إنشاء صندوق لجمع التبرعات للمتضررين من التغيرات المناخية

إنشاء صندوق لجمع التبرعات للمتضررين من التغيرات المناخية

ما حكم إنشاء صندوق لجمع الزكاة والتبرعات للمتضررين من التغيرات المناخية؟ لأنه بعد ما حدث من كثرة المتضررين من الزلازل فكَّر مجموعة من الأشخاص في تخصيص جزء من الأموال لصالح المتضررين من التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية، بحيث يوضع هذا في صناديق مخصصة لذلك. فهل يصح أن يكون هذا من أموال الزكاة؟ وما المسلك الشرعي المقترح لهذا الأمر؟ وما ضوابطه؟

يجوز إخراج أموال الزكاة فيما يتعلق بالأضرار الواقعة فعليًّا نتيجة التغيرات المناخية، أما الأضرار المتوقع حدوثها؛ فيقتصر فيها على أموال الوقف والصدقات، على أن تتم هذه العملية تحت إشراف مؤسسات الدولة ورقابتها.

التفاصيل ....

المحتويات

 

المراد بمصطلح التغيرات المناخية

التغيرات المناخية (وما يستتبعها من ظواهر طبيعية): مصطلح يطلق ويقصد به الظواهر البيئية التي بَدتْ بوادرها في الفترة الأخيرة، والتي تتزايد يومًا بعد يوم، بما تمثله من مشكلات بيئية ملحة لها انعكاساتها الخطيرة على المستقبل البشري بوجه عام؛ ولأجله فقد بدأ الاهتمام الدولي بالقضية من خلال عقد المؤتمرات والاتفاقيات الدولية؛ للتقليل من بعض آثارها.

فالتغيرات المناخية تعني: تغيرًا في المناخ يُعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي العالمي، والذي يلاحظ بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ على مدى فترات زمنية متماثلة؛ كما في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC).

ومن الأضرار الناجمة عن هذه التغيرات المناخية: الجفاف الشديد، وندرة المياه، والحرائق الشديدة، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف الكارثية، وتدهور التنوع البيولوجي.

مصارف الزكاة في الإسلام

أما عن الزكاة فقد حدد الشرع الحنيف مصارف الزكاة في قوله تعالى: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ للفُقَراءِ والمَساكِينِ والعامِلِينَ عليها والمُؤَلَّفةِ قُلُوبُهم وفي الرِّقابِ والغارِمِينَ وفي سَبِيلِ اللهِ وابنِ السَّبِيلِ فَرِيضةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]. أي: أن كفاية الفقراء والمحتاجين مِن المَلْبَسِ والمَأكلِ والمَسْكَنِ والمعيشةِ والتعليمِ والعلاجِ وسائرِ أمورِ حياتِهم هي التي يجب أن تكون مَحَطَّ الاهتمام في المقام الأول؛ تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث إرسال معاذ رضي الله عنه إلى اليمن: «فَإن هم أَطاعُوا لَكَ بذلكَ فأَخبِرهم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم» متفق عليه.

فضل إغاثة فقراء المتضررين من الزلازل

إذا انضاف إلى ذلك أَنَّ المال يُصْرَف في إغاثة فقراء المتضررين من الزلازل أو غيرها من الظواهر البيئية جراء التغيرات المناخية، والتي تسبب أضرارًا للإنسان، فإنَّه يكون أكثر أجرًا وثوابًا؛ لما في ذلك من التعاون المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» أخرجه مسلم، ففي ذلك تعظيم لحقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والإرفاق والتعاضد.

كما أن إغاثة المتضررين من الزلازل داخلٌ في مصرف ابن السبيل؛ لما تقرر من أن العلة في إعطاء المسافر الذي لا مال له من الزكاة هو عدم قدرته على الوصول إلى ماله، وهذا شأن المنكوبين في حوادث الزلازل والتغيرات المناخية؛ ولذلك أَلْحَق محققو الحنفية بمصرف ابن السبيل مَن لم يكن له قُدْرة على الوصول إلى ماله ولو كان ببلده.

قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 298، ط. الأميرية): [وأُلْحِقَ به كلُّ مَن هو غائبٌ عن ماله وإن كان في بلده؛ لأن الحاجة هي المعتبرة وقد وُجِدَت؛ لأنه فقيرٌ يدًا وإن كان غنيًّا ظاهرًا. ثم لا يلزمه أن يتصدق بما فضل في يده عند القدرة على ماله؛ كالفقير إذا استغنى] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 343، ط. دار الفكر): [(قوله: وابن السبيل): هو المسافر سمِّي به للزومه الطريق. زيلعي (قوله: من له مال لا معه): أي سواء كان هو في غير وطنه أو في وطنه وله ديون لا يقدر على أخذها كما في "النهر" عن "النقاية"، لكن الزيلعي جعل الثاني مُلحقا به] اهـ.

هذا في شأن الزلازل والأضرار الحادثة، أما عن تخصيص جزء من الأموال لصالح متضرري الزلازل المتوقعة والمتغيرات المتوقعة فإنه لا يصح أن يكون من أموال الزكاة؛ لكونه أمرًا متوقعًا لا حاصلًا، ولأن الأولوية لكفالة الفقراء والمساكين، وإنما يصح أن يكون -ذلك- من الوقف والصدقات؛ لما تقرر شرعًا أن هناك حقًّا في المال سوى الزكاة؛ فمنه الصدقة المطلقة، ومنه الصدقة الجارية والأوقاف.

فعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِى الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، أخرجه الترمذي في "سننه" والبغوي في "شرح السنة" وفيه ضعف، إلا أنه قد صَحَّ مِن قول بعض السلف كابن عمر رضي الله عنهما، والشعبي ومجاهد وطاوس رحمهم الله تعالى.

قال الإمام العيني في "عمدة القاري" (5/ 101، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقد تأول سفيان بن عيينة في المواساة في المسغبة قولَه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: 111]، ومعناه: أن المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله تعالى عند توجه الحاجة إليهم، ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد في الترمذي مرفوعًا] اهـ.

كما أنه من جملة الخير المأمور به في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]، ومن صور التعاون على البر المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].

قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 10، ط. دار الكتب العلمية): [يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات، وهو التقوى] اهـ.

مقترح لإنشاء صناديق للوقف والصدقات

لذا؛ فإن المسلك الشرعي المقترح لهذا الشأن هو إنشاء صندوقين في أطر الإجراءات واللوائح التنظيمية المتبعة في هذا الأمر:

يخصص الصندوق الأول للوقف؛ بحيث يوقف فيه الناس أموالهم ويجعلون ريعها وثمرتها لصالح المتضررين من التغيرات المناخية وآثارها أبد الدهر.

بينما يخص الصندوق الثاني للصدقات؛ وفيه يضع الناس صدقاتهم وتبرعاتهم لصالح المتضررين من المتغيرات المناخية وآثارها أيضًا.

تشجيع المشرع المصري على الأعمال الخيرية

وقد نص المشرع المصري على التشجيع على أعمال الوقف الخيري والتبرعات، والتي من شأنها المساهمة بشكلٍ فاعلٍ في المشروعات التنموية، ومعاونة أجهزة الدولة في إقامة مشروعات خدمية وتنموية، والمساهمة في تطوير مشروعات البنية التحتية، وكافة المشروعات التي تُسهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير العشوائيات؛ كما في المادة (2) من القانون رقم 145 لسنة 2021م بإنشاء صندوق الوقف الخيري.

ما ورد عن ذلك في الميثاق الإفتائي الصادر عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم

كما تضمن الميثاق الإفتائي الصادر عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم -في ضوء أعمال المؤتمر السابع "الفتوى وأهداف التنمية المستدامة" المنعقد في أكتوبر 2022م لمواجهة التغيرات المناخية وآثارها- مجموعة من المبادئ والسلوكيات التي تهدف إلى الحد من مخاطر التغير المناخي، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات والتدابير للحد من هذه المتغيرات، والوقاية من تفاقمها.

ومما جاء فيه: [تفعيل فكرة "الأوقاف البيئية" باعتبارها صدقة جارية ووقفًا خيريًّا بما يشمل استصلاح الأراضي وتدوير المخلفات والتوسع في هذه النوعية من الأوقاف لدعم جهود الدول في حماية الحقوق البيئية] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز إخراج أموال الزكاة فيما يتعلق بالأضرار الواقعة فعليًّا جراء التغيرات المناخية، أما الأضرار المتوقع حدوثها؛ فيقتصر فيها على أموال الوقف والصدقات على النحو السابق، على أن تتم هذه العملية تحت إشراف مؤسسات الدولة ورقابتها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا