حكم العقيقة عن السقط

حكم العقيقة عن السقط

يقول السائل: امرأة أسقطت الحمل في (130) يومًا؛ أي: بعد نفخ الروح في الجنين؛ فهل على الأب أن يعُق عن هذا السقط؟

ليس هناك عقيقة عن هذا السقط ولو كان قد أتمَّ (130) يومًا ونُفِخَت فيه الروح، لكن إذا عُقَّ عنه فإنه يحصُل بذلك ثواب العقيقة.

التفاصيل ....

المحتويات

 

مفهوم السقط

السِّقْطُ: هو الْوَلَدُ -ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، يُقَالَ: سَقَطَ الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سُقُوطًا فَهُوَ سِقْطٌ بِالْكَسْرِ، وَالتَّثْلِيثُ لُغَةٌ، وَلَا يُقَالُ: وَقَعَ، وَأَسْقَطَتِ الْحَامِلُ بِالْأَلِفِ: أَلْقَتْ سِقْطًا؛ كما في "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (1/ 280، ط. المكتبة العلمية).

وعرفه الفقهاء بأنه: الولد الخارج من بطن أمه ميتًا، أو لغير تمام خلقه؛ كما في "البحر الرائق" لزين الدين ابن نجيم الحنفي (1/ 229، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"شرح الشيخ زروق المالكي على متن الرسالة" (1/ 432، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإقناع" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 203، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (2/ 389، ط. مكتبة القاهرة).

حكم عمل العقيقة

أما العقيقة: فهي سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فَعَلها وأَمَر بها ورَغَّب فيها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» أخرجه البخاري في "الصحيح" عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ" أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

وقد نص جماهير الفقهاء على سنيتها، وممَّن كان يرى ذلك عن الذكر والأنثى: السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأم المؤمنين عائشة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وبريدة الأسلمي رضي الله عنهم أجمعين، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعطاء، والزهري، وأبو الزناد. وبه قال الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجماعةٌ من أهل العلم يَكثُر عددهم، وعلى ذلك جرى العمل في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سَنَّهُ لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 417-418، ط. مكتبة مكة الثقافية)، وينظر: "الكافي" للإمام ابن عبد البر المالكي (1/ 425، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (8/ 426، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (9/ 459).

وذهب الحنفية إلى أنها مستحبة؛ قال الإمام القدوري في "التجريد" (12/ 6356، ط. دار السلام): [قال أصحابنا: العقيقة مُسْتَحَبَّةٌ وليست بِسُنَّةٍ] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (6/ 326، ط. دار الفكر): [في "غرر الأفكار": أن العقيقة مباحةٌ؛ على ما في "جامع المحبوبي"، أو تطوعٌ؛ على ما في "شرح الطحاوي" اهـ. وما مَرَّ يؤيِّد أنها تطوع، على أنه وإنْ قُلنا: إنها مباحةٌ؛ لكن بقصد الشكر: تَصِيرُ قُرْبَةً؛ فإنَّ النيةَ تُصَيِّرُ العاداتِ عباداتٍ، والمباحاتِ طاعاتٍ] اهـ.

قال العلامة الشاه أحمد رضا خان [ت: 1340هـ] في "جد الممتار على رد المحتار" (6/ 468، ط. مكتبة المدينة بكراتشي) معلقًا على هذه المسألة: [قوله: "الطحاوي"؛ وهو الصحيح] اهـ.

والأصل فيها أن تُعمل يوم السابع من ولادة المولود؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ سَابِعِهِ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وَسَمُّوهُ» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط".

آراء المذاهب الفقهية في حكم عمل العقيقة عن السقط بعد نفخ الروح فيه

قد اختلف الفقهاء في حكم عمل العقيقة عن السقط بعد نفخ الروح فيه (بتمام 120 يومًا):
فذهب المالكية والحنابلة: إلى أنه لا يُعَقُّ عنه؛ لعدم تحقق سبب العقيقة وهو الولادة وحياة المولود، فلما انتفت الحياة مع السقط انتفت العقيقة، وهو أيضًا مقتضى مذهب الحنفية؛ إذ قرنوا العقيقة عن المولود بمناسبة الحلق له يوم أسبوعه، ووجه ذلك: أن العقيقة في أصلها هي الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقةً؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح؛ فإن العرب ربما سَمَّوُا الشيءَ بِاسمِ غيره إذا كان معه أو مِن سببه، فسُمِّيَت الشاةُ عقيقةً لعقيقة الشعر. ينظر: "تهذيب اللغة" للعلامة أبي منصور الأزهري [ت: 370هـ] (1/ 47، ط. دار إحياء التراث).

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (6/ 336): [يُستحب لمن وُلد له وَلدٌ أن يسميه يوم أسبوعه، ويحلق رأسه، ويتصدق عند الأئمة الثلاثة بِزِنَةِ شعره فضةً أو ذهبًا، ثم يعق عند الحلق عقيقة] اهـ.

وقال العلامة أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (3/ 102، ط. مطبعة السعادة): [قال مالك في "المبسوط": إن مات الصبي قبل السابع؛ فليس عليهم أن يذبحوا عنه، فاقتضى ذلك أن وقت ثبوت حكمها هو الوقت المذكور من اليوم السابع، فإن أدرك الصبي ذلك الوقت: ثبت حكمها، وإن مات قبل ذلك: بطل حكمه] اهـ.

وقال العلامة ابن جزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 330، ط. دار ابن حزم): [مَن مَاتَ قبل السَّابِع: لَا يُعق لَهُ، وَكَذَلِكَ السقط] اهـ.

وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 111، ط. دار إحياء التراث): [ذبحها يوم السابع أفضل، ويجوز ذبحها قبل ذلك، ولا يجوز قبل الولادة] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 25، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا تجزئ قبل الولادة) كالكفارة قبل اليمين؛ لتقدمها على سببها] اهـ. فأفاد ذلك أنها لا تجزئ عن السقط؛ لعدم الولادة.

بينما ذهب الشافعية إلى جواز العقيقة عن السقط إذا نفخت فيه الروح، فإن كان قبل نفخ الروح؛ فلا يُعقّ عنه، لأنه لا يُبعَث يوم القيامة إلا إذا نُفخت فيه الروح، فلا يأخذ قبل نفخ الروح حكمَ الإنسان؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 257، ط. المكتبة الإسلامية): [العقيقة إنما تسن عن سِقط نُفخت فيه الروح؛ كما جريت عليه في شرحي "الإرشاد" و"العباب" تبعًا للزركشي، وأما ما لم تنفخ فيه الروح؛ فهو جماد لا يبعث، ولا ينتفع به في الآخرة؛ فلا تسن له عقيقة، بخلاف ما نفخت فيه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فالعقيقة عن الولد إنما تُشرع يوم السابع مِن ولادته، أما السقط فلا يُعَقُّ عنه ولو نُفِخَت فيه الروح بتمام الحمل (120) يومًا؛ كما هو مذهب المالكية والحنابلة ومقتضى مذهب الحنفية، ومع ذلك: إذا عُقَّ عنه؛ فإنه يحصل بذلك ثواب العقيقة؛ كما هو مذهب الشافعية.
وفي واقعة السؤال: فليس على الأب المذكور عقيقة عن هذا السقط ولو كان قد أتم (130) يومًا ونُفِخَت فيه الروح، لكن إذا عق عنه فله ثواب العقيقة؛ كما سبق بيانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا