مدى وجوب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصاحف

مدى وجوب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصاحف

نرجومنكم بيان حكم الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف الشريف.

الأصل أنَّ القرآن الكريم يكتب بالحروف العربية برسمها العثماني -من حيث كونه مصحفًا- وهو خط مخصوص بالقرآن الكريم موافق للرسم الإملائي في معظمه، وقد خالفه في أشياء معروفة في علم رسم القرآن؛ ككتابة الصلاة "الصلوة"، والسماوات "السموت"، وغير ذلك؛ قال الإمام الزركشي في "البرهان" (1/ 376، ط. عيسى الحلبي): [ولما كان خط المصحف هو الإمام الذي يعتمده القارئ في الوقف، والتمام، ولا يعدو رسومه، ولا يتجاوز مرسومه، قد خالف خط الإمام في كثير من الحروف، والأعلام، ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق، وجب الاعتناء به، والوقوف على سببه] اهـ.

وخط المصحف لم يُبتَكر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل كتب به في حياته الشريفة، لكن المكتوب لم يكن مجموعًا في مصحف، وكان يكتب على الجلود والأكتاف -التي هي العظام المنبسطة كاللوح- وسعف النخل، ونحوها؛ لأن الورق لم يكن حينئذٍ، فالشأن فيه انبناؤه على التوقيف.

وقد روى البخاري في "صحيحه" عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما نزلت: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: 95] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ادْعُوا فُلاَنًا»، فجاءه ومعه الدواة واللوح، أو الكتف.. الحديث.

أما عن بيان حكم الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف:

فقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف.

فسُئِل الإمام مالك رحمه الله هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: "لا، إلا على الكتبة الأولى". انظر: "البيان والتحصيل" للإمام ابن رشد (18/ 354، ط. دار الغرب الإسلامي).

قال الإمام أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع في رسم مصاحف الأمصار" (ص: 19، ط. مكتبة الكليات الأزهرية): [ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة، وبالله التوفيق] اهـ.

ونص الإمام أحمد على حرمة مخالفة خط عثمان في واو وياء وألف وغيرها. انظر: "شرح منتهى الإرادات" للعلامة البهوتي (1/ 78، ط. عالم الكتب).

قال الإمام برهان الدين الجعبري في "جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب القصائد" (1/ 380، ط. برنامج الكراسي البحثية بجامعة طيبة بالمدينة المنورة) -عند قول الإمام الشاطبي:

وقال مالك القرآنُ يكتَب بالــ ...كتابِ الأَوَّلِ لا مُسْتَحْدِثًا سُطِرا-:

[وهذا مذهب الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم، وخَصَّ مالكًا لأنه حُكي فتياه، ومستندهم مستند الخلفاء الأربع رضوان الله عليهم] اهـ.

وقال الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 219، ط. مكتبة الرشد): [مَن كتب مصحفًا فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير ممَّا كتبوه شيئًا؛ فإنهم كانوا أكثر علمًا، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي لنا أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم ولا تَسَقُّطًا لهم] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا