رؤية الله تعالى في الدنيا عند أهل السنة والجماعة - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

رؤية الله تعالى في الدنيا عند أهل السنة والجماعة

رؤية الله تعالى في الدنيا عند أهل السنة والجماعة

سائل يسأل عن معتقد أهل السنة والجماعة في إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا.

 الرؤية لغة: النظر بالعين أو بالقلب.

والذي عليه أهل السنة والجماعة في تحديد معنى الرؤية أنها: قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، لا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك، فإنَّ الرؤية نوع من الإدراك يخلقه الله تعالى متى شاء ولأي شيء شاء. راجع: "إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد" للإمام عبد السلام اللقاني (ص: 202، ط. دار الكتب العلمية).

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه يجوز عقلًا رؤية الله في الدنيا، وسؤال سيدنا موسى عليه السلام إياها دليل على جوازها؛ قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 143]. والاستدلال من هذه الآية من وجهين:

الأول: أنَّ موسى عليه السلام سأل ربه الرؤية، فلو استحالت الرؤية لكان سؤال موسى عليه السلام جهلًا أو عبثًا؛ لأنه نبي يعلم ما يجب في حق الله وما يستحيل وما يجوز، إذ لا يجوز على أحد من الأنبياء الجهل بشيء من أحكام الألوهية، ولكن لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام دلَّ على أنها جائزة.

والثاني: أن رؤية الله تعالى معلقة على أمر ممكن، فإنه سبحانه وتعالى علق الرؤية باستقرار الجبل حال تجليه تعالى له، وهو أمر ممكن في نفسه ضرورة؛ لأن استقرار الجبل من حيث هو ممكن، وكل ما علق على الممكن لا يكون إلا ممكنًا، فيكون المعلق باستقراره أيضًا ممكنًا، فالرؤية ممكنة.

أما من حيث ورود السمع بذلك في الدنيا: فقد اختلف أهل السنة والجماعة في وقوع الرؤية لأحد من الناس في الدنيا:

فمنهم مَن قال: لم يرد السمع إلا بما يدل على امتناع رؤية أحد من الناس ربه قبل الموت؛ وذلك لما ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ» رواه مسلم.

وذهب الأكثرون إلى أنه قد دل السمع على جواز رؤية الله تعالى في دار الدنيا، ولم تثبت في الدنيا لغير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، والراجح عند أكثر العلماء أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه سبحانه وتعالى بعيني رأسه لا بقلبه. راجع: "شرح مسلم" للنووي (3/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي).

ومن أهم أدلتهم على ذلك حديث الإسراء والمعراج، وقول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 60].

وأما حديث: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ»، فإنه وإن أفاد أن الرؤية في الدنيا وإن جازت عقلًا فقد امتنعت سمعًا، ولكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم له أن يقول: إن المتكلم -أي: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- لا يدخل في عموم كلامه.

ومن القائلين بوقوع رؤية الله تعالى من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومعه جمهور الصحابة، ومما روي عنه في ذلك: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!".

وقد نفت السيدة عائشة رضي الله عنها وقوع الرؤية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه في الدنيا، وجاء مثله عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما.

والسيدة عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات.

وما دامت هذه المسألة -رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لربه في الدنيا- مختلفًا فيها بين الصحابة أنفسهم فليس ثمة ما يدعو في باب العقيدة إلى الجزم بقول من القولين، وإن كنا نرجح في ذلك مذهب الجمهور من الصحابة ثم من بعدهم من الأئمة والعلماء، وهو إمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا، بل دلّ على وقوعها أيضًا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وممَّا سبق يُعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا