الالتجاء إلى الله عند حصول الزلازل بالصلاة والدعاء

الالتجاء إلى الله عند حصول الزلازل بالصلاة والدعاء

ما الذي يُستحب من الأقوال والأفعال عند حدوث الزلزال؟ حيث إنه قد وقع زلزالٌ؛ ولم أعرف ما الدعاء الذي يستحب أن أقوله، وهل يجوز أن أُصلِّي ركعتين كما يُصلَّى لصلاة الكسوف والخسوف؟

يُستحبُّ عند حدوث زلزالٍ أو شعور الإنسان به أن يَتَضَرَّع إلى الله بالدعاء الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خصوص الريح: "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" أو نحو ذلك من الأدعية، وأن يَفْزَعَ لصلاة ركعتين عند ذلك؛ لئلَّا يكون غافلًا عن الله الذي يُفرّج الكروب، وبفضله ورحمته تهون الخطوب.

التفاصيل ....

المحتويات

بيان مفهوم الزلزال

عرف الفقهاءُ الزلزال بأنه: اهتزاز الأرض واضطرابها اضطرابًا شديدًا؛ يُشْعِرُ ساكنيها بالخوف والفزع والرعب أحيانًا على حسب قوته أو ضعفه؛ يُنظر: "الروض المربع" للبهوتي (ص: 166، ط. دار المؤيد)، و"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (5/ 345، ط. دار الكتب العلمية)، و"التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (18/ 21، ط. دار النوادر).

وعرفه العلماء المختصون بأنه: عبارة عن هزات أرضية تصيب قشرة الأرض، وتنتشر في شكل موجات خلال مساحات شاسعة منها؛ وقد تكون هذه الهَزَّات الأرضية ضعيفة لا يشعر بها ساكنوا الأرض، وقد تكون قوية تصل إلى حد التدمير؛ ينظر: "قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية" لجودة حسنين جودة، وفتحي محمد أبي عيانة (ص: 103، ط. دار المعرفة الجامعية).

استحباب الدعاء عند حدوث الزلازل

لا شك في أن الإنسان إذا تَعَرَّضَ إلى ما يُفْزِعُهُ أو يسبب له قلقًا؛ فإن الملاذ والملجأ هو الله سبحانه وتعالى؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 63-64].

ولذا فقد جاء في السنة النبوية المطهرة بعضُ الأدعية والأذكار التي يلتجأ بها العبد إلى الله تعالى عند وقوع ما يُفْزِعُه أو يقلقه متضرعًا راجيًا السلامة والنجاة؛ فمنها: ما جاء عن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» رواه الترمذي في "سننه"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك".

ومنها: ما ورد في السُّنَّة المطهَّرة أن الإنسان إذا حصل له ما يُرَوّعُهُ أن يقول: "هو الله، الله ربي لا شريك له"؛ لما جاء عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا راعَه شيء قال: «هُوَ اللهُ، اللهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ» رواه النسائي في "السنن الكبرى"، وأخرجه أبو داود وابن ماجه في "سننهما" والطبراني في "المعجم الكبير" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها.

ومنها: ما جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا عَصَفَتِ الرِّيحُ قال: «اللَّهُمَّ إني أَسأَلُكَ خَيرَها، وَخَيرَ مَا فيها، وَخَيْرَ مَا أُرسِلَتْ بِهِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ ما فيها، وشَرِّ ما أُرسِلتْ بِه، وَإذا تَخَيَّلتِ السماءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ ودَخَلَ، وَأقْبَلَ وَأدبَرَ، فَإِذَا مَطَرَت سُرِّي عنه، فَعَرَفَتْ ذلك عائشةُ، فَسألَتْهُ؟ فقال: لَعَلَّهُ يا عَائِشَةُ كما قال قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُستَقْبِلَ أوديَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرنَا﴾ [الأحقاف: 24]» متفق عليه.

فهذه الأحاديث وما شابهها تدلُّ على استحباب الدعاء عند الزلزال أو غيره ممَّا يُرَوّع الإنسان أو يُفْزِّعه من الكوارث والأهوال؛ وقد استدل العلماء بهذا الحديث -حديث السيدة عائشة رضي الله عنها- على استحباب التضرّع واللجوء إلى الله تعالى عند وقوع الزلازل وما شابهها؛ وأن يدعو بدعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ».

قال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 602، ط. دار الكتب العلمية): [يُسنُّ لكلِّ أحد أن يتضرَّع بالدعاء ونحوه عند الزلازل ونحوها؛ كالصَّواعق، والرِّيح الشديدة، والخسف، وأن يُصلِّي في بيته منفردًا؛ كما قاله ابن المقري؛ لئلَّا يكون غافلًا، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عصفت الريح قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "الغرر البهية في شرح البهجة الوردية" (2/ 66، ط. المطبعة الميمنية): [(وَسُنَّتِ الصلاة للعباد في نحو زلزال) كخسفٍ، أو صاعقة، أو ريح عَاصِفَةٍ؛ لئلا يكونوا غافلين، ولأن عمر رضي الله عنه حثَّ على الصلاة في زَلْزَلَةٍ. رواه الشافعي. (بِالِانْفِرَادِ).. وَيُسَنُّ الدعاء والتضرع؛ ففي "صحيح مسلم": كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا عصفت الريح قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»] اهـ.

آراء الفقهاء في حكم الالتجاء إلى الله بالصلاة عند وقوع الزلازل

قد اتفق فقهاء المذاهب على استحباب الالتجاء إلى الله تعالى عند وقوع الزلزال بالصلاة؛ فقد نصُّوا على أن الفزع إلى الصلاة من وسائل التضرع لله رب العالمين عند حدوث مثل هذه الظاهرة، ومنهم من يرى أنها صلاةٌ مطلقة؛ أي: أن يصلي الإنسان ركعتين أو أكثر كصلاة الحاجة، ومنهم من يرى أنها مثل صلاة الكسوف والخسوف.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 282، ط. دار الكتب العلمية): [تُستحبُّ الصَّلاة في كلِّ فزعٍ؛ كالرِّيح الشَّديدة، والزلزلة، والظلمة، والمطر الدائم؛ لكونها من الأفزاع والأهوال، وقد رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنَّه صلَّى لزلزلة بالبصرة"] اهـ.

وقال الإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (2/ 183، ط. دار الفكر) في سياق بيان الصلوات المستحبة: [(كالخسوف) للقمر (وَالرِّيحِ) الشديدة (وَالظُّلْمَةِ) القوية نهارًا والضوء الْقَوِيِّ ليلًا (وَالْفَزَعِ) الغالب ونحو ذلك من الآيات الْمَخُوفَةِ؛ كالزلازل والصواعق] اهـ.

وقال العلامة الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 480، ط. دار الكتب العلمية): [وأمَّا الصَّلاة للزلزلة ونحوها فلا تُكرَه، بل تطلب؛ لقول "المدونة": أرى أن يفزع الناس للصلاة عند الأمر يحدث ممَّا يخاف أن يكره عقوبة من الله تعالى؛ كالزلزلة، والظلمة، والريح الشديد، وهو قول أشهب في الظلمة والريح الشديد، وقال: يصلون أفذاذًا أو جماعة إذا لم يجمعهم الإمام أو يحملهم على ذلك] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 288، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وَيُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ) وفي نسخة لكل أحد (أن يَتَضَرَّعَ) بالدعاء ونحوه (عند الزَّلَازِلِ ونحوها من الصواعق والريح الشديدة) وَالْخَسْفِ كان الأولى أن يقتصر على: ونحوها، أو يقول: كالصواعق (وأن يُصَلِّيَ في بيته منفردًا؛ لئلا يكون غافلًا)؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عَصَفَتْ الريح؛ قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» رواه مسلم] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 318، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: قال أصحابنا: يُصَلِّي للزلزلة كصلاة الكسوف. نَصَّ عليه. وهو مذهب إسحاق وأبي ثَوْرٍ] اهـ.

الرد على من قال بعدم مشروعية الصلاة عند حدوث الزلازل

أما ما يقال من أنَّ المالكية لا يرون جواز الصلاة لهذا الأمر فهو محمولٌ على السجود عند وقوعه؛ قال الإمام النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 279، ط. دار الفكر): [قد رُوِيَ عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أيضًا: "ولكن أرى أن يَفْزَعَ للصلاة عند الأمر يَحْدُثُ ممَّا يَخَافُ أن يكون عقوبة كالزلازل والظلمات والريح الشديدة" وهو قول أشهب، فَتَخَلَّصَ أن المكروه عند تلك الْمَذْكُورَاتِ خصوص السجود، وأمَّا الصلاة فَتُطْلَبُ عند ذلك، ويدل لذلك ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من قوله لبلال عند حصول الأمر الْمُهِمِّ: «أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»] اهـ.

التوبة والإنابة إلى الله عند حدوث الزلازل

ممَّا تجدر الإشارة إليه أنَّ الإنسان إذا شعر بالزلزال أو غيره من الظواهر الكونية عليه أن ينيب إلى الله تعالى، وأن يخشع قلبه إليه جلّ وعلا؛ فتلك فرصة عظيمة للإقبال على الله تعالى.

قال الشيخ ابن القيم في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (ص: 630، ط. دار عالم الفوائد): [ولما كانت الرياح تَجُولُ فيها، وتدخلُ في تجاويفها، وتُحْدِثُ فيها الأبخِرَة، فتختنقُ الرياح، ويتعذَّرُ عليها المنفَذ أَذِنَ الله سبحانه لها في الأحيان بالتنفُّس، فتُحْدِثُ فيها الزَّلازلَ العِظام، فيحدثُ من ذلك لعباده الخوفُ والخشيةُ والإنابةُ والإقلاعُ عن معاصيه والتضرُّعُ إليه والنَّدمُ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فإنَّه يُستحبُّ عند حدوث زلزالٍ أو شعور الإنسان به أن يَتَضَرَّع إلى الله بالدعاء الوارد كما ذكرنا أو نحوه من الأدعية، وأن يَفْزَعَ لصلاة ركعتين عند ذلك؛ لئلَّا يكون غافلًا عن الله الذي يُفرّج الكروب، وبفضله ورحمته تهون الخطوب.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا