الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر في الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير في الصلاة

الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر في الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير في الصلاة

ما الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذِّكر في الصلاة الإبراهيمية، التي تقال في التشهد الأخير في الصلاة من دون سائر الأنبياء، فنقول: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم... إلخ"؟ وهل هذا يتعارض مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل خلقِّ الله على الإطلاق؟

الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر دون غيره من الأنبياء عليهم السلام تظهر من عدة أوجه:

- أن سيدنا إبراهيم عليه السلام سأل اللهَ أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين.

- أنه سمَّانا مسلمين من قَبْل، فله علينا منَّة عظيمة، فجاء التخصيص من باب المجازاة ومقابلة الإحسان بالإحسان.

- أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو دعوة إبراهيم عليه السلام.

- أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام.

- أنه سلَّم على أمة سيدنا محمد دون سائر الأنبياء ليلة المعراج.

- أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا.

كما أن طلب الصلاة والبركة لسيدنا محمد مثل سيدنا إبراهيم عليهما السلام لا يتعارض مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق على الإطلاق؛ لاحتمال أن التشبيه ليس على بابه، وإنما لبيان حال المشبه من غير نظر إلى قوة المشبه به، أي: بيان حال ما لا يُعرَف بما يُعرَف، أو أن التشبيه على بابه وله عدة معان تنافي الأفضلية في القدر، وهي:

- أنه عليه الصلاة والسلام إما سأل ذلك له ولأمته على المجموع بأن آل محمد كل من اتَّبَعَهُ؛ تَكْرِمَةً لهم، بأن يُكَرَّمَ رسولهم على ألسنتهم، ولأجل أن يُثَابُوا عليه.

- أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد: اللهم أَجِبْ دعاء ملائكتك الذين دعوا لآل إبراهيم، فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، وفي محمد وآله، كما أجبته في الذين وُجدوا يومئذ من أهل بيت إبراهيم، فإنه وآله من أهل بيته أيضًا.

- أو أراد: اللهم تَقَدَّمَتْ منك الصلاة على إبراهيم، وعلى آله، فنسأل منك الصلاة على محمد وآله، تشبيهًا لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر.

- أو أنه تشبيه في عطيةٍ تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء؛ لأن الدعاء إنما يتعلق بمعدوم في المستقبل.

التفاصيل ....

المحتويات

 

بيان فضل الصيغة الإبراهيمية للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

من صيغ الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: الصيغة التي عَلَّمَهَا صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حينما سألوا عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ورد عن كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» متفقٌ عليه.

وهذه الصيغة تُسمَّى بـ"الصيغة الإبراهيمية"، وهي أفضل صِيَغِ الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (2/ 478، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ومعلومٌ أن أفضل الصِّيَغِ: الصِّيغَةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّة] اهـ.

الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر في الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير في الصلاة

المُلاحظ في هذه الصيغة الشريفة أن سيدنا إبراهيم عليه السلام هو الذي خُصَّ بالذِّكر دون غيره من سائر الأنبياء عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم السلام، وقد تواردت أقوال العلماء على بيان الحكمة من هذا التخصيص من عدة أوجه:

الأول: أنه عليه الصلاة والسلام سأل اللهَ تعالى أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين، فمِنْ ثمَّ كانت صلاة الأمة المحمدية الخاتمة عليه.

قال الإمام ابن المُلَقِّن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (3/ 471، ط. دار العاصمة): [فإن قلت: فلم خُصَّ التشبيه بإبراهيم عليه السلام دون غيره من الرسل؟ والجواب من أوجه: أحدها: لأنه سأل الله أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين] اهـ.

الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام سمَّى الأمة المحمدية مُسْلِمين قبل ظهورها، فله علينا منَّة عظيمة؛ فجازيناه بذلك التشبيه.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 514، ط. دار الفكر): [(قوله: وَخُصَّ إبراهيم.. إلخ) جوابٌ عن سؤال تقديره: لِمَ خُصَّ التشبيه بإبراهيم دون غيره مِن الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام؟

فأجاب بثلاثة أجوبة:. والثاني: أنه سَمَّانَا المسلمين كما أخبرنا عنه تعالى بقوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: 78]؛ أي بقوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: 128]، والعرب من ذريته وذرية إسماعيل عليهما السلام، فقصدنا إظهار فضله مجازاةً على هذين الفعلين منه] اهـ.

الثالث: أن نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو دعوة إبراهيم عليه السلام؛ لذا خُصَّ عليه الصلاة والسلام من دون الأنبياء بصلاة أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليه.

قال الإمام ابن المُلَقِّن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (3/ 471) في ذكر أوجه تخصيص التشبيه بسيدنا إبراهيم عليه السلام: [ثالثها: لأن نبينا دعوة إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ الآية [البقرة: 129] فخُصِّصَ به] اهـ.

الرابع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كلِّ نبي، ولم يُسَلِّم أحدٌ منهم على أمته غير سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلِّي عليه في آخر كلِّ صلاةٍ إلى يوم القيامة جزاءً له على إحسانه.

قال الإمام بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 260، ط. مكتبة الرشد): [فإن قيل: لم خصَّ إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إيَّاه في الصلاة؟

قلت: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كلِّ نبي، ولم يُسَلِّم أحدٌ منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلِّي عليه في آخر كلِّ صلاةٍ إلى يوم القيامة مجازاةً على إحسانه] اهـ.

الخامس: أنَّ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم مَن حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دَعَا أهلُه وأولاده بهذه الدعوة، فأُمِرْنَا بذكرهم في الصلاة؛ مُجازاةً على حُسْن صنيعهم.

قال العلامة بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 260، ط. مكتبة الرشد): [يقال: إن إبراهيم عليه السلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم مَن حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دَعَا أهلُه وأولاده بهذه الدعوة، فأُمِرْنَا بذكرهم في الصلاة؛ مُجازاةً على حُسْن صنيعهم] اهـ.

السادس: أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، وقد استجاب الله دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلًا أيضًا.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 514) في بيان أوجه تخصيص سيدنا إبراهيم بالسلام: [الثالث: أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، وقد استجاب الله دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلًا أيضًا، ففي حديث الصحيحين: «وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ»] اهـ.

بيان أن ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد لا يتعارض مع أفضلية سيدنا محمد عليهما السلام على سائر الخلق

طلب الصلاة والبركة من الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما صلَّى وبارك على سيدنا إبراهيم عليه السلام وعلى آله، أي: تشبيهًا له بإبراهيم عليه السلام كما ورد في نَصِّ الصيغة المذكورة في أول كلامنا، -فليس متعارضًا مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل خلق الله على الإطلاق؛ فإن الثابت الذي لا يقبل شكًّا أو احتمالًا أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الخلق على الإطلاق، وقد دلَّت نصوص الشرع الشريف على ذلك، ومنها: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» رواه مسلم.

وقد نصَّ العلماء على أنَّ هذا الحديث النبوي الشريف يُفيد أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 37، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهذا الحديث دليل لِتَفْضِيلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم على الخلقِ كُلِّهِمْ؛ لأن مذهب أهل السُّنَّة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الآدميين وغيرهم] اهـ.

وقد تواردت عبارات المحدِّثين والشُرَّاح والأئمة الأعلام من كافة المذاهب على دفع هذا الإيهام من عدة وجوه:

الأول: أن التشبيه ليس من باب الإلحاق للكامل بالأكمل، وإنما من باب بيانِ حالٍ ما لا يُعرف بما يُعرف.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 534، ط. دار المعرفة): [وَمُحَصَّلُ الجواب: أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل، بل من باب التَّهْيِيجِ ونحوه، أو من بيان حالِ ما لا يُعْرَفُ بما يُعْرَفُ؛ لأنه فيما يُسْتَقْبَلُ، والذي يَحْصُلُ لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك أقوى وأكمل] اهـ.

والثاني: أن التشبيه من باب الإلحاق، مع اختلاف عبارات الفقهاء في المشبه والمشبه به على ما يلي:

أنه تشبيه للمجموع بالمجموع، حيث إن مجموع آل سيدنا إبراهيم أفضل من مجموع آل سيدنا محمد؛ لكون آل إبراهيم أنبياء، بخلاف آل محمد.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 534): [وأجابوا بجواب آخر، على تقدير أنه من باب الإلحاق، وحاصل الجواب: أن التشبيه وقع للمجموع بالمجموع؛ لأن مجموع آل إبراهيم أفضل من مجموع آل محمد؛ لأن في آل إبراهيم الأنبياء بخلاف آل محمد] اهـ.

قال العلامة شهاب الدين الشِّلْبِيُّ في "حاشيته على تبيين الحقائق" (1/ 123، ط. الأميرية) في بيان أوجه التشبيه: [الخامس: أن المشبه الصلاة على محمد وآل محمد بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم المجموع بالمجموع، ومعظم الأنبياء آل إبراهيم عليهم السلام، فإذا تقابلت الجملة بالجملة، وتَعَذَّر أن يكون لآل الرسول ما لآل إبراهيم الذين هم أنبياء، فما توفر من ذلك يكون حاصلًا للرسول عليه الصلاة والسلام، فيكون زائدًا على الحاصل لإبراهيم] اهـ.

وقال شهاب الدين القرافي في "الفروق" (2/ 48، ط. عالم الكتب): [والتشبيه إنما وقع بين المجموع الحاصل للنبي عليه السلام وآله والمجموع الحاصل لإبراهيم عليه السلام وآله] اهـ.

وقال الإمام القليوبي في "حاشيته على شرح المنهاج للمحلي" (1/ 190، ط. دار الفكر): [والتشبيه في "كما صليتَ" عائدٌ لآل محمد لا له أيضًا؛ لأنه أفضل من إبراهيم وآله، إلا أن يقال: إنه من حيث طلب الدعاء أو الكيفية، ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه: إن التشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة، أو المجموع بالمجموع، قال النووي: وهذا أحسن الأجوبة، وقيل: لإفادة المضاعفة له صلى الله عليه وآله وسلم دون إبراهيم] اهـ.

أنه تشبيه في إجابة الدعاء، أي: أجب دعاء ملائكتك الذين دعوا لآل إبراهيم، حيث إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيت سيدنا إبراهيم.

قال الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" (3/ 122، ط. مكتبة الرشد): [فمعنى قولنا: اللهم صَلِّ أو بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ أو باركتَ على إبراهيم، وآل إبراهيم، أي: أَجِبْ دعاء ملائكتك الذين دعوا لآل إبراهيم، فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، وفي محمد، وآل محمد، كما أجبته في الموجودين الذين كانوا يومئذ من أهل بيت إبراهيم، فإنه وآله من أهل بيته أيضًا] اهـ.

أنه تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدر سيدنا إبراهيم.

قال العلامة شهاب الدين الشِّلْبِيُّ في "حاشيته على تبيين الحقائق" (1/ 123) في بيان الأقوال الواردة في التشبيه: [القول الثاني: أن ذلك تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر، وهو كما اختاروا في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 183] أن المراد أصل الصيام لا عينه ولا وقته] اهـ.

أنه تشبيه في عطية تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء؛ لأن الدعاء إنما يتعلق بمعدوم في المستقبل، فالتشبيه وقع في الدعاء، لا الأفضلية التي قد ثبتت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الدعاء، فهي ليست داخلة في التشبيه، كما لو كان هناك رجلان، أُعطي الأول منهما ألفًا، والثاني ألفين، فطلب الثاني مثل ما أُعطي للأول وهو الألف، فصار له ثلاثة آلاف، وبقي الأول على الألف، فانعدم المَحَلُّ.

قال الإمام شهاب الدين القرافي في "الفروق" (2/ 49): [إنما وَقَعَ التشبيه بين عطيةٍ تَحْصُلُ للنبي عليه السلام لم تكن حصلت له قبل الدعاء، فإن الدعاء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل، وحينئذ يكون الذي حصل للنبي عليه السلام قبل الدعاء لم يدخل في التشبيه، وهو الذي فُضِّلَ به إبراهيم عليه السلام، فهما صلوات الله عليهما كرجلين أُعْطِيَ لأحدهما ألفٌ وللآخر ألفان، ثم طُلِبَ لصاحب الألفين مثل ما أعطي لصاحب الألف، فيحصل له ثلاثة آلاف، والآخر ألف فقط، فلا يَرِد السؤال من أصله؛ لأن التشبيه وقع في دعاء لا في خبر، نعم لو قيل: إن العطية التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل العطية التي حصلت لإبراهيم عليه السلام، لزم الإشكال؛ لكون التشبيه وقع في الخبر، لكن التشبيه ما وقع إلَّا في الدعاء] اهـ.

وقال العلَّامة البُهوتي في "دقائق أولي النهى" (1/ 202، ط. عالم الكتب): [والجواب عن تشبيه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم وآله: أن التشبيه وَقَعَ بين عطية تحصل له صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن حصلتْ له قبل الدعاء؛ لأنه إنما يتعلق بمعدوم مستقبل، فهما كرجلين أُعْطِيَ أحدهما ألفًا والآخر ألفين، ثم طُلِبَ لصاحب الألفين مثل ما أعطي صاحب الألف، فيحصل له ثلاثة آلاف، فلا يَرِد السؤال من أصله] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر دون غيره من الأنبياء عليهم السلام تظهر من عدة أوجه:

أن سيدنا إبراهيم عليه السلام سأل اللهَ أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين.

أنه سمَّانا مسلمين من قَبْل، فله علينا منَّة عظيمة، فجاء التخصيص من باب المجازاة ومقابلة الإحسان بالإحسان.

أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو دعوة إبراهيم عليه السلام.

أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام.

أنه سلَّم على أمة سيدنا محمد دون سائر الأنبياء ليلة المعراج.

أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا.

كما أن طلب الصلاة والبركة لسيدنا محمد مثل سيدنا إبراهيم عليهما السلام لا يتعارض مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق على الإطلاق؛ لاحتمال أن التشبيه ليس على بابه، وإنما لبيان حال المشبه من غير نظر إلى قوة المشبه به، أي: بيان حال ما لا يُعرَف بما يُعرَف، أو أن التشبيه على بابه وله عدة معان تنافي الأفضلية في القدر، وهي:

- أنه عليه الصلاة والسلام إما سأل ذلك له ولأمته على المجموع بأن آل محمد كل من اتَّبَعَهُ؛ تَكْرِمَةً لهم، بأن يُكَرَّمَ رسولهم على ألسنتهم، ولأجل أن يُثَابُوا عليه.

- أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد: اللهم أَجِبْ دعاء ملائكتك الذين دعوا لآل إبراهيم، فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، وفي محمد وآله، كما أجبته في الذين وُجدوا يومئذ من أهل بيت إبراهيم، فإنه وآله من أهل بيته أيضًا.

- أو أراد: اللهم تَقَدَّمَتْ منك الصلاة على إبراهيم، وعلى آله، فنسأل منك الصلاة على محمد وآله، تشبيهًا لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر.

- أو أنه تشبيه في عطيةٍ تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء؛ لأن الدعاء إنما يتعلق بمعدوم في المستقبل.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا