الرد على الزعم بأن إثبات النسب الشريف لا يكون إلا من جهة الذكور

الرد على الزعم بأن إثبات النسب الشريف لا يكون إلا من جهة الذكور

سائل يقول: كثيرًا ما يتساءل الناس عن صحة إطلاق لفظ الشريف على من ينتسب إلى السادة آل البيت من جهة أمه؛ فما القول الصحيح في هذا الأمر؟

الثابت بالكتاب والسنة والإجماع أن أولاد السيدة زينب بنت فاطمة عليهما السلام مِن آل بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّهم من ذريته وأولاده؛ ومن هنا فالنسبة الشريفة لآل البيت تكون من جهة الأم كما تكون من جهة الأب؛ فمَن كانت أمه من أهل البيت؛ أي: من السادة الأشراف فقد ثبت له شرف النسبة الطاهرة المباركة.

التفاصيل ....

مِن المعلوم تاريخيًّا أنَّ أولاد السيدة فاطمة الزهراء من سيدنا عليّ عليهما السلام ستة: الحسن، والحسين، ومُحَسِّن، وأم كلثوم، وزينب، ورُقَيَّة، على جدهم المصطفى وعليهم الصلاة والسلام، فمات مُحَسِّنٌ صغيرًا، وماتت رُقَيَّة قبل البلوغ؛ قاله الليث بن سعد فيما رواه عنه الدولابي في "الذرية الطاهرة" (1/ 62، ط. الدار السلفية)، وأمَّا الحسن والحسين فأكثر النسل النبوي الشريف عن طريقهما، وأمَّا أم كلثوم فتزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولدت له زيدًا ورقية، وتزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب، فلما مات تزوجها بعده أخوه محمد، فلما مات تزوجها بعده أخوه عبد الله فماتت عنده، ولم تلد لأحد من الثلاثة نسلًا، وأما زينب فتزوجها ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له: عليًّا، وعونًا الأكبر، وعباسًا، ومحمدًا، وأم كلثوم.

فأمَّا أولاد الحسن والحسين عليهما السلام الذين يتصلون بهما بمحض الذكور من غير أنثى فالنسب النبوي الشريف ثابتٌ لهم بالإجماع، مع أنَّ الحسن والحسين عليهما السلام إنَّما يتصلان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن جهة أمهما السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

وأمَّا أولاد السيدة زينب بنت فاطمة عليهما السلام -ويُسَمَّوْن أيضًا بـ"الجعفريين" نسبةً إلى أبيهم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب- فلا شك أنَّهم مِن آل بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّهم من ذريته وأولاده؛ ومن هنا فمَن كانت أمه من أهل البيت؛ أي: من السادة الأشراف فقد ثبت له شرف النسبة الطاهرة المباركة، وذلك ثابتٌ بالكتاب، والسُّنة، والإجماع:

فدليل الكتاب قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 84-86].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 31-32، ط. دار عالم الكتب): [وعدَّ عيسى من ذرية إبراهيم وإنَّما هو ابن البنت، فأولاد فاطمة رضي الله عنها ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا تمسك مَن رأى أنَّ ولد البنات يدخلون في اسم الولد، قال ابن القصار: وحجة مَن أدخل البنات في الأقارب قوله عليه الصلاة والسلام للحسن بن علي رضي الله عنه: «إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ»، ولا نعلم أحدًا يمتنع أن يقول في ولد البنات: إنَّهم ولد لأبي أمهم، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنَّ الولد مشتقٌّ من التَّولَّد وهم متولَّدون عن أبي أمهم لا محالة؛ والتولَّد من جهة الأم كالتولَّد من جهة الأب، وقد دلَّ القرآن على ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنعام: 84-85] فجعل عيسى من ذريته وهو ابن ابنته] اهـ.

وقال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (2/ 171، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي ذِكْرِه -يعني سيدنا عيسى عليه السلام- دليلٌ على أن الذُرَّية تتناول أولاد البنتِ] اهـ.

وقال الإمام أبو السعود في "تفسيره" (3/ 158، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيه دليل بَيِّنٌ على أنَّ الذرية تتناول أولاد البنات] اهـ.

وقال العلامة الألوسي في "روح المعاني" (7/ 213-214، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي ذكره -يعني سيدنا عيسى- عليه السلام دليلٌ على أنَّ الذرية يتناول أولاد البنات؛ لأنَّ انتسابه ليس إلا من جهة أمه، والمسألة خلافية، والذاهبون إلى دخول ابن البنت في الذرية يستدلون بهذه الآية، وبها احتج موسى الكاظم رضي الله تعالى عنه على ما رواه البعض عن الرشيد، وفي "التفسير الكبير" أنَّ أبا جعفر رضي الله تعالى عنه استدلَّ بها عند الحجاج بن يوسف، وبآية المباهلة؛ حيث دعا صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما بعد ما نزل: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: 61]، وادعى بعضهم أنَّ هذا من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اختلف إفتاء أصحابنا في هذه المسألة، والذي أميل إليه القول بالدخول] اهـ.

فإن قيل: فقد قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا         بنوهن أبناء الرجال الأباعد

قيل لهم: هذا لا دليلَ فيه؛ لأنَّ معنى قوله: إنَّما هو ولد بنيه الذكران هم الذين لهم حكم بنيه في الموارثة والنسب، وأنَّ ولد بناته ليس لهم حكم بناته في ذلك؛ إذ ينتسبون إلى غيره، فأخبر بافتراقهم بالحكم مع اجتماعهم في التسمية، ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد لأنَّه ابن، وقد يقول الرجل في ولده: ليس هو بابني؛ إذ لا يطيعني ولا يرى لي حقًّا، ولا يريد بذلك نفي اسم الولد عنه، وإنَّما يريد أنْ ينفي عنه حكمه.

ومَن استدلَّ بهذا البيت على أنَّ ولد البنت لا يسمَّى ولدًا فقد أفسد معناه وأبطل فائدته، وتأوَّل على قائله ما لا يصحُّ؛ إذ لا يمكن أنْ يُسَمَّى ولد الابن في اللسان العربي ابنًا، ولا يُسَمَّى ولد الابنة ابنًا من أجل أنَّ معنى الولادة التي اشتق منها اسم الولد فيه أبين وأقوى؛ لأنَّ ولد الابنة هو ولدها بحقيقة الولادة، وولد الابن إنَّما هو ولده بماله مما كان سببًا للولادة، ولم يُخرِج مالك رحمه الله أولاد البنات مِن حبس على ولده مِن أجل أنَّ اسم الولد غير واقعٍ عليه عنده في اللسان، وإنَّما أخرجهم منه قياسًا على الموارثة] اهـ.

ودليل السنة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر في الحسن بن علي عليهما السلام: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» رواه البخاري.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن أو الحسين بن علي عليهما السلام: «دَعُوا ابْنِي لا تُفْزِعُوهُ حَتَّى يَقْضِيَ بَوْلَهُ» رواه الإمام أحمد في "مسنده" والدارمي في "سننه".

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ بَنِي أُنْثَى وَلَد آدَمَ فَإِنَّ عَصَبَتَهُمْ لِأَبِيهِمْ مَا خَلَا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا عَصَبَتُهُمْ وَأَنَا أَبُوهُمْ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" وأبو نعيم في "معرفة الصحابة".

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

وأما الإجماع: فالعلماء مُجْمِعُون على أنَّ أولاد السيدة زينب بنت السيدة فاطمة عليها السلام هم من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، ومن ذريته وأولاده، وأنَّهم تحرم عليهم الصدقة بالإجماع، ويستحقون سهم ذوي القربى بالإجماع، كما نقله الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في "العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية" المطبوعة ضمن "الحاوي للفتاوي" (2/ 30-32، ط. دار الكتب العلمية).

وهذا هو الذي جرى عليه العمل والفتوى في هذه العصور، وبذلك أجاب العلامة شيخ الأزهر وشيخ المالكية في زمانه الشيخ محمد الخرشي رحمه الله [ت: 1101هـ]، ونصُّ جوابه كما نقله العلامة ابن سودة المالكي في كتابه "رفع اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قِبَل الأمهات" (ص: 59): [ما عليه المحققون من علماء المسلمين هو أنَّ الشرف الملتقي من قبل الأنثى كالشرف الملتقي من قبل الذكر سواءً في الحرمة وتعليق العلامة من غير نقص، واستدلوا على ذلك بما يطول ذكره كما هو مبسوطٌ في الكتب المطولة، وخالف في ذلك ابن عرفة، وقال: إن الشريف من جهة الأم له شرفٌ ما، وردُّوه بما يُعلَم بالوقوف على الأصول المعتمدة، والله الهادي إلى الصواب] اهـ.

وهذا كله يقتضي ثبوت الشرف لهم بلا خلاف، وأنه لا نزاعَ في صحَّة تلقيبهم بالأشراف.

وقد أفرد كثيرٌ من العلماء هذه المسألة بالتصنيف في إثبات صحة الشرف من قِبَل الأم وفي صحة ثبوت شرف النسبة النبوية لأولاد السيدة زينب رضي الله عنها، ومنها:

1- "إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم" لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن القسنطيني المغربي المالكي المعروف بابن أبي زيد المراكشي [ت: 807هـ].

2- "جزء في إثبات الشرف من قبل الأم" لحفيد ابن مرزوق [ت: 842هـ].

3- "تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم" للشيخ عبد القادر بن أبي بكر الصديقي الهندي المفتي بمكة المعظمة [ت: 1138هـ].

4- "الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم" لخير الدين الرملي الحنفي [ت: 1081هـ].

5- "شرف الأسباط" للعلامة جمال الدين القاسمي [ت: 1332هـ].

6- "إزالة اللبس والشبهات عن ثبوت النسب من قبل الأمهات" لمحمد بن أحمد بن الطالب ابن سَوْدَة المُرِّي [ت: 1359هـ]. ومما ذُكر يُعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا