حكم وضوء وصلاة مريض قسطرة البول

حكم وضوء وصلاة مريض قسطرة البول

كيف يتوضأ مريضُ قسطرةِ البول؟ وما حكم صلاته على هذه الحالة؟

يَكْتَفِي مريض قسطرة البول بالوضوء مَرَّة واحدة، ويُصَلِّي بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات، ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر غير سلَس البول، وإن استطاع إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة دون مشقةٍ وَجَب عليه ذلك، فإن لم يَستطع للمشقة البالغة فلا حرج عليه في ذلك شرعًا.

التفاصيل ....

المحتويات:

 

بيان المراد بقسطرة البول وانتقاض الوضوء بخروج البول

قَسْطَرة البول: هي كيس خارج البدن يوجد به بعض الأنابيب ليخرج منها البول المحتبس في جسم المريض.

وهذا البول الخارج من الجسد الأصل فيه شرعًا أَنَّه من نواقض الوضوء؛ فمن النواقض: خروج شيء من السبيلين (القبل والدبر)، ويشمل ذلك البول والغائط وغيرهما؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [النساء: 43].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفق عليه.

وروى الإمام عبد الرزاق في "المصنف" عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ».

بيان معنى انتقاض الوضوء في كلام الفقهاء

معنى انتقاضِ الوضوء في كلام الفقهاء: أنَّه لا يصحّ معه فعل أيّ شيء من العبادات التي اشترط الشرع الشريف لها الطهارة، لكن حالة المريض في واقعة السؤال الذي يَخْرُج منه البول دون تَحَكُّم منه فهي من الأحوال التي وَضَّح الفقهاء أنَّه يُعذَر فيها الشخص من اشتراط الطهارة، وهو ما يُعْرَف عند الفقهاء "بالسَّلَس"؛ فيُعفَى عنه حينئذٍ، سواء في كل الطهارة أو في بعضها.

بيان معنى السَّلس، وحكم وضوء صاحب السَّلس

ومعنى السَّلَس: استدامة انفلات الحدث من القُبُل أو الدُّبر مع العجز عن التحكم في منعه، ولو في فتراتٍ متقطعة؛ فيكون حكمه في هذه الحالة حكمَ المرأة المستحاضة التي يسيل منها الدمُ مرضًا ونزيفًا لا حيضًا، وهو: وجوب غَسْل محل النجاسة، ثم الرَّبْط على عضو التبول، ثم الوضوء.

لكن وقع الخلاف بين الفقهاء في وجوب إعادة الوضوء لكلّ فريضة بعد دخول الوقت؛ فيرى جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة أَنَّه يجب عليه الوضوء لكلّ فريضة بعد دخول الوقت، بينما يرى المالكية أنَّ مَنْ كان هذا حاله فإنَّه يصلِّي بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر.

جاء في "الاختيار لتعليل المختار" للعلامة ابن مودود الموصلي (1/ 29، ط. مطبعة الحلبي): [المستحاضة ومَن به سَلَس البول، وانطلاق البطن، وانفلات الريح، والرعاف الدائم، والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كل صلاة، ويصلون به ما شاءوا، فإذا خرج الوقت بطلَ وضوءهم فيتوضؤون لصلاة أخرى. والمعذور هو الذي لا يمضي عليه وقت صلاة إلَّا والحدث الذي ابتلي به موجود] اهـ.

وقال الإمام الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 292، ط. دار الفكر): [السَّلَس على أربعة أقسام: الأول: أن يلازم ولا يفارق فلا يجب الوضوء ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد.

الثاني: أن يكون ملازمته أكثر من مفارقته فيستحب الوضوء، إلَّا أن يشق ذلك عليه لبَرْدٍ أو ضرورة فلا يستحب.

الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان..

الرابع: أن تكون مفارقته أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء] اهـ.

وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 98، ط. دار المعارف): [وفي إزالة دم الحيض أو النفاس وكذا في دم الاستحاضة إن لم يلازم كل يوم ولو مرة، وإلَّا فهو معفو عنه؛ كسلس البول الملازم لذَكَرٍ أو أنثى، فلا تجب إزالته] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 116، ط. دار الفكر): [وذهب العراقيون من أهل المذهب إلى أنَّ السَّلَس لا يَنْقُض مطلقًا، غاية الأمر أنَّه يستحب منه الوضوء إذا لم يُلَازِم كل الزمان، فإن لازم كله فلا يستحب منه الوضوء] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (2/ 541، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: حكم سَلَس البول وسلس المذي حكم المستحاضة في وجوب غسل النجاسة وحشو رأس الذَّكَر، والشدّ بخِرْقَة، والوضوء لكل فريضة، والمبادرة بالفريضة بعد الوضوء، وحكم الانقطاع] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 247، ط. مكتبة القاهرة): [والمبتلى بسَلَس البول وكثرة المذي فلا ينقطع كالمستحاضة، يتوضأ لكل صلاة بعد أن يَغْسِل فرجه)، وجملته: أَنَّ المستحاضة، ومن به سَلَس البول أو المذي، أو الجريح الذي لا يرقأ دمه، وأشباههم ممَّن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته، عليه الوضوء لكل صلاة بعد غُسْل محل الحدث، وشدِّه والتحرُّزِ من خروج الحدث بما يمكنه. فالمستحاضة تغسل المحلَّ، ثم تحشُوهُ بقطن أو ما أشبهه، ليردّ الدم] اهـ.

وقال العلامة البهوتي في "الروض المربع" (1/ 57، ط. دار المؤيد): [(والمستحاضة ونحوها) ممَّن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جُرْح لا يَرْقأ دمه أو رعاف دائم (تَغْسِل فرجها)؛ لإزالة ما عليه من الحدث، (وتعصبه) عصبًا يمنع الخارج حسب الإمكان، فإن لم يمكن عصبه كالباسور؛ صَلَّى حسب حاله، ولا يلزم إعادتهما لكل صلاة إن لم يُفَرِّط، (وتتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيءٌ، (وتُصَلِّي) ما دام الوقت (فروضًا ونوافل)، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء] اهـ.

والذي نختاره للفتوى هو أنَّ المُبْتَلَى بسَلَس البول يَكْتَفِي بالوضوء مَرَّة واحدة، ويُصَلِّي بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات، ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر غير السَّلَس؛ وذلك لحديث فاطمة بنت حبيش رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال لها عندما شَكَت إليه الدم: «امكثي قَدْر ما كَانَت تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلي وصَلِّي» رواه مسلم.

فلم يأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أن تتطهّر لكلّ صلاة، وهذا ما فَهِمه الليث بن سعد -أحد رواة الحديث-؛ فقد أورد الإمام مسلم بعد ذِكْره هذا الحديث قولَ الليث: "لم يَذْكُر ابن شهاب أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَمَر أمَّ حبيبة بنت جحش رضي الله عنها أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيءٌ فعلته هي"، أي: فعلته مِن نفسها احتياطًا ووَرَعًا دون نَصٍّ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك.

رفع الحرج والمشقة عن مريض سلس البول

لكن يُفَرَّق بين حالين في صحة الصلاة: حال كون الكيس المحمول الذي فيه البول على الشخص؛ فقد يَقْدِر الشخص على إزالة هذا الكيس أثناء الصلاة أو لا؛ فإن قَدَر على إزالة هذا الكيس أثناء الصلاة دون مشقةٍ وجب عليه ذلك؛ لأنَّ مِن شروط صحة الصلاة طهارة الثوب والبدن من النجاسة. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (1/ 270، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 200، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 188، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 288، ط. دار الفكر).

أما إذا لم يقدر الشخص على إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة للمشقة البالغة في ذلك؛ فهذا من المَعْفُوّ عنه؛ ذلك أَنَّ الشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، وقد دلّ على ذلك أدلةٌ كثيرةٌ من الكتاب والسنة والقواعد الفقهية؛ فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله عز وجل: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].

ومن السنة المطهرة؛ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» أخرجه الإمام أحمد.

ومِن القواعد الفقهية قاعدة: "المشقة تجلب التيسير" وغيرها.

وفي ذلك دليل على رفع الحرج والمشقة الزائدة عن المكلفين؛ قال العلامة الصنعاني في "فيض القدير" (3/ 203، ط. المكتبة التجارية): [إنما بُعِثَ بالحنيفية السمحة البيضاء النقية واليسر الذي لا حرج فيه: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42]، واستنبط منه الشافعية قاعدة: "إنَّ المشقةَ تجلبُ التيسير"] اهـ.

الخلاصة

على ذلك وفي واقعة السؤال: فمريضُ قسطرة البول الذي يَخْرَج منه البول دون تَحَكُّم منه فإنه يُعذَر من اشتراط الطهارة، فإن قَدَر أثناء الصلاة على إزالة الكيس الذي به البول دون مشقةٍ وَجَب عليه ذلك، أمَّا إذا لم يَقْدِر الشخص على إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة للمشقة البالغة في ذلك فهذا من المعفو عنه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا