حكم الدعاء بعبارة "يا غارة الله" وبيان معناها

حكم الدعاء بعبارة "يا غارة الله" وبيان معناها

ما حكم قول الداعي: يا غارة الله؟ حيث ورد في بعض كتب الأدعية والأوراد المتداولة عبارة: "يا غارة الله"، فهل هناك أي محظور شرعي في قولها؟

يجوز للداعي أن يقول في دعائه "يا غارة الله" ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، وأمر الدعاء مبناه على السَّعة وَتَخَيُّر الداعي ما شاء من الأدعية، دون ما اشتمل على الإثم والسوء، ويجب أن يُحَسِّن المسلم ظنه فيما يسمعه من المسلمين، وأن يحمل كلامهم على أفضل وأصح ما يحتمله من المعاني.

والدعاء بهذه الصيغة فيه إظهار لليقين بنصر الله وتحقيق وعده لعباده بالنصر والتأييد؛ إذ إن الداعي يخاطب جند الله الذين قيضهم الله لنصرة عباده بأمره جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

التفاصيل ....

المحتويات

 

مفهوم الدعاء وبيان أنه من أفضل الطاعات

الدعاء والتضرع من أَجَلِّ وأشرف القرب والطاعات التي يتقرب بها المكلفون إلى الله جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

وروى الإمام الترمذي في "سننه" عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ».

وحقيقة الدعاء في اللغة: الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير والابتهال إليه بالسؤال ينظر: "تاج العروس" للعلامة الزبيدي (38/ 46، ط. دار الهداية).

ولا يبعد معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي؛ قال الإمام الخطابي في كتابه "شأن الدعاء" (1/ 4، ط. دار الثقافة العربية): [ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربَّه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذِّلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه] اهـ.

وجاء في "التحرير والتنوير" للإمام الطاهر بن عاشور (24/ 182، ط. الدار التونسية): [الدعاء يطلق على سؤال العبد من الله حاجته، وهو ظاهر معناه في اللغة، ويطلق على عبادة الله على طريق الكناية؛ لأن العبادة لا تخلو من دعاء المعبود بنداء تعظيمه والتضرع إليه] اهـ.

وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 395، ط. دار الفكر): [اعلم أنَّ المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف أنَّ الدعاء مستحب] اهـ.

أمَّا صيغة الدعاء فالأصل أن مبناها على السعة؛ للإطلاق في قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، والقاعدة: أن المطلق يظل على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده؛ قال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (5/ 8، ط. دار الكتبي): [الخطاب إذا ورد مطلقًا لا مُقَيِّد له حُمِل على إطلاقه] اهـ.

معنى الاعتداء في الدعاء وحكم الدعاء به

الدعاء منه ما هو مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والدعاء به مندوب، ومنه غير المأثور، ولا حرج في الدعاء به ما دام لم يشتمل على معنى من المعاني التي يصير بها الداعي معتديًا في دعائه؛ من نحو: الدعاء بالمستحيل، أو الدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم، أو التكلف في التفاصيل، أو رفع صوته بالدعاء بشكل منكر، وقد قال الله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].

قال الإمام البيضاوي في الكلام على هذه الآية في تفسيره "أنوار التنزيل" (3/ 16، ط. دار إحياء التراث العربي): [المجاوزين ما أمروا به في الدعاء وغيره، نبه به على أن الداعي ينبغي أن لا يطلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصعود إلى السماء. وقيل: هو الصياح في الدعاء والإسهاب فيه] اهـ.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾: [الأعراف: 55] وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ» رواه الإمام أحمد في "مسنده".

وروى الإمام ابن ماجه في "سننه" عن عبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، انَّه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ، إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَعُذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ».

وروى الإمام أحمد في "مسنده" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا».

الدليل على جواز الدعاء بغير المأثور

ممَّا يدل على جواز الدعاء بغير المأثور: ما ثبت من إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض الصحابة في دعائهم وذكرهم لله بأدعية وأذكار من إنشائهم، ولم يأمرهم بالوقوف عند الوارد فقط؛ ومن ذلك: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: "كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا، قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ».

وممَّا يدلّ على جواز الدعاء بغير المأثور كذلك: ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ».

وما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -حين علَّم أصحابه السلام في ختام الصلاة- قال: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو».

قال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" معلقًا عليه (2/ 321، ط. دار المعرفة): [استدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة] اهـ.

حكم الدعاء بالمأثور وغير المأثور في الصلاة

نص الفقهاء على جواز دعاء العبد بما شاء في الصلاة، ووضع بعضهم شروطًا خاصة بالدعاء داخل الصلاة، فاشترط الحنفية أن يكون دعاؤه ممَّا لا يُشبه كلام الناس، وذهب الحنابلة إلى اشتراط أن يكون دعاء الصلاة متعلقًا بأمور الآخرة، وأجاز المالكية والشافعية أن يتعلق بما شاء من ديني أو دنيوي.

قال الإمام القدوري الحنفي في مختصره الفقهي المسمى بـ"الكتاب" (ص: 28، ط. دار الكتب العلمية): [ودعا بما شاء بما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة ولا يدعو بما يشبه كلام الناس] اهـ.

وقال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 251، ط. دار الفكر): [(و) نُدب (دعاءٌ بتشهدٍ ثانٍ) يعني: تشهد السلام؛ بأيِّ صيغةٍ كانت] اهـ.

وقال الإمام الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/ 511، ط. مصطفى الحلبي): [(وكذا) يُسنُّ الدُّعاء بعده أي: التشهد الآخَرِ بما شاء مِن دينيٍّ أو دنيويٍّ] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 393، ط. مكتبة القاهرة): [ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يقصد به ملَاذَّ الدنيا وشهواتها بما يشبه كلام الآدميين وأمانيِّهم.. وحكى عنه ابن المنذر -أي عن الإمام الخرقي- أنه قال: "لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته"، وهذا هو الصحيح إن شاء الله؛ لظواهر الأحاديث] اهـ.

فإذا كانت هذه مذاهب الأئمة الفقهاء في شأن الدعاء داخل الصلاة، فإن الدعاء خارج الصلاة أكثر اتساعًا وجوازًا، ولا حرج في الدعاء بأيِّ صيغة كانت ما دامت غير مشتملة على إثمٍ أو قطيعة رحم؛ قال الشيخ أحمد زروق المالكي في "قواعده" (ص: 75، ط. دار الكتب العلمية): [بِساط الشريعة قاضٍ بجواز الأخذ بكل ذكر ودعاء صحَّ معناه وسلم مبناه] اهـ.

معنى قول الداعي: "يا غارة الله"، وحكم الدعاء بها

أمَّا خصوص قول الدَّاعي في دعائه "يا غارة الله" كما ورد في حزب النصر للإمام الشاذلي من أبيات تنسب للإمام عبد القادر الجيلاني. ينظر: "أوراد الطريقة الشاذلية" (ص: 87، ط. دار الزاهد) وهي قوله:

إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ *** فـَأقـْرَبُ السَّـــيْرِ مِنـَّا غـَارَةُ الله

يا غـَارَةَ اللهِ جـِـــدِي السـَّيـْرَ مُسْرِعَـــة *** في حَلِّ عُـقـْدَتـِنَا يَا غـَارَةَ اللهِ

فالغارة في اللغة من الغَور، وله أصلان؛ أحدهما: خفوض في الشيء وانحطاط وتطامن؛ مثل قولهم: غار الماء؛ ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ [الملك: 30]، والأصل الآخر: إقدامٌ على أخذ مالٍ قهرًا أو حربًا؛ كقولهم: أغار بنو فلان على بني فلان إغارة وغارة، ويقال كذلك: أغار يغير إذا أسرع في العدو. والغارة كذلك اسم من الإغارة، ثم أطلقت الغارة على الخيل المغيرة المسرعة في العدو؛ ومنه قول الكميت بن معروف:

ونحن صبحنا آل نجران غارة *** تميم بن مر والرماح النوادسا

يقول: سقيناهم خيلا مغيرة.

وشنوا الغارة؛ أي: فرقوا الخيل، وأغار على العدو: هجم عليهم ديارهم وأوقع بهم. ينظر: "مقاييس اللغة" للعلامة ابن فارس (4/ 401، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للعلامة الزبيدي (13/ 281، ط. دار الهداية)، و"النهاية" للإمام ابن الأثير (3/ 394، ط. المكتبة العلمية)، و"مختار الصحاح" للإمام الرازي (ص:231، ط. المكتبة العصرية)، و"المصباح المنير" للعلامة الفيومي (2/ 456، ط. المكتبة العلمية).

ونسبة الغارة إلى الله من باب قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]، والمراد جند الله؛ جاء في "تفسير الإمام الرازي" (12/ 387، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الحسن: جند الله، وقال أبو روق: أولياء الله، وقال أبو العالية: شيعة الله، وقال بعضهم: أنصار الله، وقال الأخفش: حزب الله الذين يدينون بدينه ويطيعونه فينصرهم] اهـ.

وقد ورد في السُّنَّة ما يشبهه في المعنى والمبنى؛ حيث سمَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيل المؤمنين "خيل الله" وكان يبعث مناديًا عند الملمات والغزوات ينادي "يا خيل الله اركبي"، وقد بوب الإمام أبو داود في "سننه" بابًا بعنوان: (باب في النداء عند النفير: "يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبي")، وفيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: "أمَّا بعد فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سمى خيلنا: خيل الله إذا فزعنا".

قال الإمام ابن الأثير في "النهاية" (2/ 94): [في الحديث «يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبي»؛ هذا على حذف المضاف، أراد: يا فرسان خيل الله اركبي. وهذا من أحسن المجازات وألطفها] اهـ.

فيكون استعمال عبارة "يا غارة الله" بهذا التركيب جائزًا لغة، بل واستعملت العرب مثل هذا التركيب وأقر نحوَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قوله: «يَا خَيْلَ اللَّهِ».

والمنادى في كلا التعبيرين -"يا خيل الله" و"يا غارة الله"- ليس الخيل أو الغارة، فالمنادى هو ركاب الخيل والغارة من عباد الله، فحذف المنادى للعلم به، وحذف ما يعلم جائز في لغة العرب؛ قال الإمام الخطابي في "غريب الحديث والأثر" (1/ 105، ط. دار الفكر): [عن ابن الأعرابي في قولهم: لا يفضض الله فاك، قال: أراد لا يكسر الله أسنانك التي في فيك، فحذف؛ لعلم المخاطب؛ كما يقال: يا خيل الله اركبي؛ يراد يا ركاب خيل الله اركبي] اهـ.

قال الإمام ابن مالك في "ألفيته" (ص: 18، ط. دار التعاون):

وحذف ما يعــــلم جـــائزٌ كمـا *** تقول زيدٌ بعـــــد من عنــــدكما

وفي جواب كيف زيدٌ قل دَنِف *** فزيــــد استُغني عنـــه إذ عُرف

وفي اللغة أيضًا ما يعرف باسم "المجاز بالحذف"، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: 82]؛ أي أهل القرية. ينظر: "الورقات بشرح المحلي" (ص: 100-101، ط. جامعة القدس).

وفي ذلك يقول إبراهيم بن المهديّ:

يا غيرةَ الله قد عانيتِ فانتقمي *** هَتَك النّساء وما منهنّ يرتكبُ
هَبِ الرجالَ على أجرامها قُتِلَتْ *** ما بالُ أطفالها بالذَّبْح تُنْتَهَبُ؟

فلمّا سمِع المعتصم هذا الشِّعْر خرج لوقته إلى الجهاد، ويقال: "يا غارة الله"، وإبراهيم بن المهدي أول من قال في شعره: "يا غارة الله". ينظر: "مروج الذهب" للعلامة المسعودي (3/ 472، ط. دار الهجرة بقُمّ).

فالمعنى في قول الداعي: "يا غارة الله جدي السير مسرعة في حل عقدتنا يا غارة الله" هو يا ركاب غارة الله أسرعوا بالنصر من عند الله في حل عقدتنا كما وعدنا الله، وهو من إطلاق الشيء وإرادة لازمه؛ فكأنه يقول: يا نصر الله؛ أي: اللهم انصرنا وأعزنا وتولنا، من باب المجاز والتوسع في اللفظ؛ كقول القائل: "فلان أخذ بيدي"؛ يعني لازمه وهو النصرة، ولا يراد منه خصوص الجارحة. أو قول القائل: "ملأت الشمس المكان"؛ أي الضوء، فالشمس مجاز مرسل، علاقته الملزومية؛ لأنها متى وُجدت وُجد الضوء، والقرينة: ملأت.

والدعاء بهذه الصيغة فيه إظهار لليقين بنصر الله وتحقيق وعده لعباده بالنصر والتأييد؛ إذ يخاطب الداعي جند الله الذين قيضهم الله لنصر عباده بأمره جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]، وقال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: 12].

والشأن في كلام المسلمين أن يحمل على أفضل الوجوه إن كان له وجه في الخير؛ ذكر الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 291، ط. دار الكتب العلمية): [عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءًا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرًا] اهـ.

لا سيما إن كان هذا الكلام مما تناوله العلماء المحققون والأولياء العارفون بالقبول؛ حيث استعملت كلمة: "يا غارة الله" في دعاء سيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فإنه يجوز للداعي أن يقول في دعائه: "يا غارة الله" ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، وأمر الدعاء مبناه على السَّعة وَتَخَيُّر الداعي ما شاء من الأدعية، دون ما اشتمل على الإثم والسوء، ويجب أن يُحَسِّن المسلم ظنه فيما يسمعه من المسلمين، وأن يحمل كلامهم على أفضل وأصح ما يحتمله من المعاني.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا