18 سبتمبر 2025 م

خلال كلمة فضيلته في جلسة "الأديان كعامل لتحقيق التنمية المستدامة في العالم" بالقمة الثامنة لزعماء الأديان بالعاصمة الكازاخية "أستانا" مفتي الجمهورية يؤكد: لم تكن الأديان يومًا سببًا للفرقة بل قوة للوحدة الإنسانية لالتقائها على قيم العدل والرحمة والصدق

خلال كلمة فضيلته في جلسة "الأديان كعامل لتحقيق التنمية المستدامة في العالم" بالقمة الثامنة لزعماء الأديان بالعاصمة الكازاخية "أستانا" مفتي الجمهورية يؤكد: لم تكن الأديان يومًا سببًا للفرقة بل قوة للوحدة الإنسانية لالتقائها على قيم العدل والرحمة والصدق

أكد فضيلة أ.د نظير محمد عياد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الفكر الديني حينما يهتم بقضايا التنمية، فإنما ينطلق من مبدأ سام، ورسالة إلهية، تظهر واضحة جلية في قول الله تبارك وتعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] فالأمر بعمارة الأرض والنهي عن الإفساد فيها جزء من الرسالة الإلهية التي حملها الأنبياء إلى أقوامهم، فقال سيدنا صالح-عليه السلام- لقومه: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الأعراف: 74]، وقال سيدنا شعيب عليه السلام لقومه: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85] وخاطب نبي الله موسى -عليه السلام- قومه {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] بل وقال الله لكل خلقه أجمعين «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها» يعني بعد أن أصلحها الله لنا بميزان دقيق، وضبط محكم، فالآيات الكريمات جاءت لتبين أن الأنبياء عليهم السلام قد نهوا أقوامهم عن كل أشكال الفساد في البر أو البحر أو الهواء، ولم ينهوهم عن إفساد الدين فحسب.

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في جلسة "الأديان كعامل لتحقيق التنمية المستدامة في العالم" في اليوم الثاني من «القمة العالمية الثامنة لزعماء الأديان العالمية والتقليدية» المنعقدة بالعاصمة الكازاخية أستانا.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن الحضارة الإسلامية عبر العصور أثبتت أن التنمية الحقيقية تقوم على المزج بين المعرفة والعلم والقيم الدينية والأخلاقية، فقد ازدهرت مدن كبرى مثل سمرقند وبخارى وبغداد ودمشق والقاهرة حيث امتزج الاقتصاد بالثقافة والروح بالمعرفة، وأسهمت هذه الحضارات في صياغة تراث إنساني مشترك يثري وجدان البشرية، مضيفًا أن أي تقدم مادي أو علمي لا يستند إلى ضوابط أخلاقية وروحية فإنه يتحول قطعًا إلى أداة للدمار والفساد، بينما التنمية المرتبطة بالقيم تجعل الإنسان محور العملية التنموية وتحقق الخير لكل الأجيال.

وشدد فضيلته، على أن قيم التعايش والحوار تعد أساسًا لتطور المجتمعات واستدامة السلام، مستشهداً بالآية الكريمة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، مبينًا أن القرآن الكريم لم يجعل الاختلاف بين الشعوب والثقافات سببًا للنزاع، بل اعتبره فرصة للتعاون والتآلف، وأن الحوار لا يعد خيارًا تكميليًا، بل ضرورة حياتية في عالم يزداد ترابطًا، وأن الحضارات الإنسانية لم تنهض إلا بالقدرة على الحوار وتبادل المعرفة، حيث انتقلت الأفكار واللغات والفنون والأديان، وازدهرت المراكز الحضارية الكبرى التي جمعت بين الروح والثقافة والعمران، وأسهمت في تكوين تراث إنساني مشترك.

وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن التعايش يشمل الاحترام المتبادل والتفاعل الإيجابي مع الآخر، مستشهداً بقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، وعليه فإن الحوار مع الآخر ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة حياتية لضمان تنمية مستدامة وتحصين المجتمعات من النزاعات والصراعات.

وبين فضيلة مفتي الجمهورية، أن الثورة الرقمية والتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، تفرض على المؤسسات الدينية مسؤولية مضاعفة في تقديم خطاب رشيد يواكب الواقع الجديد بوعي وبصيرة، فالذكاء الاصطناعي إذا انفصل عن الضمير صار أداة نزاع لا وسيلة سلام، وأن أي تقدم علمي وتقني يجب أن يظل مرتبطًا بالقيم الإنسانية والروحية التي تحفظ حقوق الإنسان وكرامته، مطالبًا أن نُخضع التكنولوجيا لمنظومة قيمية تجعل الرحمة والعدل والشفافية والمسؤولية والحوار شروطًا لازدهارها؛ فالعدالة تضمن ألا تعيد الخوارزميات إنتاج التمييز والتفرقة والعنصرية، والشفافية تقتضي ألا تدار التقنية بخوارزميات غامضة تحجب الحقيقة عن الناس، والمسؤولية تستلزم محاسبة واضحة لصانعي الذكاء الاصطناعي، أما الرحمة واحترام الكرامة الإنسانية فهما الغاية الأولى؛ إذ لا قيمة لأي إنجاز علمي إذا لم يخدم الإنسان ويعزز كرامته، أما الحوار فهو الذي يضمن أن يعيش الناس بجميع مكوناتهم الثقافية والدينية في أمن وسلام.

وتطرق فضيلته إلى حال العالم وما يعيشه من آلام؛ نتيجة غطرسة القوة واستعمال السلاح، وبطش الظالم ، ومساعدة المستبد، وهو أمر إن أكد على شيء فإنما يؤكد على أن العالم في يومنا هذا أحوج ما يكون إلى صوت الحكمة والعقل، هذا الصوت الذي يمكن له ومن خلاله أن يعود إلى صوابه ويطمئن إلى خطواته؛ وأظنكم تشاركوني الرأي في أن هذا الصوت يكون من خلال قيم الدين وتعاليم السماء؛ ذلك أن هذه القيم تتميز بالموضوعية لصدورها عن خالق عليم خبير، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] فضلا عن هذا فإن هذه التعاليم الدينية تبتعد عن هذا النفاق السياسي الذي يغض الطرف عن حقوق المظلوم، ويلتمس حقوق للظالم، يبرر أفعالا للمغتصب، وينكر على الضحية أن تدافع عن نفسها، وأن تدفع ما يرد عليها؛ ومن ثم فالحاجة إلى صوت السماء أراه لا مفر منه ولا بديل عنه.

واختتم فضيلته، إن الأديان في جوهرها لم تكن يوما سببًا للفرقة، بل قوة للوحدة الإنسانية الجامعة؛ لأنها تلتقي جميعا على قيم العدل والرحمة والصدق، ومن هنا يبرز الدور الجوهري للمؤسسات الدينية أن تبين للعالم أن الحوار ليس ترفا فكريا، وإنما هو شرط للبقاء وأساس للتحقق من السلام العالمي، كما أن تعزيز قيم الحوار والتفاهم يساعدنا في تصحيح الصورة عن الأديان، في وقت تسعى فيه جهات مغرضة إلى تشويهها، وإلصاق تهم ليست منها في شيء، وإن التحديات التي تواجهنا نحو تعزيز قيم الحوار والتفاهم جسيمة، تبدأ من التطرف والغلو، وتمر بإساءة استخدام التقنية، وقطع الصلة بين الأجيال، ومحاولة لإعادة تشكيل المجتمعات على أسس مادية بحتة تخلو من الروابط الروحية والإنسانية، ومن ثم فإن دورنا محوري، ومسؤوليتنا كبيرة وعظيمة نحو مواجهة هذه التحديات الجسيمة والتصدي لها، وهو ما يستوجب منا ضرورة التعاون والتكامل، وفي هذا السياق فإن دار الإفتاء المصرية تؤكد دعمها المطلق لكل المبادرات التي تهدف نحو بناء الجسور الحضارية بين الشعوب والثقافات، كما نؤكد دعمنا لجمهورية كازاخستان في مساعيها لإحياء القيم الروحية والأخلاقية والحوارية التي شكلت جوهر الحضارات الإنسانية عبر التاريخ.

واصلت الجلسةُ العلمية الثالثة المقامة ضمن فعاليات الندوة الدولية الثانية، التي تنظمها دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم -تقديمَ نقاشات موسعة حول أثر الفتوى في ترسيخ القيم الأخلاقية وتحصين الهُوية في زمن العولمة.


-تراث دار الإفتاء كنز فقهي ومعرفي ينهل منه الباحثون في الشرق والغرب-المفتون الذين تولوا دار الإفتاء عبر تاريخ الدار كانوا نخبة مختارة وصفوة مجتباة من الله تعالى-تاريخ دار الإفتاء يشهد على تجربة جمعت بين الأصالة والمعاصرة دون إفراط أو تفريط-واجهنا الفكر المتطرف الديني واللاديني ووقفنا ضد أي تهديد للهُوية المصرية- دار الإفتاء منذ نشأتها حرصت على أن تكون امتدادًا للمنهج الإسلامي الصحيح والفكر المتزن


أكد الشيخ بشير الحاج نانا يونس، مفتي الكاميرون، أن الفتوى ليست مجرد إجابة عن سؤال فقهي، بل هي توجيهٌ يراعي ظروف الإنسان المعاصر وتحدياته المتعددة، من قضايا الأخلاق والاقتصاد والتكنولوجيا، وحتى التغيرات الاجتماعية والبيئية.


شهد فضيلة أ.د. نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، اليوم الخميس، فعاليات ختام الدورة التدريبية «مهارات صياغة الفتوى الشرعية» التي نظمها مركز التدريب بدار الإفتاء المصرية للباحثين الشرعيين وأمناء الفتوى، والتي تأتي في إطار خطة الدار المستمرة لتأهيل كوادر بحثية قادرة على التعامل مع القضايا المستجدة وصياغة الفتوى وفق منهجية علمية رصينة تراعي مقاصد الشريعة ومتطلبات الواقع المعاصر.


أكَّد سماحة الدكتور أحمد الحسنات، مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، أن الفتوى مطالَبة اليوم بالخروج من إطارها النظري إلى الواقع العملي، والاشتباك المباشر مع قضايا الإنسان وهمومه، في ظل ما يشهده العالمُ من تراجعٍ خطير في منظومة القيم الإنسانية وامتهان لكرامة الإنسان.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :45
الظهر
11 : 52
العصر
2:39
المغرب
4 : 58
العشاء
6 :21