صحة وصف النبي بكاشف الغمة والرد على دعاوى الجهال ومزاعمهم الباطلة

صحة  وصف النبي بكاشف الغمة والرد على دعاوى الجهال ومزاعمهم الباطلة

ما صحة  وصف النبي بكاشف الغمة والرد على دعاوى الجهال ومزاعمهم الباطلة؟ فالسائل يقول: خرج علينا بعضُ المتصدرين للدعوة بين الناس بدعوى أن وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (كاشف الغمة) يُعَدُّ شركًا أكبر بالله تعالى، مخرجًا عن ملة الإسلام، مؤكدًا أنه يجب منع من يقول ذلك؛ حفاظًا على التوحيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يكشف الغمة، وإنما الذي يكشفها هو الله وحده؛ مستدلًّا على زعمه بقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾، واصفًا من ينعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بـ"كاشف الغمة" بأنهم ضُلَّال زائغون، يبالغون في إطراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيعطون له حق الرب الذي لا ينبغي إلا لله سبحانه وتعالى، وأن إذاعة القرآن الكريم إذ سمحت لمن يتكلم فيها بأنه يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (يا كاشف الغمة يا رسول الله)، فإنها بذلك تنشر شركًا بالله؛ واصفًا ذلك باللوث والخبث، فما رأي الشرع الشريف في ذلك؟

وصفُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (كاشف الغمة) هو وصف شرعيٌّ ثابتٌ في حقه الشريف، وجنابه المنيف صلى الله عليه وآله وسلم عقلًا ونقلًا ولغةً، وبمبنى ذلك ومعناه جاءت نصوص الشريعة عبارة وإشارة، وتصريحًا وتلميحًا في الكتاب والسنة، واتفقت على ذلك الأمة، وأطبق عليه العلماء والأئمة، وتتابع عليه المُدّاح والشعراء، وجرى عليه المصنفون والأدباء في سائر الأمصار والأعصار؛ وذلك حسبما تقتضيه اللغة ومبانيها، وقواعدها ومعانيها.

أما إنكار وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك مع اتهام قائله بالشرك، مع وصف ذلك باللوث والخبث: فهو قول على الله بغير علم، وقائلُ ذلك قد نادى على نفسه بالجهل، مع ما في كلامه من سوء الأدب مع المصطفى الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن التطاول على علماء المسلمين، والتكفير لعموم الموحدين، وسلوك منهج أهل البدع الضالين والخوارج المفسدين، وتعرض لعقوبة رب العالمين، مع ما تسفر عنه هذه الدعوى الباطلة من الجهل باللغة ومعانيها، والتجاهل لأوَّليّات الفهم والإدراك، والهجوم على الأمة بالتكفير والإشراك.

التفاصيل ....

المحتويات

بيان معنى وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه كشف الغمة

وصفُ النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (كاشف الغمة): هو من أوصافه الشرعية الصحيحة الثابتة لجنابه الشريف، ومقامه المنيف؛ بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإطباق علماء المسلمين سلفًا وخلفًا عبر الأعصار والأمصار، وإنكار ذلك على هذا النحو الـمُشين: هو من تصدر الرويبضة وضلال المضلين ومكابرة الجاهلين؛ ومَن جعل وصف المصطفى بذلك شركًا فقد نادى على نفسه بالجهل في اللغة، والبدعة في الدين، ووقع في سوء الأدب مع إمام النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ومَن كفَّر بذلك المسلمين، فقد اتبع سبيل الخوارج المفسدين، وأهل البدع الضالين، وكذَّب الكتابَ المبين، فيما وصف به الصادق الأمين، من أنه رحمةُ اللهِ المرسلةُ للعالمين.

ووصف "كاشف الغمة": مركب إضافي، والإضافة فيه لفظية؛ أضيف فيها اسمُ الفاعل إلى مفعوله:

فالكاشف: اسم فاعل من الكشف؛ وهو: الرفع والإزالة؛ حسًّا أو معنًى.

قال الإمام الخليل [ت: 170هـ] في "العين" (5/ 297، ط. دار الهلال): [الكَشْفُ: رفعك شيئًا عما يواريه ويغطيه؛ كرفع الغطاء عن الشيء] اهـ، وقال الإمام ابن فارس [ت: 395هـ] في "مقاييس اللغة" (5/ 181، ط. دار الفكر): [الكاف والشين والفاء: أصلٌ صحيح يدلُّ على سَرْوِ الشّيء عن الشَّيء؛ كالثَّوب يُسْرَى عن البدن] اهـ، وقال الإمام أبو هلال العسكري [ت: 395هـ] في "الفروق اللغوية" (ص: 286، ط. دار العلم): [الكشف: مُضَمَّنٌ بالزوال] اهـ.

والغُمّة: الكرب والضيق والظلمة واللبس والضلالة؛ فإن [الغين والميم: أصلٌ واحد صحيح يدل على تغطية وإطباقٍ] اهـ؛ كما يقول الإمام ابن فارس في "مقاييس اللغة" (4/ 377، ط. : دار الفكر).

قال الإمام الخليل في "العين" (4/ 350، ط. مكتبة الهلال): [وإنه لفي غُمَّةٍ من أمره؛ إذا لم يهتد له] اهـ.

وقال الإمام ابن السِّكِّيت [ت: 244هـ] في "إصلاح المنطق" (ص: 80، ط. دار إحياء التراث العربي): [والفرج: انكشاف الغم] اهـ.

وقال الإمام إبراهيم الحربي [ت: 285هـ] في "غريب الحديث" (2/ 743، ط. جامعة أم القرى): [أخبرني أبو عمر عن الكسائي قوله: ﴿ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمَرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ "أي: مُلْبسًا مُغَطًّى لا تدرون ما هو".

أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: "غمة: ظلمة، وضيق، وهم".

سمعت أبا نصر يقول: "الغُمَّة: ما غطّاك من شيء وغمك"] اهـ.

وقال الإمام ابن دريد [ت: 321هـ] في "الجمهرة" (1/ 160، ط. دار العلم للملايين): [والغمة: الغطاء على القلب من الهم] اهـ، وقال (2/ 963): [الغُمَّة: مَا غطَّى على الْقلب من كَرْب أَو مرض] اهـ.

وقال الإمام أبو هلال العسكري في "شرح ديوان أبي محجن الثقفي" (ص: 6، ط. الأزهار): [أصل الغم: الإحاطة، ومنه الغمامة؛ التي تجعل على فم البعير، والغمام؛ لأنه يحيط بنواحي السماء، ويجوز أن يكون أصله التغطية] اهـ.

وقال العلامة المرزوقي [ت: 421هـ] في "شرح ديوان الحماسة" (1/ 50، ط. دار الجيل): [والغَمّاءُ، والغَمُّ، والغُمّةُ، والغَمَمُ: مرجعُ جميعِها إلى التغطية] اهـ.

وقال الإمام ابن سيده [ت: 458هـ] في "الأنيق في شرح الحماسة" (ق: 4ب، مخطوط): [الغَمّاءُ والغُمّةُ: الأمر المظلم] اهـ.

وقال العلامة أبو زكريا التبريزي [ت: 502هـ] في "شرح ديوان الحماسة" (1/ 50، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [الغَمّاءُ -بفتح الغين والمد-، والغُمَّى -بالضم والقصر-؛ مثل العَلْيَاء والعُلْيَا: الأمر الشديد الذي لا يُدرَى من أين يأتي، وأصله من قولهم: غممتُ الشيء؛ إذا سترتَه] اهـ.

وجاء في "معجم متن اللغة" (4/ 328-329، ط. دار مكتبة الحياة-بيروت): [الغُمَّة: الكرب والضيق والظلمة، والغمة من الأمور: المبهم والملتبس] اهـ.

وجاء في كتاب "العامي الفصيح" (ص: 162، إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة): [والغُمَّةُ من معجمهم، ومن محفوظهم في صفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "نَصَحَ الأمة، وكَشَفَ الغُمَّة"] اهـ.

وجاء في "المعجم الوسيط" (2/ 663، ط. إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة): [وَيُقَال أَمر غمَّة: مُبْهَم ملتبس، وَإنَّهُ لفي غمَّة من أمره: إِذا لم يهتد للمخرج، وَسَارُوا فِي أَرض غمَّة: ضيقَة، وصمنا للغمة: على غير رُؤْيَة الْهلَال] اهـ.

فمرجع "الغمة" إلى التغطية والإطباق؛ حسيًّا كان ذلك أو معنويًّا، وكشفُ كلِّ معنًى منها بحسبه؛ فكشف الكرب: تنفيسُه وتفريجُه، وكشفُ الضيق: توسعتُه، وكشفُ الظلمة: تنويرُها، وكشفُ اللبس: إيضاحُه، وكشفُ الضلالة: الهدايةُ منها، وهكذا، وكلُّها معانٍ صحيحةٌ حقيقة بوصف خير الخليقة صلى الله عليه وآله وسلم.

والمضاف فيها: هو اسم الفاعل "كاشف"، وهو من المشتقات المطلقة الزمن؛ فتصلح بأصل وضعها لكل زمن، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كاشف الغمة في كل الأزمان؛ لأنه رحمة الله للعالمين، والعالَمون: كلُّ ما سوى الله تعالى؛ فيشمل ذلك كلَّ عوالم الإمكان، على اختلاف الزمان والمكان.

وكما أنَّ الكشف عام، فالغمة أيضًا كذلك؛ فيشمل "كشفُ الغمة" كلَّ وصف يدل على كشف أي غُمّةٍ دنيوية أو أخروية؛ فهو يكشف غمة الفقر واللأواء: بالكرم والعطاء، وغمة المرض والبلاء: بالرقية والدعاء بالشفاء، وغمة الكفر والعناد: بالحجة والجهاد، وغمة الضلالة: بالهداية، وغمة الجهل: بنور العلم، وغمة الخوف: باليقين، وهكذا.

والعرب تتمدح بكشف الغُمَم، وتَعُدُّ ذلك من محاسن الشيم، ونعوت أهل النجدة والكرم، وأصحاب المروءة والشهامة والقيم، وتُنْشِئُ أولادَها على المبادرة إليه، وتدعوها للتنافس عليه:

قال سيدنا عبد المطلب جدُّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفخر بابنه العباس رضي الله عنهما؛ فيما رواه البلاذري [ت: 279هـ] في "أنساب الأشراف" (1/ 97، ط. دار الفكر):

[ظَنّي بعبّـــاسٍ بُنَي إنْ كَبِرْ .. أن يمنـع القـــوم إذا ضـــاع الدُّبُـرْ

ويكسوَ الرَّيْطَ اليمـــاني والأُزُرْ .. ويَكْشِفَ الكَرْبَ إذا ما اليومُ هَرّ] اهـ.

وقال الشاعر الصحابي المخضرم فارسُ ثقيف، أبو مِحْجَنٍ عروةُ بنُ حبيبٍ الثَّقَفيُّ رضي الله عنه [ت: 30هـ] بطَلُ القادسية:

وأكشِفُ المأزِقَ المكروبَ غُمَّتُهُ .. وأكتُم الســرَّ فيه ضربةُ العُنُقِ

قال الإمام أبو هلال العسكري [ت: 395هـ] في "شرح ديوان أبي محجن" (ص: 6): [المأزِقُ: المضيق في الحرب، ومثله المأقط، وهو حيث يلتقي الزحفان، ويعترك الفريقان، والمكروب: مفعول بمعنى فاعل؛ أي: الكارب، وغمتُه: ضيقه وشدته وإحاطة أهواله] اهـ.

وقال الشاعر جريرٌ [ت: 110هـ] يمدح عمر بن عبد العزيز رحمه الله:

يعود الفضلُ منك على قريشٍ .. وتَفْرُجُ عنهم الكُرَبَ الشِّدَادَا

وقال جعفر بن عُلْبَةَ الحارثي [ت: 145هـ] وكان من فرسان قومه المذكورين:

لا يَكْشِفُ الغَمّاءَ إلّا ابنُ حُرّةٍ .. يَرى غَمَراتِ الموتِ ثم يزورُها

قال العلامة المرزوقي [ت: 421هـ] في "شرح ديوان الحماسة" (1/ 50): [لا يكشف الخصلةَ الشديدةَ إلا رجل كريم؛ يرى قُحَمَ الموت، ثم يتوسطها ويصبر فيها ولا يعدل عنها.. والغَمّاءُ، والغَمُّ، والغُمّةُ، والغَمَمُ: مرجعُ جميعِها إلى التغطية] اهـ.

وقال العلامة التبريزي [ت: 502هـ] في "شرح ديوان الحماسة" (1/ 50): [وقوله: "إلا ابن حرة"؛ يعني: أن أبناء الحرائر هم الصابرون على المكاره في ابتناء المجد واكتساب الشرف] اهـ.

وقال الإمام الطيبي [ت: 743هـ] في "فتوح الغيب" (12/ 356، ط. جائزة دبي): [والمراد هاهنا: شدةُ اقتحام الحربِ؛ أي: لا يَكشِفُ الأمرَ العظيمَ إلاَّ رجلٌ كريم يرى قحم الموت ثم يتوسَّطها] اهـ.

وقال الإمام الخطيب الشربيني [ت: 977هـ] في "السراج المنير" (3/ 213، ط. المطبعة الأميرية): [أي: لا يكشف الأمر العظيم إلا رجل كريم موصوف بما ذُكر] اهـ.

وقال الشهاب الخفاجي [ت: 1069هـ] في "حاشيته على تفسير البيضاوي" (8/ 16، ط. دار صادر): [أي: لا يكشفُ الشدّةَ ويزيلُها إلا رجل كريم يرى قُحَمَ الموت، ويتحقق غمرات الممارسة؛ حتى كأنه يشاهدها، ثم يتوسطها ولا يعدل عنها، والغَمّاء: الغم والكربة، وأصل معناها: التغطية] اهـ.

وفي معنى وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكاشف الغمة: أوصافٌ شريفة أُخَرُ صحَّتْ في نعته صلى الله عليه وآله وسلم؛ منها: الماحي، والمزيل، وكاشف الكُرَب، والمغيث، والغوث، والغياث، ورحمة الله للعالمين، ومصحح الحسنات، ومقيل العثرات، وصفوح عن الزلات، والسراج المنير، ونحوها من الأوصاف الخاصة والعامة، الدالة على دفع الكروب، ومحو الذنوب، وإزالة الكفر والضلالة، وكشف الظلم والجهالة، وجلاء الهموم، وزوال الغموم؛ أي أن وصف "كاشف الغمة" ينتظم ويَعُمُّ بمعناه كثيرًا من أسماء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ونعوتِه ذاتِ الأوصاف الشريفة والخصال المُنيفة التي اتفق العلماء عبر القرون على اتصاف الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بها من غير نكير من أحد يُعتدُّ به، بل صنفوا فيها الكتب، وكتب المسلمون هذه الأسماء الشريفة على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف؛ تقربًا إلى الله تعالى وحبًّا في رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

فمن القرآن الكريم: جاء من أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم الواردة في الكتاب العزيز: "رحمة للعالمين"؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

والمقصود بالعالمين: كل ما سوى الله تعالى؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لكل مخلوق، ومن رحمته بهم: كشف غممهم، وهذا يشمل كل المخلوقين، ويشمل كل مظاهر الكشف لكل أصناف الغمم.

قال الإمام مكي بن أبي طالب القيسي [ت: 437هـ] في تفسيره "الهداية إلى بلوغ النهاية" (6/ 4230-4231، ط. جامعة الشارقة): [فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمةٌ للمؤمنين؛ إذ استنقذهم من الضلال وهداهم إلى الإيمان، وهو رحمة للكافرين؛ إذ أخّر عذابهم واصطلامهم إلى الآخرة] اهـ.

ومن أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم أيضًا: "السراج المنير"؛ كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].

والوصف "بالسراج المنير" داخل في معنى "كشف الغمة"؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مصباح الإيمان والهداية الذي كشف بنوره غمم الكفر والضلالة.

قال الإمام ابن فارس [ت: 395هـ] في رسالته "أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعانيها" (ص: 340، مجلة عالم الكتب، مج8، ع3): [وأما السراج المنير: فلإضاءة الدنيا بنوره، ومحو الكفر وظلامه بضياء وجهه] اهـ.

ووصف الله تعالى حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بوضع الإصر في قوله سبحانه: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157]؛ فهو واضع الإصر عن أمته، والإصر: كلّ ما ثقل، وهذا داخل في "كشف الغمة" أيضًا.

ومن السنة النبوية: جاء في أسمائه الواردة في السنة الشريفة: "الماحي"؛ كما في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً؛ أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ» متفق عليه.

والوصف "بالماحي" داخل أيضًا في معنى "كشف الغمة"؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو: "ماحي الغمم وكاشفها"؛ فهو كاشف غمة الكفر بنور الإيمان، وكاشف غمة الجهل بنور العلم، وكاشف غمة الضلالة بنور الهدى، وكاشف غمة الذنوب بنور الوسيلة والشفاعة.

قال العلامة ابن فارس في "أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعانيها" (ص: 339): [بُعِثَ صلى الله عليه وآله وسلم والدنيا مظلمة قد شملتها غيابة الكفر، وألبستها هبوة -غبرة- الضلالة، فأتى صلى الله عليه وآله وسلم بالنور الساطع والضياء اللامع، حتى محا الكفر ومحقه] اهـ.

وقال العلامة أبو عبد الله الرصّاع [ت: 894هـ] في "تذكرة المحبين في أسماء سيد المرسلين" (ص: 124، ط. المجمع الثقافي-أبو ظبي): [فأكثروا عبادَ الله من الصلاة على الماحي لذنوبكم، ومقربكم إلى ربكم، ومؤنسكم في وحشتكم، ومؤمنكم من خوفكم، واجعلوه عمدة لكم في حياتكم] اهـ.

ووصف النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم سيدَنا يوسف عليه السلام بأنه "مَغِيثَة"، وهي صيغة مبالغة على وزن "مَفْعَلَة" من الغوث، وهذا في معنى "كشف الغمة"؛ فعن عبد الله بن سويد عن أبيه الآهلي رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول -أو حدَّثَني مَن سمعه يقول-: «إِنَّ اللهَ جَعَلَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ لُخْمٍ وَجُذَامٍ مُغِيثَةٌ بِالشَّامِ الظَّهْرَ وَالضَّرْعَ؛ كَمَا أَنَّ يُوسُفَ بِمِصْرَ مُغِيثَةٌ لِآلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِم السَّلَامُ» أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"، والطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"، وفيه إشارة لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: 49].

ووصف صلى الله عليه وآله وسلم عمه سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بعد استشهاده بأنه: "كاشف الكربات"؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باكيًا قطّ أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لما قتل، ثم وقف على جنازته، وانتحب حتى نَشَغَ من البكاء يقول: «يَا حَمْزَةُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، وَأَسَدَ اللهِ وَأَسَدَ رَسُولِهِ، يَا حَمْزَةُ يَا فَاعِلَ الْخَيْرَاتِ، يَا حَمْزَةُ ‌يَا ‌كَاشِفَ ‌الْكُرُبَاتِ، يَا حَمْزَةُ يَا ذَابًّا عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ» وطال بكاؤه، فدعا برجلٍ رجلٍ، حتَّى صَلى عليه سبعينَ صلاة، وحمزةُ على حَالَتِهِ" خرَّجَهُ ابنُ شاذان؛ كما ذكر المحب الطبري في "ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى" (ص: 181، ط. مكتبة القدسي)، واستشهد به الحافظ القسطلاني في "المواهب اللدنية" (1/ 515، ط. المكتبة التوفيقية)، والعلامة الدِّيَاربَكْرِي في "تاريخ الخميس" (1/ 442، ط. دار صادر)، والعلامة الحلبي في "السيرة الحلبية" (2/ 335، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة العصامي في "سمط النجوم العوالي" (1/ 374، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة الزرقاني في "شرحه على المواهب اللدنية" (4/ 470)، والعلامة رفاعة الطهطاوي في "نهاية الإيجاز" (1/ 258، ط. دار الذخائر).

بيان ثواب قضاء حوائج الناس وتفريج الكربات عنه

حثَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كشف الكرب وتفريجها، ودعا إلى فعل ذلك واكتسابه:

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! من أحب الناس إلى الله؟ قال: «أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ؛ ‌تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا» أخرجه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"، وابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف".

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"الأوسط" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، ولفظه: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ ‌تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا».

وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفريج الكروب من صفات المؤمنين، ومن مكارم الأخلاق التي يحبها الله تعالى، وذلك في حديث علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يذكر خبر سَفّانَةَ بنتِ حاتم الطائي رضي الله عنها لمّا قالت: "يا محمد، هلك الوالد، وغاب الرافد، فإن رأيت أن تُخَلِّىَ عني، ولا تُشْمِتْ بي أحياء العرب؛ فإني بنت سيد قومي، كان أبي يَفُكُّ العاني، ويحمي الذِّمَارَ، ويَقري الضيف، ويُشبِع الجائع، ويُفَرِّجُ عن المكروب، وَيُطْعِمُ الطعام، ويفشي السلام، ولم يَرُدَّ طالبَ حاجةٍ قط، أنا بنت حاتم طيئ"، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ‌«يَا ‌جَارِيَةُ، هَذِهِ ‌صِفَةُ ‌الْمُؤْمِنِ، لَوْ كَانَ أَبُوكِ إِسْلَامِيًّا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا؛ فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَاللهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وأبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني"، وأبو بكر بن لال في "مكارم الأخلاق" -كما في الغرائب الملتقطة من "مسند الفردوس" للحافظ ابن حجر (3456، مخطوط)- وأبو القاسم الشهرزوري في "حديثه عن شيوخه" (ق: 13، مخطوط)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق". وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" بمعناه.

ووصْفُ النبيِّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه "كاشف الغمة": هو من الأوصاف التي نص عليها واعتمدها الإمام أبو عبد الله محمد بن سليمان الجزولي الحسني [ت: 870هـ] في كتابه "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم"؛ فقال في "ورد الثلاثاء": [اللهم صل على كاشف الغمة] اهـ، وتتابع العلماء على شرح هذا الكتاب المبارك وما فيه من النعوت الشريفة جيلًا بعد جيل من غير نكير.

و"دلائل الخيرات": هو "أجلَّ كتاب أُلف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم"؛ كما يقول شيخ الشافعية في عصره العلامة الفقيه سليمان الجمل [ت: 1204هـ] في شرحه "المنح الإلهيات" (ق: 4، مخطوط)، وهو الكتاب الذي "عمَّت بركته الأرض"؛ كما يقول الإمام أبو العباس أحمد التُّنبكتي [ت: 1036هـ] في "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" (ص: 545، ط. دار الكاتب)، "ورزقه الله من القبول والاشتهار ما لم يُعْط لغيره"؛ كما يقول حافظ عصره العلامة محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" (3/ 289، ط. المطبعة الميمنية 1311هـ).

قال العلامة محمد المهدي الفاسي المالكي [ت: 1109هـ] في "مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات" (ص: 195، ط. وادي النيل 1289هـ): [(اللهم صل على كاشف الغمة) أي: مزيلها ومذهبها ورافعها، والغُمّةُ: بضم الغين، وهي تقريبًا: الهم والضيق والشدة والكربة، وكشفه صلى الله عليه وآله وسلم للغموم وتفريجه للكروب في الدنيا والآخرة معلوم واضح؛ بشفاعته صلى الله عليه وآله وسلم بذاته، وبالتوسل به، وبالصلاة عليه، وبالكون في جواره، والتحريم بحرمه، وبالحصول في حرز ملته، وباتباع سنته، وبمودة قرابته وأهل بيته، ويكفي في ذلك: شفاعتُه الكبرى العامة في عرصات القيامة] اهـ.

وقال العلامة عبد المعطي بن سالم الشبلي السملاوي الأزهري الشافعي [ت: 1127هـ] في "تفريج الكرب والمهمات بشرح دلائل الخيرات" (ق: 38ب، مخطوط): [(اللهم صل على كاشف الغمة) وهي تقريبًا: الهم والضيق؛ أي: مزيلها، وكشفُه صلى الله عليه وآله وسلم للغموم وتفريجه للكروب في الدنيا والآخرة معلوم بشفاعته بذاته وبالتوسل به] اهـ.

وقال العلامة سليمان الجمل الشافعي [ت: 1204هـ] في "المنح الإلهيات شرح دلائل الخيرات" (ق: 141، مخطوط): [(اللهم صل على كاشف الغمة) أي: مزيلها ومُذْهِبها ودافعها، والغُمّةُ بضم الغين: الهم والضيق والشدة والكربة، وكشفه لها في الدنيا: يحصل بالتوسل به، وبكثرة الصلاة عليه، وبالدخول في حرز ملته، وفي الآخرة: يكون بشفاعتِه العامة والخاصة] اهـ.

وذكر الإمام الجزولي في مقدمة "دلائل الخيرات" طائفة من الأسماء النبوية هي في معنى "كاشف الغمة"؛ فمنها: "كاشف الكُرَب"، و"صاحب الفرج"، وتوارد العلماء على شرح هذه الأسماء الشريفة جيلًا بعد جيل مجمعين على صحتها، حتى كتبت على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف من غير نكير.

"فكاشف الكُرَب": هو "كاشف الغمة"؛ لأن الكربة في معنى الغمة:

قال العلامة محمد المهدي الفاسي في "مطالع المسرات" (ص: 118): [ومعنى "كاشفها": مذهبها ومفرجها، ويشمل: كرب الدنيا والآخرة، وكشفُها: بشفاعته، واللجأ إليه، والاستغاثة به، والتعلق بأذياله، والتوسل بجاهه، والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وقال العلامة الشبلي السملاوي في "تفريج الكرب والمهمات" (ق: 20أ، مخطوط): ["كاشف الكُرَب" بفتح الراء المهملة؛ فهو مفرجها دنيا وأخرى، بشفاعته والتوسل بجاهه في كل أمر مهم] اهـ.

وقال العلامة سليمان الجمل في "المنح الإلهيات" (ق: 81، مخطوط): [معنى "كاشفها": أنه مذهبها ومفرجها، وشمل ذلك: كرب الدنيا والآخرة، وكشفُها: بشفاعته، والالتجاء إليه، والاستغاثة به، والتعلق بأذياله، والتوسل بجاهه، والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وقال العلامة العدوي الحمزاوي المالكي [ت: 1303هـ] في "بلوغ المسرات على دلائل الخيرات" (ص: 38، ط. الطوخي 1289هـ): [أي: مزيل غم الدنيا والآخرة عنا؛ بشفاعته، والالتجاء إليه، والتوسل بجاهه، والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

و"صاحب الفرج": هو "كاشف الغمة"؛ لأن الفرج في معنى الكشف:

قال العلامة المهدي الفاسي في "مطالع المسرات" (ص: 119): [فهو الذي يفرج الله كربات الدنيا والآخرة بشفاعته، والاستغاثة به، واللجأ إليه، والتعلق بأذياله، والتوسل بجاهه، والإكثار في الدنيا من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى "فرَج الكُرَبِ": كشفها وذهابها] اهـ.

وقال العلامة عبد المعطي السملاوي الأزهري في "تفريج الكرب والمهمات بشرح دلائل الخيرات" (ق: 20ب، مخطوط): ["صاحب الفرج": فهو الذي يفرّج الله كربات الدنيا والآخرة بشفاعته] اهـ.

بل جاء ذلك في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة؛ فإن من أسمائه فيها: الفارقليط أو البارقليط؛ ومعناه عند أكثر أهلها: المخلِّص؛ كما نقله عنهم علماء المسلمين عنهم مقرين له، وهو بمعنى "كاشف الغمة"؛ فالخلاص من الجهل بالعلم، ومن الكفر بالإيمان، ومن الضلالة بالهدى، فهو صلى الله عليه وآله وسلم كاشف غمة الجهل بالعلم، وغمة الكفر بالإيمان، وغمة الضلالة بالهدى.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسمَّى في الكتب القديمة: أحمد، ومحمد، والماحي، والمقفى، ونبي الملاحم، وحمطايا، وفارقليطا، وماذماذ" أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني فيما نقله السيوطي في "الخصائص الكبرى" (1/ 133، ط. دار الكتب العلمية).

قال العلامة أبو الحسن علي بن سهل الطبري [ت: 247هـ] في كتابه "الدين والدولة" (ص: 184، ط. دار الآفاق): [الفارقليط..: هو الذي علَّم الناسَ كلَّ شيءٍ لم يكونوا عَلِمُوه من قبل] اهـ.

وقال العلامة ابن ظفر الحموي [ت: 565هـ] في "خير البِشَر بخير البَشَر" (ص: 133، ط. دار الكتب العلمية): [وهم مختلفون في معنى لفظ "الفارَقْلِيط"، والذي صح عندي في ذلك -مع كثرة بحثي عنه-: أنه الحكيم الذي يعرف السر] اهـ.

وقال أيضًا: [وسألت عنه رجلًا من علمائهم، فقال: هو الذي يعلم كل شيء، ثم قال: هو الذي يعلم الأشياء الخفية] اهـ نقله عنه الحافظ ابن ناصر الدين في "جامع الآثار" (3/ 181، ط. أوقاف قطر).

وقال الإمام شهاب الدين القرافي [ت: 684هـ] في "الأجوبة الفاخرة" (ص: 424، ت. بكر عوض، ط. شركة سعيد رأفت): [والفارقليط عند النصارى: الحمّاد، وقيل: الحامد، وجمهورهم أنه الـمُخَلِّص، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم مخلِّص الناس من الكفر، وهو المعلم لكل شيء] اهـ.

قال العلامة نصير الدين الطوسي [ت: 672هـ] في "تلخيص المحصل" (ص: 154، ط. المطبعة الحسينية 1323هـ): [جاء في "الإنجيل" في الفصل الرابع عشر، في إنجيل يوحنا؛ أن المسيح قال: "إني أسأل ربي أن يعطيكم فارقليطًا آخر يكون معكم إلى الأبد روح الحق"، والفارقليط معناه: كاشف الخفيات] اهـ.

وقال العلامة السعد التفتازاني في "شرح المقاصد في علم الكلام" (2/ 190، ط. دار المعارف النعمانية): [ومعنى الفارقليط: كاشف الخفيات] اهـ.

وقال العلامة أبو عبد الله السنوسي المالكي [ت: 895هـ] في "شرح صغرى الصغرى" (ص: 117، ط. دار الرازي): [ومعنى "البارقليط": النبي كاشف الخفيات] اهـ.

وقال العلامة القاري الحنفي [ت: 1014هـ] في "شرح الشفا" (1/ 744، ط. دار الكتب العلمية): [وفارقليط معناه: كاشف الخفيات] اهـ.

وقال العلامة برهان الدين اللقاني المالكي [ت: 1041هـ] في "عمدة المريد شرح جوهرة التوحيد" (3/ 1043، ط. دار النور المبين): [ومعنى البارقليط: كاشف الخفيات] اهـ.

وصنف كبار العلماء عبر القرون الكتب والمصنفات في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "كاشف الغمة" في حياته وبعد مماته، وأجمعت الأمة على تلقي هذه المصنفات بالقبول عبر الأمصار والأعصار من غير إنكار؛ فإنكار ذلك بدعة ضلالة لا يجوز التعويل عليها ولا الالتفات إليها.

فممَّن ألّف في ذلك: الإمام الحافظ المنذري [ت: 656هـ] صاحب "الترغيب والترهيب" في رسالته "زوال الظما في ذكر من استغاث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشدة والعمى"، والإمام أبو عبد الله بن النعمان المراكشي [ت: 683هـ] في كتابه "مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام"، والعلامة نور الدين الحلبي الشافعي [ت: 1044هـ] في كتابه "بغية ذوي الأحلام بأخبار مَن فُرِّجَ كربُه برؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام في المنام" وغيرهم.

قال العلامة الأصولي شمس الدين الجزري الشافعي [ت: 711هـ] شارح "منهاج البيضاوي" فيما أورده العلامة نجم الدين الطوفي الحنبلي [ت: 716هـ] في كتابه "الإشارات الإلهية" (3/ 91) مقرًّا له وزائدًا عليه: [وقد صنف أبو عبد الله بن النعمان كتابًا سمّاه "مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام"، واشتهر هذا الكتاب، وأجمع أهل عصره على تلقيه منه بالقبول، وإجماعُ أهلِ كل عصرٍ حجةٌ] اهـ.

فالوصف "بكشف الغمة" وصفٌ لغوي صحيح عقلًا ولغةً وشرعًا، تمدَّحت به العرب في أشعارها، وتنادت بالفخر به في مدائحها، وجرى الوصف به على ألسنة العقلاء من كل الأمم، وعدوه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وطيب الذكر في الآفاق، ولم يمنع منه عقل صريح ولا نقل صحيح، بل جاءت الشرائع بمدحه والدعوة إلى الاتصاف به، وأولى الناس بالوصف به أنبياءُ الله الكرام؛ ولذا كان وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم به وما في معناه ممَّا جاءت به نصوص الكتاب والسنة.

واتصاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوصف "كاشف الغمة" وما في معناه مردُّه إلى: أن الله تعالى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سببَ الخير لكل الخلق؛ كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي» متفق عليه، فالله تعالى هو المعطي، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو القاسم، وفي لفظ الإمام أحمد في "المسند" والإمام البخاري في "الأدب المفرد": «أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ؛ اللهُ يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ».

وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في مقدمة "الرسالة" (ص: 16-17، ط. الحلبي، تحقيق: أحمد شاكر): [فلم تُمسِ بنا نعمةٌ ظَهَرَتْ ولا بَطَنَتْ نِلْنَا بها حظًّا في دِينٍ ودُنيا، أو دُفِعَ بها عنَّا مكروهٌ فيهما وفي واحد منهما: إلاّ ومحمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم سبَبُها، القائدُ إلى خيرها، والهادي إلى رشدها، الذائدُ عن الهَلَكَة وموارد السوء في خلاف الرشد، المُنَبِّهُ للأسباب التي تُورِدُ الهَلَكَةَ، القائمُ بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد] اهـ.

وقال الإمام العارف العلامة محمد بن أبي الحسن البكري الصِّدِّيقي الشافعي المصري [ت: 993هـ] شيخ أهل عصره، ومقدَّم علماء الأزهر الشريف في مصره، في لاميته الشهيرة "الوسيلة العظيمة" -وقد ذكرها المؤرخ العيدروس في "النور السافر" (ص: 374، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (10/ 633، ط. دار ابن كثير):

ما أرسل الرحمــن أو يرسلُ .. من رحمـــــة تصــعد أو تنزلُ

في ملكوت الله أو مُلكه .. من كل ما يختص أو يشمل

إلّا وطــــه المصــطفى عبدُه .. نبيُّـــــــه مُختـــاره الـمُرسَـــــــل

واســــطةٌ فيهـــا وأصلٌ لهـــا .. يعلم هذا كلُّ مَن يعقِـــل

وقال العلامة الطيب بن كيران شيخ عصره ومصره [ت: 1227هـ] في "شرحه على توحيد ابن عاشر" (ص: 15، ط. التوفيق الأدبية): [ولما أثنى على الله تعالى بما هو أهله، صلى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، الواسطة في كل إحسان وصل أو يصل إلينا؛ فإنّ كل نعمة وإن كانت في الحقيقة من الله ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ فقد اقتضت حكمته تعالى أن يجعل الواسطة في ذلك، الذي تظهر على يديه تلك النعمة وبيده مفاتيح خزائنها: سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما قال القطب مولانا عبد السلام: "ولا شيء إلا وهو به منوط"، وكما قال بعض البكريين: "ما أرسل الرحمن أو يرسل"، الأبيات المشهورة] اهـ.

التوفيق بين وصف النبي بكاشف الغمة وبين قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ

لا يُعترض على ذلك بأن كاشف الغمة هو الله تعالى، لأن الله كاشفها خلقًا وإيجادًا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كاشفها تسببًا واكتسابًا، ونسبة الشيء إلى سببه جائز في العقل واللغة والشرع، وقد جمع الله ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17]؛ فأثبت الرمي لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم سببًا وكسبًا، ونفاه عنه خلقًا وتأثيرًا، وأثبت ذلك لنفسه سبحانه وتعالى.

وهناك فارقٌ بين اعتقاد الشيء سببًا، واعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإنه لا خالق ولا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه، والأسباب لا تثمر المسبَّبات بنفسها وإنما بخلق الله لها، وإضافة الأفعال إلى أسبابها صحيحة لغةً وشرعًا وعقلاً، وما كان لله تعالى على جهة الخلق والتأثير جازت إضافته للمتسبب فيه على جهة السببية؛ فقد نَسَبَ اللهُ التَّوَفِّيَ لنفسه فقال: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر: 42]، ونسبه لرسله فقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: 61]، ونسب لنفسه الخلق والشفاء والإحياء والإنباء بالمغيَّبات، ونسب ذلك لعيسى عليه السلام فقال على لسانه: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 49]، ونسب الرزق لنفسه فقال: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: 60]، ونسبه لعباده تسببًا فقال: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء: 8]، ونسب لنفسه تفريج الكروب فقال: ﴿قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 64]، ونسبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمخلوقين؛ فقال: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وتستوي في ذلك حياته الدنيوية وحياته البرزخية والأخروية صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستغفاره لأمته في برزخه الشريف، فهو "كاشف الغمة" في حياته وبعد مماته؛ فقال: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُم؛ تُحدِثُونَ وَيُحدَثُ لَكُم، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُم؛ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُم، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ» أخرجه إسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، والحارث بن أبي أسامة والبزار في "مسنديهما"، والديلمي في "مسند الفردوس"، وصححه جمع غفير من الحفاظ؛ كالإمام النووي، وابن التين، والقرطبي، والقاضي عياض، والحافظ ابن حجر، والسيوطي في "الخصائص الكبرى"، والعلامة المناوي في "فيض القدير"، والملا القاري والعلامة الخفاجي في "شرح الشفا"، والعلامة الزرقاني في "شرح المواهب"، وقال الحافظ العراقي في "طرح التثريب": "إسناده جيد"، وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد": "ورجاله رجال الصحيح"، وألف السيد الحافظ عبد الله الغماري في تصحيحه رسالته "نهاية الآمال في شرح وتصحيح حديث عرض الأعمال".

حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في روضه الشريف

الأمة مجمعة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيٌّ في روضه الشريف؛ قال الحافظ شمس الدين السخاوي في كتابه "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وآله وسلم" (ص: 172، ط. مؤسسة الريان): [ونحن نؤمن ونصدق بأنه صلى الله عليه وآله وسلم حيٌّ يُرزَق في قبره، وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض، والإجماع على هذا] اهـ.

وقال الحافظ السيوطي في "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء" -ضمن كتابه "الحاوي للفتاوي" (2/178، ط. دار الفكر)-: [حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علمًا قطعيًّا؛ لما قام عندنا من الأدلّة في ذلك، وتواترت به الأخبار، وقد ألف البيهقي جزءًا في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام في قبورهم] اهـ.

وقد نظم العلامة شيخ الشافعية العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله في ذلك قصيدته اللامية التي قال فيها:

تواترت الأدلـــــــةُ والنقـــــــولُ .. فمـــا يحصي المصـنفُ ما يقولُ

بأن المصـــــــطفى حيٌّ طـــــريٌّ .. هـــــلالٌ ليس يَطــــرُقه أفـولُ

كذا الأعمـــالُ تُعرَض كلَّ يوم .. عليه كي يُسَرَّ بها الرســـولُ

فإن كانت صلاحًـــا قام يدعـو .. إلى المولى ليقبـــــــل ما يقــولُ

وإلا غــــير ذلك فهو يدعـــــــو .. ليغفرهـــا فقد صفح الجليـــــلُ

النبي صلى الله عليه وآله وسلم المستمرة"كاشف للغمم" بعد وفاته

من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم المستمرة بعده: أن جعله الله "كاشفًا للغمم" بعد وفاته؛ فهو "كاشف الغمة" حيًّا ومنتقلًا، قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في "فتاويه" (ص: 210، ط. مكتبة العلوم والحكم) في ذكر معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم: [فإنها ليست محصورة على ما وجد منها في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عليه وآله وسلم على تعاقب العصور؛ وذلك أن كرامات الأولياء من أمته صلى الله عليه وآله وسلم وإجابات المتوسلين به في حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه وآله وسلم قواطع، ومعجزات له سواطع، ولا يعدّها عد ولا يحصرها حدّ، أعاذنا الله من الزيغ عن ملته، وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته] اهـ.

وقال الإمام ابن الحاج المالكي في كتابه "المدخل" (1/ 259، ط. دار التراث): [لا فرق بين موته وحياته صلى الله عليه وآله وسلم؛ أعني: في مشاهدته لأمته، ومعرفته بأحوالهم، ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم، وذلك عنده جلي لا خفاء فيه.. فالتوسل به عليه الصلاة والسلام هو محلّ حط أحمال الأوزار، وأثقال الذنوب والخطايا؛ لأن بركة شفاعته عليه الصلاة والسلام وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب؛ إذ إنها أعظم من الجميع] اهـ.

وقال الحافظ السخاوي في كتابه "القول البديع" (ص: 239): [ومَن تشفَّع بجاهه صلى الله عليه وآله وسلم وتوسل بالصلاة عليه: بلغ مراده، وأنجح قصده، وقد أفردوا ذلك بالتصنيف.. وهذا من المعجزات الباقية على ممر الدهور والأعوام، وتعاقب العصور والأيام، ولو قيل: إن إجابات المتوسلين بجاهه عقب توسلهم يتضمن معجزات كثيرة بعدد التوسلات لكان أحسن، فلا يطمع حينئذٍ في عد معجزاته حاصر، فإنه -ولو بلغ ما بلغ منها- حاسر قاصر] اهـ.

الوصف "بكشف الغمة" جرى على ألسنة الصحابة رضي الله عنهم

جرى الوصف: "بكشف الغمة" وما في معناه على ألسنة الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير:

فوصف الصحابة وأبو بكر الصديق رضوان الله عليهم بهذا الوصف سيدنا عليًّا رضي الله عنه من غير نكير؛ وذلك في قصة اليهودي الذي سأل الصحابة فأعياهم جوابه، وأجابه سيدنا علي عليه السلام على مسائله، فأسلم اليهودي، فقال أبو بكر والمسلمون لعلي رضي الله عنهما: "يا مُفرِّج الكُرَب" أخرجه أبو بكر بن دريد [ت: 321هـ] في "المجتنى" (ص: 23، ط. دائرة المعارف العثمانية).

وذكره أبو الفضل شاذان بن أبي طالب [ت: 660هـ] في كتاب "الفضائل" (ص: 132-133، ط. مكتبة العرفان)، وفي آخره: فقال أبو بكر: "أنت يا علي كاشف الكُرُبات، أنت يا علي فارج الهم والغم".

وذكره العلامة المقَّري التلمساني [ت: 1041هـ] في "نفح الطيب" (5/ 291، ط. دار صادر)، وفي آخره: [فقبَّل أبو بكر رأس علي رضي الله عنهما، وقال له: "‌يا ‌مفرِّجَ الكُرُبَاتِ"] اهـ.

ووصف نفسه بذلك الشاعرُ الصحابي المخضرم أبو مِحْجَنٍ عروةُ بنُ حبيبٍ الثَّقَفيُّ [ت: 30هـ] فقال:

وأكشِفُ المأزِقَ المكروبَ غُمَّتُهُ .. وأكتُم الســرَّ فيه ضربةُ العُنُقِ​

وبعدهم التابعون أيضًا، فقال التابعي الجليل الشاعر عروة بن أُذَيْنَةَ [ت: 130هـ]:

نكشف الغُمَّى إذا نزلَتْ .. كشْفَ بدرٍ ليلةَ الظُّـلُـمَة

بأسـودِ الغيـــــلِ مُخْــدِرَةً .. تمنـعُ الأشبـــالَ مستلــمة

وروى البيهقي في "السنن الكبرى" عن الإمام الزهري رحمه الله تعالى أنه قال في تقليد الهدي: "أول من كشف الغُمَّى عن الناس، وبيَّن لهم السُّنّةَ في ذلك: عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم".

العلماء الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم "بكاشف الغمة"

على وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم "بكاشف الغمة" تتابع علماء الأمة، وفقهاؤها، ومحدثوها، وأدباؤها، وكُتّابها، ومؤرخوها سلفًا وخلفًا عبر الأعصار والأمصار من غير نكير:

فمن العلماء الذين وصفوا النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في مؤلَّفاتهم:

- الإمام الأديب أبو منصور الثعالبي [ت: 429هـ] قال في "لباب الآداب" (ص: 26، ط. دار الكتب العلمية): [صلى الله على مِفتاح الرحمة، ومصباح الظلمة، وكاشف الغُمة عن الأُمّة] اهـ.

وقال في "سحر البلاغة" (ص: 10، ط. دار الكتب العلمية): [صلى الله على كاشف الغمة عن الأمة، الناطق فيهم بالحكمة] اهـ.

- والإمام الأديب أبو إسحاق الحصري القيرواني [ت: 453هـ] قال في "زهر الآداب" (4/ 1162، ط. دار الجيل): [صلى الله على كاشف الغمّة عن الأمة] اهـ.

وقال في مقدمة "نور الطرف ونور الظرف": [وصلى الله على كاشف الغمة عن الأمة] اهـ.

- والإمام الحافظ الخطيب البغدادي [ت: 463هـ] قال في "تاريخ بغداد" (1/ 291، ط. دار الغرب): [فبلغ الرسالة، وأوضح الدلالة، وأظهر المقالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة] اهـ.

- والإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي [ت: 488هـ] قال في "تفسير غريب الصحيحين" (ص: 33، ط. مكتبة السنة): [وصلى الله على نبيه مُحَمَّد الَّذِي أهْدى إِلَى الْقُلُوب برسالته هداها ونورها، وكشف عَنْهَا غُمّاءَها وديجورها] اهـ.

- والإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي [ت: 620هـ] قال في كتابه "المغني" في الفقه (1/ 3، ط. مكتبة القاهرة): [وصلى الله على خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء، وإمام العلماء، وأكرم من مشى تحت أديم السماء، محمد نبي الرحمة الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة، والكاشف برسالته جلابيب الغمة، وخير نبي بعث إلى خير أمة] اهـ.

- والإمام أبو شامة المقدسي [ت: 665هـ] قال في كتابه "شرف الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم" (ص: 43، ط. مكتبة العمرين العلمية): [وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله نَبِي الرَّحْمَة، وَكَاشف الْغُمَّة، وسراج الْأمة، الْمنور لكل ظلمَة، الَّذِي امتن الله تَعَالَى بِهِ على هَذِه الْأمة] اهـ.

- والإمام القرطبي [ت: 671هـ] قال في كتابه "الإعلام" (ص: 255، ط. دار التراث العربي): [بعث الله جاعل السنة وكاشف الغمة محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

- والإمام حسام الدين السغناقي [ت: 711هـ] قال في كتابه "الكافي شرح البزدوي" (1/ 137، ط. مكتبة الرشد): [مستشفعًا بنبي الرحمة، وكاشف الغمة محمد صلى الله عليه وعلى آله الأخيار، وأصحابه الأبرار] اهـ.

- والشيخ تقي الدين بن تيمية الحنبلي [ت: 728هـ] قال في "الفتاوى" (10/ 387، ط. مجمع الملك فهد): [فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة] اهـ.

- والشيخ الشاطبي [ت: 790هـ] قال في "الاعتصام" (1/ 17، ط. دار ابن عفان): [وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، ‌وَكَاشِفِ ‌الْغُمَّةِ، الَّذِي نَسَخَتْ شَرِيعَتُهُ كُلَّ شَرِيعَةٍ] اهـ.

- والشيخ ابن قيم الجوزية الحنبلي [ت: 751هـ] قال في مقدمة "القصيدة النونية" (ص: 6، ط. دار الكتب العلمية): [وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة] اهـ.

- وقال في "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص: 75، ط. الدار السلفية): [فصلوات الله وسلامه على كاشف الغمة وهادي الأُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

- وقال في "هداية الحيارى" (2/ 375، ط. دار القلم): [فبعث اللهُ هاديَ الأمّة، وكاشفَ الغُمّةِ، فبَيَّنَ للأُمَم حقيقةَ أمْرِ المسيح] اهـ، وفي "حاشيته على سنن أبي داود" (12/ 313، ط. دار الكتب العلمية): [فصلوات الله وسلامه على هادى الأمة، وكاشف الغمة] اهـ.

- والإمام العلامة جمال الدين بن هشام [ت: 761هـ] قال في "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" (ص: 918، ط. دار الفكر): [وأن يهدي أشرف صلواته، وأزكى تحيّاته إلى أشرف العالمين، وإمام العاملين: محمد نبيِّ الرّحمة، الكاشف في يوم الحشر بشفاعته الغمّة] اهـ.

- والإمام الحافظ العلائي [ت: 761هـ] قال في "إثارة الفوائد المجموعة في الإشارة إلى الفرائد المسموعة" (2/ 726، ط. مكتبة العلوم والحكم): [ونسأله سبحانه أن يصلي على سيدنا ونبينا وشفيعنا محمد نبي الرحمة، وهادي الأمة، وكاشف الغمة، ومجلي الظلمة، وعلى آله وأزواجه وذريته، وسائر النبيين والمرسلين والكل وسائر الصالحين، وحسبنا الله ونعم الوكيل] اهـ.

- والعلامة الأديب لسان الدين ابن الخطيب [ت: 776هـ] قال في كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" (1/ 514، ط. دار صادر): [الذي بجاهه نستكشف الغَمّاء إذا طنّبت، ونستوكف النّعماء إذا أخلفت البروق وكذبت] اهـ.

- والإمام جمال الدين السرمري [ت: 776هـ] قال في كتابه: "خصائص سيد العالمين صلى الله عليه وآله وسلم وما له من المناقب العجائب" (ص: 598، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية): [ونصح الأمّة وكشف الغُمّة، ودعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة] اهـ.

- والإمام الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي [ت: 842هـ] قال في "جامع الآثار في السير ومولد المختار" (2/ 357، ط. دار القلم): [فبعث الله هادي الأمة وكاشف الغمة] اهـ.

- والعلامة المؤرخ المقريزي [ت: 845هـ] قال في كتابه "إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع" (1/ 3، ط. دار الكتب العلمية): [فبَلَّغ صلّى الله عليه وآله وسلّم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة] اهـ.

وقال في "حصول الإنعام والمير في سؤال خاتمة الخير" -(المطبوع ضمن "رسائله") (ص: 255، ط. دار الحديث)-: [وصلى الله على سيدنا محمد الذي جاءنا بالبينات والهدى فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة] اهـ.

- والإمام شمس الدين الأسيوطي المنهاجي [ت: 880هـ] قال في "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى" (2/ 173، ط. الهيئة المصرية العامة للكتب): [وصلى اللَّه على سيدنا محمد نبي الرحمة وشفيع الأمة وكاشف الغمة] اهـ.

- والإمام برهان الدين إبراهيم بن مفلح الحنبلي [ت: 884هـ] قال في كتابه "المبدع في شرح المقنع" (1/ 13، ط. دار الكتب العلمية): [وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وحبيبه، وخليله، الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة، والكاشف برسالته جلابيب الغمة، صلى الله عليه وعلى آله الكرام، وأصحابه الحائزين من رضى الله أقصى المرام، وسلم وكرم، وشرف وعظم] اهـ.

- والإمام الكوراني [ت: 893هـ] قال في تفسيره "غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني" (ص: 443، ط. جامعة صاقريا-تركيا): [تمت ولله الحمد والمنة، والصلاة على كاشف الغمة] اهـ.

- والعلامة محمد بن يوسف السنوسي الحسني [ت: 895هـ] قال في "عمدة أهل التوفيق والسداد شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى" (ص: 488، ط. مصطفى الحلبي): [أن يبعث الله تعالى جاعل السنة وكاشف الغمة نبينا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

- والعلامة الصالحي [ت: 942هـ] قال في كتابه "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد" (1/ 511، ط. دار الكتب العلمية): [(مزيل الغمّة): اسم فاعل من الإزالة وهي الكشف والإماطة. والغمة من الغم: الكرب والشدة. وأصله الستر، ومنه الغمام؛ لأنه يستر ضوء الشمس، وسمي بذلك لأنه جلى ظلمة الشك بنور اليقين، وأماط غمة الشّرك عن الدين المتين، ورفع حجب الغفلة عن قلوب المتقين] اهـ.

- والعلامة الزرقاني [ت: 1122هـ] قال في "شرح المواهب اللدنية" (4/ 222، ط. دار الكتب العلمية): ["مزيل الغمة" الكرب والشدة] اهـ.

- والعلامة الأشموني [ت: 1100هـ] قال في "منار الهدى في الوقف والابتدا" (ص: 10، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يقوم بهذا الفن إلا مَن له باع في العربية، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم باللغة التي نزل القرآن بها على خير خلقه مزيل الغمة، بعثه به بشيرًا ونذيرًا إلى خير أمة] اهـ.

- والشيخ ملا علي القاري [ت: 1014هـ] قال في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1488، ط. دار الفكر): [تشريفًا لكاشف الغمة] اهـ.

وقال: (5/ 1730): [(محمد نبي الرحمة): أي: دافع الرحمة وكاشف الغمة، وشفيع الأمة] اهـ.

وقال: (6/ 2374): [نبي الرحمة، وكاشف الغمة] اهـ.

وقال في "شرح الشفا" (2/ 133، ط. دار الكتب العلمية): [نبي الأمة، وكاشف الغمة.. (ورسول الرّحمة) أي: جميع الأمة فإنه كاشف الغمة.. وهذا كله ببركة مجالسة نبي الأمة وكاشف الغمة] اهـ.

وقال في "منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر" (ص: 269، ط. دار البشائر الإسلامية): [على لسان صاحب الشريعة رحمة على الأمة من حيث إنه كاشف الغمة] اهـ.

وقال (ص: 277): [فإنه عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلى جميع الأمم كاشف الغمة ونبي الرحمة] اهـ.

وقال في رسالة "أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي الرسول" (ص: 134، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): [لَا بُد فِي الْوُجُود من يكْشف الْغُمَّة] اهـ.

- والعلامة ابن علان الصديقي الشافعي [ت: 1057هـ] قال في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2/ 534، ط. دار المعرفة): [فقد بلغ الرسالة والأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده] اهـ.

- والعلامة محمد بن أحمد البهوتي الحنبلي [ت: 1088هـ] قال في "بغية الناسك في أحكام المناسك" (ص: 125، ط. جامعة الملك سعود): [يا نبي الرحمة، يا سراج الظلمة، يا كاشف الغمة.. يا سيدي يا رسول الله أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة] اهـ.

- والإمام العلامة الشاه ولي الله الدهلوي [ت: 1176هـ] قال في "حجة الله البالغة" (1/ 213، ط. دار الجيل): [ومِنه إشراكٌ خَفِي، وتحريف مُضْمر، لَا يُؤَاخذ الله بهَا حَتَّى يبْعَث الرَّسُول فيهم، فيقيم الحجَّة، ويكشف الْغُمَّة؛ ليحيا من حَيَّ عَن بَيِّنَة، وَيهْلك من هلك عَن بَيِّنَة] اهـ.

- والعلامة الطالب محمد بن الطالب عمر [ت: 1165هـ] فيما نقله عنه العلامة الولاتي [ت: 1219هـ] في كتابه "فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور" (ص: 129، ط. دار الغرب الإسلامي) قال: [فائدة: قال صاحب الترجمة شيخنا الطالب محمد بن الطالب عمر رحمه الله تعالى: "هذه كلمات استيقظت عند طلوع الفجر يوم الجمعة وأنا أحفظها: الصلاة والسلام عليك يا شفيع الأمة، ويا كاشف الغمة] اهـ.

- والعلامة أبو البركات السويدي البغدادي [ت: 1174هـ] قال في "النفحة المسكية" (ص: 195، ط. المجمع الثقافي): [وأصلي وأسلم على نبيه وحبيبه وصفيه سيدنا محمد المبعوث من أشرف جرثومة، وأكرم أرومة، فهدى الأمة، وكشف الغمة، فكان كما أخبر الله للعالمين رحمة] اهـ.

- والعلامة محمد الجزولي اللكوسي الحضيكي [ت: 1189هـ] نقل عنه المؤرخ السوسي في "المعسول" (11/ 319، ط. دار النجاح) قوله: [صلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين والمرسلين، إمام المتقين، وشفيع المذنبين، وكاشف الغمة عنا في كل موقف وحين] اهـ.

- والعلامة الصاوي [ت: 1241هـ] قال في "حاشيته على الجلالين" (1/ 75، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: (ما لهم لم يؤمنوا) هذا هو صورة السؤال، أي حيث بلغت الرسالة ونصحت الأمة وكشف الغمة وجليت الظلمة، فلا تخف من كفرهم ولا يسألك الله عنه] اهـ.

- والقاضي إسماعيل الصنعاني [ت: 1256هـ]؛ قال في سؤاله للعلامة الشوكاني كما في "الفتح الرباني" (12/ 5875، ط. مكتبة الجيل الجديد): [والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وسراج الظلمة، وكاشف الغمَّة] اهـ.

- والأستاذ الإمام المجدد مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد عبده [ت: 1323هـ] قال في "كتاب التوحيد" (ص: 73، ط. دار الكتاب العربي): [انتدب نَفسه لإرشاد الْأُمَم وكفالته لَهُم كشف الغمم بل وإحياء الرمم] اهـ.

- والعلامة المفسر الذهبي [ت: 1398هـ] قال في "التفسير والمفسرون" (1/ 5، ط. مكتبة وهبة): [ذلك هو محمد بن عبد الله عليه صلاة الله وسلامه نبي الرحمة، ومبدد الظلمة، وكاشف الغمة] اهـ.

المدائح النبوية التي وصفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كاشف الغمة

من المدائح النبوية التي وصفت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بكشف الغمة:

- قول فقيه الأندلس وعالم عصره ومفتي مصره الإمام عبد الملك بن حبيب السلمي [ت: 238هـ] حيث قال -فيما نقله العلامة المقري في "نفح الطيب" (1/ 46، ط. دار صادر)-:

خير البرية والنبي المصــــــطفى .. هادي الورى لطرائق الجنـــاتِ

لمـــا وقفـــت بقــربه لســــلامه .. جادت دموعي واكفَ العبراتِ

ورأيت حجرته وموضعــــه الذي .. قد كان يدعو فيه في الخــلواتِ

مع روضـة قد قال فيهـــا: إنهـــا .. مشــــتقة من روضــة الجنـــاتِ

وبمنزل الأنصـار وسط قبــابهم .. بيت الهـــداية كاشف الغمراتِ

وبطيـبةٍ طـــابوا ونـــالوا رحمـــةً .. معـــنى الكتاب ومحكم الآيـــاتِ

وبقبر حمـزة والصحـــابة حــوله .. فاضت دموع العـــين منهمراتِ

سقيًـــا لتلك معـاهدًا شاهدتهـــا .. وشهدتهـــا بالخـــطو واللحظـــاتِ

لا زلت زوارًا لقــــــــــبر نبينـــا .. ومدينــــــة زهراء بالبركاتِ

صلى الإله على النبي المصــطفى .. هــادي البرية كاشف الكرباتِ

وعلى ضجيعيه الســـــلامُ مردَّدًا .. ما لاح نور الحق في الظلمـــاتِ

- وقول الإمام الشاعر يحيى الصرصري [ت: 656هـ] حيث يقول في "ديوانه":  

يعطي عطـــاءً واسعًـــا .. يكشف ضر المقتر

ويقول أيضًا:

أنت ذخرٌ لنا وغوثٌ على خطـ .. ـبِ زمانٍ به اللبيبُ يُســـاء

ويقول أيضًا:

أنت الـمَـــلِيُّ بكشف ضرٍّ مخلفٍ .. ذي عسرةٍ بندى يديك يسارُهُ

ويقول أيضًا:

يا من إذا ما حل خطبٌ بالورى .. فبجـــاهه من كيده نتخلصُ

- وقال الإمام البوصيري [ت: 696هـ] في همزيته:

فَأَغِثْنا يا مَنْ هُوَ الغَـوْثُ والغَيْـ .. ـثُ إذا أَجْهَدَ الوَرى اللَّأْواءُ

والجوادُ الذي بِهِ تُكْشَفُ الغُمْـ .. ـمَةُ عَنّا وَتُكْشَـــــفُ الحَـوْباءُ

- وقال الإمام البوصيري أيضًا في "القصيدة المحمدية":

محمد زينة الدنيـــا وبهجتهـــا .. محمد كاشف الغُمّـــات والظلم

- وقال قاضي مكة وإمام المالكية فيها تاج الدين بن يعقوب [ت: 1066هـ] -كما في "سلافة العصر، في محاسن الشعراء بكل مصر" للعلامة ابن معصوم المدني (ص: 147، ط. الخانجي)-:

لُذْ بطــــــه في جميـع النُّــوَب .. وأنخ نجب الرجا واحتسبِ

وادعه إن مسَّك الضّرُّ الذي .. عجزت عنه الأطِبّـــا تَطِــبِ

قـــائلًا: يا رحمـــــــة الله ويـا .. كاشفَ الغمِّ المجلِّي الكُرَبِ

يا رســـول الله يا من خصَّه .. مجتبيــــه بزكـــيِّ النَّســبِ

- وقال العلامة عبد القادر الأدهمي [ت: 1325هـ] في "معجم أعلام شعراء المدح النبوي" (ص: 239، ط. دار ومكتبة الهلال):

طه الرسول هو المرسول للأمم .. غيث مغيث أتانا كاشف الغمم

- وقال الإمام العلامة أَبُو الأمداد برهَان الدّين اللَّقَّانِيّ الْمَالِكِي [ت: 1041هـ] -كما في "خلاصة الأثر، في أعيان القرن الحادي عشر" للأمين المحبي (1/ 8، ط. دار صادر)-:

من تُرتَجَى في مقَام الهول نصرتُه .. وَمن بِهِ تكشف الغَمّـــاء والغلل

ومما جاء من أشعار شعراء الإسلام في وصف ممدوحيهم بـــ"كشف الغمة":

قال ابن الرومي [ت: 283هـ] في رثاء أمه في "ميميته":

رزيئةِ أمٍّ كنتُ أحيا بِرُوحِها .. وأستدفعُ البلوى وأستكشفُ الغُمم

وقال الشريف الرضي [ت: 406هـ] في رثاء أبي الفتح ابن الخليفة الطائع لله (ت: 396هـ):

فلتعلم الأيّام أنّك لم تزل .. تفري الخطوب، وتكشف الغمّاء

وقال في رثاء أمه فاطمة:

آبـــاؤك الغــــرُّ الذين تفجَّرت .. بهــــــمُ ينـــابيع مــــن النَّعمـــاء

من نـــاصرٍ للحـــقّ أو داع إلى .. سبل الهدى، أو كاشف الغَمّاء

وقال الشاعر المطرز يرثى الوزير ذا السعادتين أبا غالب [ت: 412هـ]:

فتى يستـــجير الملك أن صرخت به .. الحوادث أو حنت عليه خطوب

ومن يكشف الغمـــاء عنـــه بعزمه .. لهـــا في قلوب النـــائبات وجيب

وقال الإمام الفقيه أبو الفرج بن الدهان الموصلي [ت: 581هـ] مادحًا طلائع بن رزيك -كما جاء في كتاب "خريدة القصر وجريدة العصر" لعماد الدين الأصفهاني الكاتب (12/ 283، ط. المجمع العلمي العراقي)-:

يا كاشفَ الغُمّة الكُبرى وقد نَزَلَتْ .. بشَعْب شَمْلِ العُلا لولا تَلافيكا

وقال الشاعر محمد بن يوسف الشيباني [ت: 675هـ] في مدح الصفي بن شكر وزير الملك العادل -كما في "قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان" لكمال الدين ابن الشعار [ت: 654هـ] (5/ 260، ط. دار الكتب العلمية):

يا كاشف الغمَّاء إن هي أظلمت .. واستبهمت طرقـــاتُها تأويلا

وقال الشاعر أبو عبد الله بن أبي القاسم الهماميُّ يمدح مجد الدين يوسف وكان وزيرًا بخوزستان -كما في "قلائد الجمان" (6/ 214)-:

يا كاشف الكربات وهو قوادحٌ .. ومفرِّج الغَمّـــاء والأهــــوالِ

وقال العلامة ابن حمدان الحنبلي [ت: 695هـ] في كتابه "المعتمد" يمدح الإمام أحمد بن حنبل -كما جاء في مقدمة تحقيق كتابه "صفة المفتي والمستفتي" (ص: 64، ط. دار الصميعي)-:

قد أخذ العلم لعمري عن عدَدْ .. مـــا مثــلهم ولا يســـاويهم أحَدْ

وصحبـــــــه جميـــــعهم أئمـــــــه .. إلا القليـــل كاشفون الغمـــــــه

وقال تقي الدين أبو الثناء محمود بن على بن محمود بن مقبل ابن سليمان بن داود الدقوقي المحدث [ت: 733هـ] يرثي ابن تيمية -كما ورد في "غاية الأماني" لأبو الثناء الألوسي (2/ 284، ط. مكتبة الرشد)-:

يا كالئ الإســلام من أعــدائه .. وسمـــام كل أخي نفـــاق ملحدِ

يا واحد الدنيـــا الذي بعلومـــه .. يمتـــاز في الإسـلام كل موحدِ

يا حامل الأعباء عن مستنـصر .. يا كاشف الغمـاء عن مستنجدِ

يا طـــارد الشبهات عن متردد .. يا دافع الفاقـــات عن مسترفدِ

ووصف الشيخ زين الدين بن الحسام الشبلي [ت: 749هـ] الشيخ ابن تيمية بكاشف الغَمَّاء؛ كما في "العقود الدرية" لابن عبد الهادي (ص: 511، ط. دار الكتاب العربي)، و"غاية الأماني في الرد على النبهاني" (2/ 274، ط. مكتبة الرشد)؛ حيث يقول في قصيدته:

المحسن لكافي السؤال وحاسم الـ ... ـداء العضال وكاشف الغماء

وقال عبد الغفار الأخرس شاعر العراق [ت: 1290هـ] في مدح الشهاب الآلوسي:

كاشف الغمِّ إنْ توالت غموم … فارج الهمِّ عند ضيق الخناق

مؤلفات العلماء التي سميت بــ"كشف الغمة"

ألف العلماء من مختلف المذاهب والمشارب كتبًا سمَّوْها بــ"كشف الغمة"؛ فمن ذلك:

- الإمام أبو القاسم اللالكائي الحنبلي [ت: 418هـ] له كتاب: "كاشف الغمة عن معتقد أهل السنة".

- والعلامة أبو حامد ابن الظهير النيسابوري الحنفي [ت: بعد 669هـ] له كتاب: "كشف الغمم عن أخبار الأمم".

- وبهاء الدين علي بن عيسى الإربلي [ت: 692هـ] له كتاب: "كشف الغمة في معرفة الأئمة".

- والإمام التقي السبكي [ت: 756هـ] له كتاب: "كشف الغمة في ميراث أهل الذمة".

- والإمامُ محمد بن علي بن عبد الواحد أبو أمامة المعروف بابن النقَّاش [ت: 763هـ] له كتاب سَمّاه: "كاشف الغمّة عن شافعيّة الأمّة".

- والعلامة ابن الوزير [ت: 822هـ] له كتاب: "كاشف الغمة عن حسن سيرة إمام الأمة".

- والعلامة المقريزي [ت: 845هـ] له كتاب: "إغاثة الأمة بكشف الغمة".

- وقاضي مكة محمد بن العز النابلسي [ت: 855هـ] له كتاب: "كشف الغمة بتيسير الخلع لهذه الأمة".

- والشيخ عبد الله النجري [ت: 877هـ] له كتاب: "كاشف الغمة في مجادلة النخلة والكرمة".

- الحافظ السيوطي [ت: 911هـ] له كتاب: "كشف الغمى في أخبار الحمى"، وله أيضًا: "كشف الغمة عن الصِّمّة".

- والإمام العارف الشعراني [ت: 973هـ] له كتاب: "كشف الغمة عن جميع الأمة".

- والإمام أبو الضياء المَقْصَري [ت: 975هـ]، له كتاب "كشف الغمّة عن حكم المقبوض عمّا في الذمة وكون الملك فيه موقوفًا عند الأئمة".

- والعلامة عبد الله الأنصاري [ت: 1006هـ] له كتاب: "كشف الغمة عن بصائر الأئمة".

- والإمام العلامة عبد المعطي بن سالم بن عمر الشبلي السملاوي الأزهري [ت: 1127هـ]، له كتاب: "تفريج الكرب والمهمات بشرح دلائل الخيرات".

- والعلامة الحاج أحمد التواتي الغلاوي [ت: 1157هـ] له كتاب: "كشف الغمة في نفع الأمة".

- والعلامة صالح بن محمد الدسوقي [ت: 1246هـ] له كتاب "كشف الغمة وجلاء الظلمة في الرد على من حرم التهاليل على الأمة".

- والعلامة الشيخ الكردودي الحسني [ت: 1268هـ] له كتاب: "كشف الغمة في بيان أن حرب النظام حق على الأمة".

- والإمام العارف بالله أحمد بن سليمان الأروادي الخالدي النقشبندي [ت: 1275هـ] له كتاب: "مفرج الكروب بالصلاة على النبي المحب المحبوب صلى الله عليه وآله وسلم".

- والعلامة الشيخ عثمان بن منصور النجدي [ت: 1282هـ] له كتاب: "كشف الغمة في الرد على من كفر هذه الأمة".

- والإمام الأكبر شيخ الأزهر مصطفى العروسي [ت: 1293هـ] له كتاب: "كشف الغمة في تقييد معاني أدعية سيد الأمة".

- والعلامة محمد بن أحمد الموسوم المالكي [ت: 1300هـ] له كتاب: "كشف الغمة في الصلاة على خير الأمة".

- وشاعر عصره محمود سامي البارودي [ت: 1322هـ] له قصيدة في السيرة سمّاها: "كشف الغمة في مدح سيد الأمة" صلى الله عليه وآله وسلم.

- والقاضي عبد القادر الكنغراوي الإستانبولي [ت: 1349هـ] له كتاب: "كشف الغمة عن افتراق الأمة".

وقد وصف العلماء عبر العصور الأعيانَ بصفة "كشف الغمة"؛ تمدحًا وإظهارًا للفضائل؛ فمن ذلك:

- قال الإمام الحميدي [ت: 488هـ] في "الجمع بين الصحيحين" (4/ 291، ط. دار ابن حزم): [وَقد كشف الْغُمَّة عَن هَذَا أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَغَيره] اهـ.

- وقال إمام الحرمين الجويني [ت: 438هـ] يصف الإمام أحمد بن حنبل؛ كما ذكر الحافظ المناوي في "فيض القدير" (1/ 17، ط. دار المعرفة-بيروت)، وفي "التيسير شرح الجامع الصغير" (1/ 5، ط. مكتبة الإمام الشافعي-الرياض)-: [غسل وجه السنة من غبار البدعة وكشف الغمة عن عقيدة الأمة] اهـ.

- وقال العلامة القلقشندي [ت: 821هـ] في "مآثر الإنافة في معالم الخلافة" (3/ 267، ط. مطبعة حكومة الكويت): [وسعادة سُلْطَانه تكشف الغمم وتنشر الرمم] اهـ.

- وقال كمال الدين بن الفُوَطي [ت: 723هـ] في "مجمع الآداب في معجم الألقاب" (2/ 479، ط. مؤسسة الطباعة والنشر) عن فارس المسلمين الملك الصالح أبو الغارات طلائع ابن رزِّيك: [ثمّ خلع عليه خلع الوزارة، خلعة موشحة بعقد جوهر في يوم الخميس الرابع من شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وخمسمائة ونعت "بالسيد الأجل الملك الصالح ناصر الأئمة كاشف الغمة"] اهـ.

- وقال العلامة المقريزي في "إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" (3/ 218، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) في وصف طلائع بن رزيك: [لوزيرنا السيد الأجل الملك الصالح، ناصر الأئمة، كاشف الغمة، أمير الجيوش، سيف الإسلام، غياث الأنام] اهـ.

- وقال العلامة الونشريسي [ت: 914هـ] في "المعيار المعرب" (12/ 27): [وفي الحالة الثانية من الفرق الثامن والعشرين من قواعد شهاب الدين القرافي رحمه الله من هذا المعنى ما يكشف الغما ويشفي الغليل] اهـ.

- وقال العلامة مصطفى بن فتح الله فِي "مَجْمُوعه" مترجمًا الشيخ العلامة أحمد البكري الصديقي الشافعي [ت: 1048هـ]: [شهَاب الْأَئِمَّة وفاضل هَذِه الْأمة ومُلِثُّ غمام الْفضل وَكَاشف الْغُمَّة..] اهـ؛ نقله المحبي في "خلاصة الأثر" (1/ 202).

- وقال العلامة ابن معصوم المدني [ت: 1119هـ] في "سلافة العصر" (ص: 308) في ترجمة سبط الشيخ زين بن الشيخ محمد الدين الشامي العاملي: [زين الأئمة، وفاضل الأمة، ومُلِثُّ غمام الفضل، وكاشف الغمة] اهـ.

- وقال شيخ الإسلام المحدث السيد حسين المدني [ت: 1377هـ] في ترجمة العلامة السهارنفوري -كما في "بذل المجهود" (1/ 74، ط. مركز الشيخ أبي الحسن الندوي)-: [وكذلك يروي حضرة الأستاذ المؤلِّف سائر كتب الحديث قراءةً وإجازةً عن حبر الأُمّة كاشف الغمّة مولانا الشيخ عبد القيُّوم البدهانوي ثم البهوبالي] اهـ.

الرد على من ينكر ذلك وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بـ"كاشف الغمة"

فإنكار وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بـ"كاشف الغمة": بدعةُ ضلالةٍ لم يُسبَقْ إليها صاحبُها، وجحدُ هبةٍ تفضَّل بها على المصطفى واهبُها، ومخالفةٌ لاتفاق الأمة على ما تنوعت به مذاهبُها، وهي على ذلك: بدعةٌ تجمع الجهلَ باللغة إلى الجهالة في الدين، وتضم إلى ضحالة الفكر استخفافًا بتراث المسلمين.

والإشارةُ إلى ذلك بالخبث واللوث: سوءُ أدبٍ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

واتهامُ قائله بالشرك والكفر: ضلالة في الاعتقاد، وسوء ظن بالعباد، وخروج عن منهج الرشاد، وذلك كله قولٌ على الله تعالى بغير علم، وهو قرين الشرك في كتاب الله؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].

ويجب الأخذُ على أيدي هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون فيما لا يعلمون، وينكرون ما اتفق عليه المسلمون عبر القرون، فلا يجوز الالتفات إلى هذا الإنكار الذي يتعامى عن الشمس في رابعة النهار.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فوصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (كاشف الغمة) هو: وصف شرعي ثابت في حقه الشريف، وجنابه المنيف صلى الله عليه وآله وسلم عقلًا ونقلًا ولغةً، وبمبنى ذلك ومعناه جاءت نصوص الشريعة عبارة وإشارة، وتصريحًا وتلميحًا في الكتاب والسنة، واتفقت على ذلك الأمة، وأطبق عليه العلماء والأئمة، وتتابع عليه المُدّاح والشعراء، وجرى عليه المصنفون والأدباء في سائر الأمصار والأعصار، مع صحة الوصف بذلك لمَن يستحقه قديمًا وحديثًا عند العقلاء؛ حسبما تقتضيه أوليات اللغة ومبانيها، وقواعدها ومعانيها.

أما إنكار وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك مع اتهام قائله بالشرك، مع وصف ذلك باللوث والخبث: فهو قول على الله بغير علم، وقائلُ ذلك قد نادى على نفسه بالجهل، مع ما في كلامه من سوء الأدب مع المصطفى الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن التطاول على علماء المسلمين، والتكفير لعموم الموحدين، وسلوك منهج أهل البدع الضالين، والخوارج المفسدين، وتعرض لعقوبة رب العالمين، واتباع لغير سبيل المؤمنين، مع ما تسفر عنه هذه الدعوى الباطلة من الجهل باللغة ومعانيها، والتجاهل لأوليات الفهم والإدراك، والهجوم على الأمة بالتكفير والإشراك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا