجد الآن ليست من جنس أرض المقابر؛ لأنها كانت قبل بناء المسجد عليها مرتفعةً عن بقية أرض المقبرة كما سبق توضيحه، وقد تم تجريف هذا الارتفاع من الأرض وتسويته تمامًا بالجرافات الآلية، ونُقِلت التربة بعربات النقل حتى أصبحت الأرض التي بُنِيَ عليها المسجد مثلَ غيرها من الأرضين وخرجت عن كونها أرض مقبرة مع عدم ثبوت الدفن فيها، وبعد تسويتها قمنا بوضع قواعد خراسانية فيها ثم رُدِمَت هذه القواعد بتربة رملية، وقد تم بناء المسجد اعتمادًا على المعطيات السابقة والمعلومات الموضحة بالخريطة المرفقة:
أولًا: المسجد محاط بالمقابر من جهتين؛ الشرقية بأكملها تجاه القبلة، والجنوبية بأكملها كما بالخريطة.
ثانيًا: قبل بناء المسجد ترك مُشيِّدوه مسافة على هيئة طريق مسلوك يعتبر فاصلًا بين المسجد والمقبرة؛ أضيقه ثلاثة أمثار وأوسعه ستة أمتار وذلك موضح بالخريطة المرفقة مع نص السؤال.
وبعد ذلك كله فوجئنا بمن امتنع عن الصلاة في هذا المسجد بدعوى أن الأرض التي بُنِيَ المسجد عليها وقفٌ للمقبرة، والمقبرة أقدم من المسجد من حيث المكان، فاعتبروا بذلك أن المسجد مبني على أرض المقبرة، كما جعلوا المجاورة الشديدة بين المسجد والمقبرة من اتخاذ القبور مساجد، واستندوا إلى العظام والرميم التي وُجِدَت أثناء حفر السور وذكروا أنهم سمعوا سائقَ الجرَّافة أو أحد سائقي عربات النقل يذكر أنه رأى عظامًا أثناء تجريف الأرض، وأبدوا احتمالًا بوجود قبر آخر بداخل السور محاذٍ للقبر الذي هو خارج السور المشار إليه برقم (1) في الخريطة، وأنه يمكن أن يكون قد تم نبشه عن طريق الجرافة من غير أن يعلم أحد.
وقد تقصينا الأمر في ذلك وخرجنا بالنتائج التالية:
الأرض التي تم بناء المسجد عليها ليست وقفًا للمقبرة؛ لأنه لم يثبت عندنا لأحد من أهل الحي خاصة وأهل البلد عامة ملك أحد منهم لهذه الأرض، وليس هناك حجة أو قرينة تثبت ذلك من قريب أو بعيد.
أما العظام التي وُجِدت أثناء حفر السور فقد وُجِدَت بعد الانتهاء من بناء المسجد وفي غير المكان الذي بُنِيَ فيه بل في مكان يبعد عنه ستة أمتار كما هو موضح بالخريطة وذلك عند بناء السور الذي يفصل المقبرة عن الطريق والمسجد وليس في البقعة التي تم إحلالها وبناء المسجد فيها، وأما احتمال وجود قبر داخل السور تم نبشه فلم نجد ما يؤيده.
وسألنا سائق الجرَّافة عما نقلوه عنه فأنكر صدوره منه، وأنكر أنه رأى أي رميم أو عظام أثناء قيامه بتجريف الأرض، وحتى على فرض أن أحدًا رأى شيئًا فإن هذه الأرض التي بني فيها المسجد كانت خربة وكان بعض أهل الحي يدفنون فيها بهائمهم الميتة.
فما حكم الصلاة في هذا المسجد؟ وهل تدخل توسعته بذلك في اتخاذ القبور مساجد؟
البريد الوارد من/ رئيس جامعة القاهرة، والمتضمن: نرجو من سيادتكم التكرم بإبداء الرأي الشرعي فيما تعتزم جامعة القاهرة القيام به كما يلي:
أولًا: من حيث إنه قد انتشرت في مباني الجامعة في السنوات الأخيرة اتخاذ بعض الأماكن كمصلى؛ وهي أماكن محدودة المساحة حيث لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار، ولا تتوافر لها الشروط الشرعية من حيث توافر أماكن للوضوء وقضاء الحاجة، فضلًا عن استخدامها من بعض الطلاب المنتمين إلى الجماعات المتطرفة لبث أفكارهم بين الطلاب والعاملين حين يذهبون إلى الصلاة فيها، وقد عزمت الجامعة على بناء مسجد جامع في وسط الحرم الجامعي للبنين وآخر للبنات مع مرافقهما على أحدث طراز بما يسهل على الطلاب والعاملين وأعضاء هيئة التدريس أداء الفريضة، وسيندب له إمام ومقيم شعائر ومؤذن من وزارة الأوقاف؛ وذلك ضبطًا للخطاب الديني الذي يقدم فيه، وستقوم الجامعة بإغلاق كل هذه الأماكن غير المؤهلة بحسب خواصها وما أهِّلَت له لتكون مسجدًا.
ثانيًا: أقامت الجامعة بالمدينة الجامعية مسجدًا كبيرًا يسع أكثر من ألفي مصلٍّ، ورغم ذلك انتشرت في مباني المدينة الجامعية مصليات تقام فيها صلاة الجماعة ولا يذهب الطلاب للصلاة في المسجد؛ فهل يجوز للجامعة إغلاق هذه المصليات وحمل الطلاب على الصلاة في المسجد الجامع بالمدينة الجامعية، والذي لا يبتعد عن المباني السكنية غير عشرات الأمتار؛ وذلك تعظيمًا لفكرة الصلاة الجامعة في المسجد، وحضًّا على المشي للمسجد وعمارته، وإغلاقًا لبابٍ تستخدم فيه هذه المصليات المتناثرة في نشر الأفكار المتطرفة بين الطلاب بالمدينة الجامعية.
السؤال عن تجديد الخطاب الديني، وما هي مناهجه؟
ما حكم الامتناع عن المصافحة خوفًا من الإصابة بعدوى فيروس "كورونا (كوفيد-19)"؟