كيفية إخراج الزكاة في التجارة المشتركة

كيفية إخراج الزكاة في التجارة المشتركة

ما كيفية إخراج الزكاة في التجارة المشتركة؟ فهناك شخص أشتركُ مع مجموعة من أصدقائه في تجارة، ويريد معرفة كيفية إخراج الزكاة؛ هل تكون على نصيب كل واحد من الشركاء، أو على جميع المال قبل توزيعه؟

تجب زكاة عروض التجارة في المال المشترك، ويخرجها كلّ واحد من الشركاء بحسب حصته في رأس ماله منفردًا؛ وذلك إذا بلغ النصابَ، وهو ما يساوي 85 جرامًا من الذهب عيار 21، وحال عليه الحول؛ عام هجري كامل، لا بحسب مجموع رأس المال العامل كله؛ لافتراق الذمة المالية للشركاء؛ وذلك عملًا بمذهب جمهور الفقهاء.

أما مَن لم تبلغ حصتُه النصابَ فلا زكاة عليه ما لم يكن له من التجارة غيرها ما يكمّل به النصاب.

ويصحُّ أن تقوم إدارة الشركة بإخراج الزكاة عن أصحابها بتفويضهم، أو إذا نُصَّ في نظامها الأساسي أو أقرت جمعيتهم العمومية ذلك، مع مراعاة بلوغ النصاب ومرور الحول.

التفاصيل ....

المحتويات

 

مفهوم التجارة

التجارة: عبارةٌ عن شراء شيءٍ لِيُباع بالربح؛ كما في "التعريفات" للشريف الجرجاني (ص: 53، ط. دار الكتب العلمية)؛ فيُشترط فيها: التملُّك بعقد معاوضة محضة بقصد البيع لغرض الربح، من غير أن يتخلَّل ذلك صناعة أو إنتاج أو استغلال.

وهذا هو الذي يتحصل من تعريف الفقهاء للتجارة التي يجب فيها الزكاة:

قال العلَّامة أبو محمد بن شاس في "عقد الجواهر الثمينة" (3/ 901، ط. دار الغرب الإسلامي): [والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء، لا بالحرفة والصناعة] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 48، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: مال التجارة هو: كل ما قُصِدَ الاتِّجارُ فيه عند تَمَلُّكِه بمعاوضةٍ محضة] اهـ.

وقال العلَّامة الحجاوي في "الإقناع" (1/ 275، ط. دار المعرفة) في تعريف عروض التجارة: [وهي ما يُعَدُّ لبيعٍ وشراءٍ لأجل ربحٍ، غير النقدين غالبًا] اهـ.

حكم الزكاة في المال المعد للتجارة

أجمع الفقهاء على أنَّ الزكاة واجبة في المال المُعَدِّ للتجارة، وهذا ما يُشير إليه حديث سَمُرَةَ بن جندب رضي الله عنه قال: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ" رواه الإمام أبو داود في "السنن".

قال الإمام بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (6/ 219، ط. دار الرشد): [وبالحديث استدل العلماء أنَّ المال الذي يُعَدُّ للتجارةِ إذا بلغتْ قيمته نصابًا تجب فيه الزكاة من أيِّ صنفٍ كان] اهـ.

وقال أيضًا في "البناية" (3/ 382، ط. دار الكتب العلمية): [(الزكاة واجبة في عروض التجارة) ش: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في العروض، ورويناه عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، والفقهاء السبعة: ابن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وأبو بكر عبد الرحمن بن الحارث، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة، وسليمان بن يسار، وطاووس، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم] اهـ.

مدى وجوب الزكاة على الشركاء إذا اختلطوا في عروض التجارة وكيفية إخراجها

اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة على الشركاء إذا اختلطوا في عروض التجارة؛ هل يحسب النصاب باعتبار نصيب كلِّ فردٍ منهم بحسب حصته؛ فيخرج كلُّ واحدٍ منهم الزكاة في نصيبه من رأس المال العامل إذا بلغ النصاب بمفرده؟ أو يُحسب باعتبار مجموع رأس المال العامل؛ فتخرج الزكاة في النشاط التجاري إذا بلغ رأسُ ماله العامل النصابَ في مجموعه قبل قسمة الشركاء؟

فذهب جمهور الفقهاء؛ من الحنفية، والمالكية، والإمام الشافعي في القديم، والحنابلة في الصحيح عندهم: إلى أنه يجب على كلِّ شريكٍ أن يُخرج زكاةَ ماله إذا بلغت حصته فيه منفردًا النصاب وحال عليه الحول، ولا اعتبار للشَّراكة ولا تأثير لها في ذلك؛ لأن خلطة المال عندهم لا تأثير لها في زكاة عروض التجارة.

قال الإمام القدوري الحنفي في "التجريد" (3/ 1200، ط. دار السلام): [قال أصحابنا: الخلطة لا تأثير لها في إيجاب الزكاة، فيعتبر كل واحد من الخليطين على حياله؛ فيوجب عليه عند الشركة ما يوجب عليه حال الانفراد] اهـ.

وقال العلامة النفرواي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 344، ط. دار الفكر): [ولَمَّا كانَ مِنْ شُروطها أنْ يملكَ كلٌّ نصابًا قال: (ولا زكاةَ على مَنْ لم تبلغ حصتُه عَدَدَ الزَّكَاةِ)] اهـ.

وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 226، ط. دار المنهاج): [وهل تصح الخلطة فيما عدا الماشية من الأموالِ؛ كالدراهم، والدنانير، وأموال التجارة، والزروع، والثمار؟ فيه قولان: الأول: قال في القديم: (لا تأثير لها في ذلك)] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 462، ط. مكتبة القاهرة): [إذا اختلطوا في غير السائمة؛ كالذهب، والفضة، وعروض التجارة، والزروع والثمار: لم تؤثر خلطتهم شيئًا، وكان حكمهم حكم المنفردين، وهذا قول أكثر أهل العلم] اهـ.

وذهب الشافعية في الأصح، والإمام أحمد في رواية عنه: إلى أنَّ الشركة والخلطة تؤثر في زكاة عروض التجارة، وتجب على مجموع المال؛ كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى: أنْ تُعْتَبر جميع أموال المشتركين في التجارة بمثابة أموال شخصٍ واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار.

قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 450، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: هل تؤثر الخلطة في غير الماشية؟ وهي الثمار والزروع والنقدان وعروض التجارة، أما خلطة الاشتراك ففيها القولان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما: القديم: لا تثبت، والجديد الصحيح: تثبت] اهـ.

وقال العلَّامة ابن الرفعة الشافعي في "كفاية النبيه" (5/ 350، ط. دار الكتب العلمية): [قال: وإن كان بينهما نصابٌ من غير الماشية؛ أي: كالثمار والزروع والدراهم والدنانير وعروض التجارة، ففيه قولان: أصحهما: أنه كالماشية، أي: فيزكيان زكاة الخلطة عند الاشتراك في الملك، أو الانفراد فيه، والاشتراك في الارتفاق، كما سنذكره؛ لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» -رواه البخاري في "الصحيح"-] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 462): [مسألة: اختلطوا في غير السائمة كالذهب والفضة وعروض التجارة والزروع والثمار.. وعن أحمد رواية أخرى أنَّ شركة الأعيان تؤثر في غير الماشية، فإذا كان بينهم نصاب يشتركون فيه، فعليهم الزكاة. وهذا قول إسحاق والأوزاعي في الحب والثمر، والمذهب: الأول] اهـ.

المختار للفتوى في هذه المسألة

الذي نختاره للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مِن كون الخلطة لا تُؤثر في زكاة عروض التجارة، ويجب على كلِّ واحدٍ من الشركاء أن يخرج زكاة ماله إذا بلغ نصيبه من رأس المال العامل النصاب بمفرده وهو ما يساوي 85 جرامًا من الذهب عيار 21، وحال عليه الحول؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والشريك إذا كان نصيبه أقل من نصاب الزكاة فإنه لا يُعَدُّ من الأغنياء.

وأما حديث: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ»: فإنما هو دليلٌ لمذهب الجمهور القائلين بعدم تأثير الخُلطة في وجوب زكاة عروض التجارة؛ إذ يقرِّر في أَحَدِ شِقَّيْهِ وحدة الذمة المالية للشخص الواحد في جانب الزكاة لجنس المال الزَّكَوِي الواحد، فمَن كانت له عروض تجارة في أماكن متفرقة؛ فإنه يجب عليه جمعها، وإخراج زكاتها إذا بلغت النصاب في مجموعها، ولا يُفرق بينها بحجة تفرُّق أماكنها؛ لأنَّ المالك لها واحدٌ. ويقرِّر في شِقِّه الآخر افتراق الذمة المالية للشركاء في خُلطة أموالهم وعدم اتحادها في جانب الزكاة؛ فالتجارة الواحدة إذا كانت بين شركاء متعددين؛ فإنَّ افتراقَ ذممهم المالية في هذا الجانب يترتب عليه التفريق في حساب الزكاة الواجبة بحسب نصيب كُلٍّ منهم، ولا يُجمَع بين أنصبتهم في ذلك بحجة اتحاد التجارة ومحلّ وجودها.

قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (2/ 154، ط. دار المعرفة): [غِنَى المالك بملك النصاب معتبرٌ لإيجاب الزكاة؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى».. وأما الحديث: فدليلنا؛ لأن المراد به الجمع والتفريق في الملك لا في المكان؛ لإجماعنا على أنه إذا كان في ملك رجلٍ واحدٍ نصابٌ كاملٌ في أمكنة متفرقة: يُجمَع] اهـ.

وقال العلامة جمال الدين المنبجي الحنفي في "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 373، ط. دار القلم): [(باب: لا يؤثر الخلطة في المواشي، ولا في النقود، ولا في العروض، ولا في الثمار، ولا في الزروع) صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةٌ: فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّها».

فإن قيل: فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ».

قيل له: المراد بهذا: الجمع والتفريق في الملك لا في المكان، بدليل أنَّ مَن كان له نصابٌ مِن السائمة في أمكنة مختلفة: فالساعي يأخذ منه الزكاة بالإجماع، ومن كان له ثمانون شاة: فليس للساعي أن يعتبرها نصابين من الغنم فيأخذ منه شاتين، وكذلك المال المقدر بالنصاب الواحد إذا كان بين اثنين: لا يكون للساعي أن يجعله كأنه لواحد فيأخذ منه الزكاة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دام نشاط شركتكم تجاريًّا فتجب فيه الزكاة، ويخرجها كلُّ واحدٍ من الشركاء بحسب حصته في رأس المال العامل منفردًا إذا بلغت النصاب، وهو ما يساوي 85 جرامًا من الذهب عيار 21، لا بحسب مجموع رأس المال العامل كله؛ لافتراق ذِمَم الشركاء المالية؛ عملًا بمذهب جمهور الفقهاء، أمَّا مَن لم تبلغ حصتُه النصابَ فلا زكاة عليه ما لم يكن له من التجارة غيرها ما يكمل به النصاب.

ويصحُّ أن تقوم إدارة الشركة بإخراج الزكاة عن أصحابها بتفويضهم، أو إذا نُصَّ في نظامها الأساسي أو أقرت جمعيتهم العمومية ذلك، مع مراعاة ما سبق ذكره.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا