حكم أكل السمك الطافي على سطح البحر

حكم أكل السمك الطافي على سطح البحر

ما حكم أكل السمك الطافي على سطح البحر؟

أكل السمك الطافي على وجه الماء جائزٌ شرعًا، سواء مات بسببٍ؛ كأن ضربه إنسان، أو انحسر عنه الماء حتى مات، أو مات بغير سببٍ حتف أنفه، راسبًا أو طافيًا. وذلك لعموم الأدلة الواردة في حِلِّ أكل السمك دون استثناء الطافي منه، بشرط أمَن السلامة من الضرر.

التفاصيل ....

المحتويات

 

الأدلة على إباحة أكل الكائنات البحرية

الأصل في أكل السمك وغيره من صيد البحر أنَّ الله عز وجل قد أحلَّه لعباده؛ قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة: 96].

وقد ورد في السنة المطهرة أيضًا ما يدل على حِلِّ أكل ما في البحر من السمك وغيره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ عليه وآله وسلم: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أخرجه الإمام أبو داود والترمذي في "السنن".

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ؛ وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رواه الإمام ابن ماجه في "سننه".

قال الإمام الأمير الصنعاني في "التنوير" (10/ 441، ط. دار السلام): [«مَيْتَةِ الْبَحْرِ حَلَالٌ» وهو كحديث: «هُوَ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وحديث: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ»، وظاهره عموم ذلك لكل مَن مات فيه من السمك] اهـ.

بيان أقوال الفقهاء في حكم أكل السمك الطافي على سطح البحر

السمك الطافي هو الذي مات فطفا على وجه الماء. ينظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (1/ 150، ط. دار المعرفة).

وقد اختلف الفقهاء في تحديد ضابط السمك الطافي الذي يترتب عليه الحكم الشرعي من حِلِّ الأكل من عدمه، ويظهر ذلك فيما يلي:

فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى حِلِّ أكل الطافي من السمك، سواء مات بسبب أو بغير سبب، راسبًا أو طافيًا.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 82، ط. دار الفكر): [والمعنى أن ميتة الحيوان البحري طاهرة؛ لقوله عليه السلام: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»، وقوله: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ؛ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ»، وسواء مات حتف أنفه ووجد طافيًا أو بسبب شيء فُعل به من اصطياد مسلم أو مجوسي] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (9/ 33، ط. دار الفكر): [السمك الطافي حلال، وهو الذي مات حتف أنفه؛ فيحلُّ عندنا كل ميتات البحر غير الضفدع سواء ما مات بسبب وغيره، وبه قال مالك وأحمد وأبو داود، وحكاه الخطابي عن أبي بكر الصديق وأبي أيوب الأنصاري وعطاء بن أبي رباح ومكحول والنخعي وأبي ثور رضي الله عنهم] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 394، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد: الطافي يؤكل، وما جزر عنه الماء أجود، والسمك الذي نبذه البحر لم يختلف الناس فيه، وإنما اختلفوا في الطافي، وليس به بأس. وممن أباح الطافي من السمك أبو بكر الصديق وأبو أيوب رضي الله عنهما، وبه قال مالك والشافعي] اهـ.

بينما ذهب فقهاء الحنفية إلى أنَّ السمك الطافي هو الذي مات في الماء من غير آفة ولا سبب حادث؛ كضربة حَجَر، أو إنسانٍ، سواء علا على سطح الماء، أو لم يعلُ، بحيث تكون بطنه لأعلى، فهذا يحرم أكله على الصحيح من المذهب.

وقال بعضهم: الذي يحرم هو الذي يموت في الماء بسببٍ حادث ويعلو على وجه الماء، فإذا لم يعلُ حلَّ. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني (5/ 36، ط. دار الكتب العلمية)، و"البناية شرح الهداية" للإمام بدر الدين العيني (11/ 615، ط. دار الكتب العلمية).

قال العلامة السمرقندي في "تحفة الفقهاء" (3/ 63، ط. دار الكتب العلمية): [وعندنا الطافي على وجهين: إن مات بسبب حادث يؤكل، وإن مات حتف أنفه لا يؤكل] اهـ.

واستدلُّوا على ما ذهبوا إليه بما أخرجه الإمامان أبو داود وابن ماجه في "السنن" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ».

ففيه دليلٌ على إباحة ما مات بسبب معلوم، كإلقاء البحر له، أو نضوب الماء عنه؛ لأنَّ سبب موته معلوم، بخلاف ما مات فيه بغير سببٍ معلوم. ينظر: "البحر الرائق" للعلامة ابن نجيم (8/ 196، ط. دار الكتاب الإسلامي).

المختار للفتوى في هذه المسألة

المختار للفتوى: هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من إباحة أكل السمك الطافي؛ وذلك لعموم الأدلة الواردة في حِلِّ أكل السمك دون استثناء الطافي منه؛ قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 44، ط. المطبعة العلمية) في شرح حديث «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»: [وفيه مستدل لمَن ذهب إلى أنَّ حكم جميع أنواع الحيوان التي تسكن البحر إذا ماتت فيه: الطهارة، وذلك بقضية العموم؛ إذ لم يستثن نوعًا منها دون نوع] اهـ. ولكن هذه الإباحة مقيَّدة بشرط أمن الضَّرر الذي يقرره المتخصصون؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الإمام ابن ماجه والدارقطني في "السنن".

وهذا ما قرَّره فقهاء الشافعية، حيث منعوا من أكل السمك الطافي المنتفخ. ينظر: "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (6/ 145، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فإنَّ أكل السمك الطافي على وجه الماء جائزٌ شرعًا، سواء مات بسببٍ؛ كأن ضربه إنسان، أو انحسر عنه الماء حتى مات، أو مات بغير سببٍ حتف أنفه، شريطة أن يُؤمَن سلامته من الضرر وذلك على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا