يقول السائل: تقومُ نقابة السادة الأشراف بتسجيل ذرية سيدنا الحسن والحسين منذ زمن بعيد، وعلى ما جرى عليه التسجيل السابق، فهل يجوز للنقابة أن تقومَ بتسجيل ذرية السيدة زينب عليها السلام؛ حيث إنَّها زوجة سيدنا عبد الله بن جعفر الطيار ابن عمها، وبنت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وابنة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وشقيقة سيدنا الحسن والحسين؟
إثبات نسب ذرية السيدة زينب بآل البيت وإلحاقهم بنقابة السادة الأشراف
يجوز لنقابة الأشراف أن تقوم بتدوين ذرية السيدة زينب عليها السلام في سجلات السادة الأشراف؛ لأنَّهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذريته وأولاده عليه الصلاة والسلام ومنتظمون في سلك هذا النسب الشريف المستوجب لهم ذلك الشرف المنيف، وذلك ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، ولا خلافَ في اتصافهم بالشرف، بل الشرف ثابتٌ لهم من جهتين: الشرف الخاص الثابت لهم من جهة أمهم السيدة زينب رضي الله عنها، والشرف العام الثابت لهم من جهة أبيهم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا هو الذي جرى عليه العمل والفتوى في هذه العصور.
التفاصيل ....المحتويات
- أولاد السيدة فاطمة الزهراء من سيدنا علي عليهما السلام
- إثبات نسب ذرية السيدة زينب بآل البيت والأدلة على ذلك
- إلحاق نسب ذرية السيدة زينب بنقابة السادة الأشراف
- تصانيف في إثبات النسب والشرف من الأم
أولاد السيدة فاطمة الزهراء من سيدنا علي عليهما السلام
مِن المعلوم تاريخيًّا أنَّ أولاد السيدة فاطمة الزهراء من سيدنا علي عليهما السلام ستة: الحسن، والحسين، ومُحَسِّن، وأم كلثوم، وزينب، ورُقَيَّة، على جدهم المصطفى وعليهم الصلاة والسلام، فمات مُحَسِّنٌ صغيرًا، وماتت رُقَيَّة قبل البلوغ؛ قاله الليث بن سعد فيما رواه عنه الدولابي في "الذرية الطاهرة" (1/ 62، ط. الدار السلفية)، وأمَّا الحسن والحسين فأكثر النسل النبوي الشريف عن طريقهما، وأمَّا أم كلثوم فتزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولدت له زيدًا ورقية، وتزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب، فلما مات تزوجها بعده أخوه محمد، فلما مات تزوجها بعده أخوه عبد الله فماتت عنده، ولم تلد لأحد من الثلاثة نسلًا، وأما زينب فتزوجها ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له: عليًّا، وعونًا الأكبر، وعباسًا، ومحمدًا، وأم كلثوم.
فأمَّا أولاد الحسن والحسين عليهما السلام الذين يتصلون بهما بمحض الذكور من غير أنثى فالنسب النبوي الشريف ثابتٌ لهم بالإجماع، مع أنَّ الحسن والحسين عليهما السلام إنَّما يتصلان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن جهة أمهما السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.
إثبات نسب ذرية السيدة زينب بآل البيت والأدلة على ذلك
أولاد السيدة زينب بنت فاطمة عليهما السلام -ويُسَمَّوْن أيضًا بـ"الجعفريين" نسبةً إلى أبيهم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب- فلا شك أنَّهم مِن آل بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّهم من ذريته وأولاده، وذلك ثابتٌ لهم بالكتاب، والسُّنة، والإجماع:
فدليل الكتاب قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 84-86].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 31-32، ط. دار عالم الكتب): [وعدَّ عيسى من ذرية إبراهيم وإنَّما هو ابن البنت، فأولاد فاطمة رضي الله عنها ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا تمسك مَن رأى أنَّ ولد البنات يدخلون في اسم الولد، قال ابن القصار: وحجة مَن أدخل البنات في الأقارب قوله عليه الصلاة والسلام للحسن بن علي رضي الله عنه: «إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ»، ولا نعلم أحدًا يمتنع أن يقول في ولد البنات: إنَّهم ولد لأبي أمهم، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنَّ الولد مشتقٌّ من التَّولَّد وهم متولَّدون عن أبي أمهم لا محالة؛ والتولَّد من جهة الأم كالتولَّد من جهة الأب، وقد دلَّ القرآن على ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنعام: 84-85] فجعل عيسى من ذريته وهو ابن ابنته] اهـ.
وقال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (2/ 171، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي ذِكْرِه -يعني سيدنا عيسى عليه السلام- دليلٌ على أن الذُرَّية تتناول أولاد البنتِ] اهـ.
وقال الشيخ القونوي في "حاشيته على البيضاوي" (8/ 178، ط. دار الكتب العلمية): [والصحيح ما ذكره المصنف؛ لأنَّ انتساب عيسى عليه السلام من جهة أمه؛ إذ ليس له أب، فلو لم تكن الذرية تتناول أولاد البنت لم يذكر في حيز الذرية، فلا إشكال بأنَّ ليس له أب ينصرف إضافته إلى الأم إلى نفسه، ويؤيده آية المباهلة؛ حيث دعا عليه السلام الحسن والحسين رضي الله عنهما يومئذ بعد ما قال: ﴿ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: 61]، وثمرة الخلاف تظهر في إعطاء الزكاة لرجل أمه هاشمية وأبوه ليس كذلك، والفتوى على جواز إعطائها، وأمَّا وضع العمامة الخضراء برأسه فلا مانعَ منه اتفاقًا؛ لأنَّ له نسبًا شريفًا بالنسبة إلى غيره ولو كان أبوه هاشميًّا، كذا نُقِل عن الكرخي، نقله ابن ملك في "مجمع البحرين"، فهذا الاختلاف ليس له ثمرة ولا طائل تحته] اهـ.
وقال الإمام الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 298، ط. دار طيبة): [وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذرية إبراهيم أو نوح -على القول الآخر- دلالةٌ على دخول ولد البنات في ذرية الرجال؛ لأنَّ عيسى عليه السلام إنَّما يُنسَب إلى إبراهيم عليه السلام بأمه مريم عليها السلام؛ فإنَّه لا أب له، ثم ذكر ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يَعْمر، فقال: بَلَغَني أنَّك تزعم أنَّ الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ تجده في كتاب الله، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ حتى بلغ ﴿وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾ [الأنعام: 84-85]؟ قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال: صدقت] اهـ.
وقال الإمام أبو السعود في "تفسيره" (3/ 158، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيه دليل بَيِّنٌ على أنَّ الذرية تتناول أولاد البنات] اهـ.
وقال العلامة الألوسي في "روح المعاني" (7/ 213-214، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي ذكره -يعني سيدنا عيسى- عليه السلام دليلٌ على أنَّ الذرية يتناول أولاد البنات؛ لأنَّ انتسابه ليس إلا من جهة أمه، والمسألة خلافية، والذاهبون إلى دخول ابن البنت في الذرية يستدلون بهذه الآية، وبها احتج موسى الكاظم رضي الله تعالى عنه على ما رواه البعض عن الرشيد، وفي "التفسير الكبير" أنَّ أبا جعفر رضي الله تعالى عنه استدلَّ بها عند الحجاج بن يوسف، وبآية المباهلة؛ حيث دعا صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما بعد ما نزل: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾، وادعى بعضهم أنَّ هذا من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اختلف إفتاء أصحابنا في هذه المسألة، والذي أميل إليه القول بالدخول] اهـ.
وكذلك قولُه تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾، فلَمّا نزلت هذه الآية: دعا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عليًّا وفاطمةَ والحسن والحُسَين رضي الله عنهم، فقال: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» أخرجه مسلم والترمذي.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "﴿وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ﴾ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ بن أبي طالب، وَ﴿أَبۡنَآءَنَا﴾ الحسن والحسين، ﴿وَنِسَآءَنَا﴾ فاطمة"، أخرجه ابن مردويه في "تفسيره"، كما في "الدر المنثور" للحافظ السيوطي (2/ 231، ط. دار الفكر).
وقد رد الإمام القرطبي على مَن نفى الولدية عن ولد البنت بقوله في "الجامع لأحكام القرآن" (16/ 78-79): [بل هو ولد على الحقيقة في اللغة؛ لوجود معنى الولادة فيه، ولأنَّ أهل العلم قد أجمعوا على تحريم بنت البنت من قول الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ [النساء: 23]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته على ما تقدم بيانه هناك.
فإن قيل: فقد قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
قيل لهم: هذا لا دليلَ فيه؛ لأنَّ معنى قوله: إنَّما هو ولد بنيه الذكران هم الذين لهم حكم بنيه في الموارثة والنسب، وأنَّ ولد بناته ليس لهم حكم بناته في ذلك؛ إذ ينتسبون إلى غيره، فأخبر بافتراقهم بالحكم مع اجتماعهم في التسمية، ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد لأنَّه ابن، وقد يقول الرجل في ولده: ليس هو بابني؛ إذ لا يطيعني ولا يرى لي حقًّا، ولا يريد بذلك نفي اسم الولد عنه، وإنَّما يريد أنْ ينفي عنه حكمه.
ومن استدلَّ بهذا البيت على أنَّ ولد البنت لا يسمَّى ولدًا فقد أفسد معناه وأبطل فائدته، وتأوَّل على قائله ما لا يصحُّ؛ إذ لا يمكن أنْ يُسَمَّى ولد الابن في اللسان العربي ابنًا، ولا يُسَمَّى ولد الابنة ابنًا من أجل أنَّ معنى الولادة التي اشتق منها اسم الولد فيه أبين وأقوى؛ لأنَّ ولد الابنة هو ولدها بحقيقة الولادة، وولد الابن إنَّما هو ولده بماله مما كان سببًا للولادة، ولم يُخرِج مالك رحمه الله أولاد البنات مِن حبس على ولده مِن أجل أنَّ اسم الولد غير واقعٍ عليه عنده في اللسان، وإنَّما أخرجهم منه قياسًا على الموارثة] اهـ.
ودليل السنة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر في الحسن بن علي عليهما السلام: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن أو الحسين بن علي عليهما السلام: «دَعُوا ابْنِي لا تُفْزِعُوهُ حَتَّى يَقْضِيَ بَوْلَهُ» رواه الإمام أحمد في "مسنده" والدارمي في "سننه".
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ بَنِي أُنْثَى وَلَد آدَمَ فَإِنَّ عَصَبَتَهُمْ لِأَبِيهِمْ مَا خَلَا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا عَصَبَتُهُمْ وَأَنَا أَبُوهُمْ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" وأبو نعيم في "معرفة الصحابة".
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وأما الإجماع: فالعلماء مُجْمِعُون على أنَّ أولاد السيدة زينب بنت السيدة فاطمة عليها السلام هم من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، ومن ذريته وأولاده، وأنَّهم تحرم عليهم الصدقة بالإجماع، ويستحقون سهم ذوي القربى بالإجماع، كما نقله الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في "العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية" المطبوعة ضمن "الحاوي للفتاوي" (2/ 30-32، ط. دار الكتب العلمية).
وهذا كله يقتضي ثبوت الشرف لهم بلا خلاف، وأنه لا نزاعَ في صحَّة تلقيبهم بالأشراف، أما قصر الشرف على ذرية السبطين: الحسن والحسين عليهما السلام فهو اصطلاحٌ عرفيٌّ حادثٌ بعد القرون الثلاثة المفضلة أحدثه الفاطميون، وليس حكمًا شرعيًّا ملزمًا، ولا شكَّ أنَّ الأخذ والعمل بما كانت عليه القرون الثلاثة المفضلة أولى وأحرى.
قال الإمام المقري في تخصيص الشرف بذرية السبطين رضي الله عنهما: [هو حادث بعد مُضِيّ ثلاثة قرون المُثنَى عليها] اهـ، قال المحقق ابن الحاجّ في "حواشيه": [وتخصيص الشرف بذرية السبطين ليس بشرعي، وإنَّما هو عرفي] اهـ، قال العلامة الأمير في "حواشيه": [والعرف إنَّما يُحَكَّمُ في المعاملات فلا ينسخ سُنَّةً] اهـ. بتصرُّف نقلًا عن "رفع اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف مِن قِبَل الأمهات" (ص: 3، ط. سنة 1321هـ).
وقال الإمام السيوطي في "العجاجة الزرنبية" (2/ 32): [إنَّ اسم الشريف كان يطلق في الصدر الأول على كل مَن كان مِن أهل البيت؛ سواء كان حسنيًّا أم حسينيًّا أم علويًّا من ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب أم جعفريًّا أم عقيليًّا أم عباسيًّا.
ولهذا تجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحونًا في التراجم بذلك يقول: الشريف العباسي، الشريف العقيلي، الشريف الجعفري، الشريف الزينبي، فلما ولي الخلفاء الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط، فاستمرَّ ذلك بمصر إلى الآن.
وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الألقاب: الشريف ببغداد لقب لكل عباسي، وبمصر لقب لكل علوي، انتهى.
ولا شكَّ أنَّ المصطلح القديم أولى وهو إطلاقه على كل علويّ وجعفريّ وعقيليّ وعباسيّ كما صنعه الذهبي، وكما أشار إليه الماوردي من أصحابنا، والقاضي أبو يعلى بن الفراء من الحنابلة، كلاهما في "الأحكام السلطانية"، ونحوه قول ابن مالك في "الألفية": وآله المستكملين الشرفا، فلا ريبَ في أنَّه يطلق على ذرية زينب المذكورين أشراف، وكم أطلق الذهبي في "تاريخه" في كثير من التراجم قوله: الشريف الزينبي] اهـ.
إلحاق نسب ذرية السيدة زينب بنقابة السادة الأشراف
لا إشكالَ في تدوين أولاد السيدة زينب عليها السلام في نقابة الأشراف؛ لأنَّهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذريته وأولاده عليه الصلاة والسلام بالإجماع، فلا خلافَ في اتّصافهم بالشرف، بل الشرف ثابتٌ لهم من جهتين: الشرف الخاص الثابت لهم من جهة أمهم السيدة زينب رضي الله عنها، والشرف العام الثابت لهم من جهة أبيهم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذا هو الذي جرى عليه العمل والفتوى في هذه العصور، وبذلك أجاب العلامة شيخ الأزهر وشيخ المالكية في زمانه الشيخ محمد الخرشي رحمه الله [ت: 1101هـ]، ونصُّ جوابه كما نقله العلامة ابن سودة المالكي في كتابه "رفع اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قِبَل الأمهات" (ص: 59): [ما عليه المحققون من علماء المسلمين هو أنَّ الشرف الملتقي من قبل الأنثى كالشرف الملتقي من قبل الذكر سواءً في الحرمة وتعليق العلامة من غير نقص، واستدلوا على ذلك بما يطول ذكره كما هو مبسوطٌ في الكتب المطولة، وخالف في ذلك ابن عرفة، وقال: إن الشريف من جهة الأم له شرفٌ ما، وردُّوه بما يُعلَم بالوقوف على الأصول المعتمدة، والله الهادي إلى الصواب] اهـ.
هذا من جهة ثبوت الشرف، أما من حيث صحَّة انتسابهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالصحيحُ الذي عليه الفتوى والعمل أنَّهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا، وأنَّهم منتظمون في سلك هذا النسب الشريف المستوجب لهم ذلك الشرف المنيف؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ بَنِي أُنْثَى وَلَد آدَمَ؛ فَإِنَّ عَصَبَتَهُمْ لِأَبِيهِمْ مَا خَلا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا عَصَبَتُهُمْ وَأَنَا أَبُوهُمْ»، وهذا صريحٌ في صحة انتساب أولاد السيدة فاطمة الزهراء وأولاد أولادها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّ نازع في ذلك بعض العلماء كالإمام السيوطي وغيره، مع إقرارهم بثبوت الشرف وأنَّهم من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولاده، غير أنَّ المعتمد هو القول بإثبات شرف النسبة لهم أيضًا كما أفتى بذلك كثير من المحققين.
تصانيف في إثبات النسب والشرف من الأم
قد أفرد كثيرٌ من العلماء هذه المسألة بالتصنيف في إثبات صحة الشرف من قِبَل الأم وفي صحة ثبوت شرف النسبة النبوية لأولاد السيدة زينب رضي الله عنها، ومنها:
1- "إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم" لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن القسنطيني المغربي المالكي المعروف بابن أبي زيد المراكشي [ت: 807هـ].
2- "جزء في إثبات الشرف من قبل الأم" لحفيد ابن مرزوق [ت: 842هـ].
3- "تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم" للشيخ عبد القادر بن أبي بكر الصديقي الهندي المفتي بمكة المعظمة [ت: 1138هـ].
4- "الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم" لخير الدين الرملي الحنفي [ت: 1081هـ].
5- "شرف الأسباط" للعلامة جمال الدين القاسمي [ت: 1332هـ].
6- "إزالة اللبس والشبهات عن ثبوت النسب من قبل الأمهات" لمحمد بن أحمد بن الطالب ابن سَوْدَة المُرِّي [ت: 1359هـ].
والله سبحانه وتعالى أعلم.