الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

طيب النفس من النعيم

طيب النفس من النعيم


عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: نَرَاكَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ. فَقَالَ: «أَجَلْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ»، ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْمُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى خَيْرٌ مِنْ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنْ النَّعِيمِ» رواه ابن ماجه، وقال فِي "زوائد ابن ماجه": إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

في هذا الحديث الشريف يتأمل بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيلاحظوا حالة عالية من طيب النفس بادية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيلجئهم ذلك إلى أن يفضوا إلى رسول الله بما لاحظوه، فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحمد الله على تلك الحالة النورانية الطيبة، وكأن هؤلاء الجماعة من الصحابة رضي الله عنهم عندما لاحظوا هذا جرهم ذلك إلى الحديث عن أسباب السعادة وطيب النفس، فاختلفوا على الغنى هل هو من موجبات السعادة وطيب النفس أم لا؟ فجاء بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إجابة على تساؤلاتهم.

فكان أول ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا بأس بالغنى بشرط توفر التقوى؛ لأن الغنى بغير تقوى يؤدي إلى الهلاك والضياع، فغير التقي سوف يجمع المال من غير حقه، وسوف يمنعه من حقه، ويضعه في غير حقه، فإذا كان وجود المال حاصلا مع توفر التقوى لم يكن في ذلك مندوحة، ولا ضير في ذلك، بل المأمول أن يُستعان بهذا المال الزائد في الإنفاق على وجوه الخير.

ثم يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هناك حالة أفضل من تلك الحالة، ألا وهي وجود الصحة مع توفر التقوى، وذلك لأن الصحة تجمع بالإضافة لسلامة الحال في الدنيا الإعانة على أعمال الآخرة من العبادات والطاعات، فالصحة تحتوي على منفعة المال، ولكنه مال يستمر نفعه متجاوزا عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وفي مقابل هذا فإن السقم والمرض عَجْزٌ حَاجِزٌ لِعُمْرِ الَّذِي أُعْطِيَهُ، يَمْنَعُهُ الْعِبَادَةَ، وَالصِّحَّةُ مَعَ الْفقرِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْعَجْزِ، وَالْعَاجِزُ كَالْمَيِّتِ.

والأفضل من هذا وذاك مطلقا طيب النفس، فهو المقصد والمراد والغاية، ورب إنسان حاز الغنى ولم يكن طيب النفس، ورب إنسان حاز الصحة ولم يكن طيب النفس، ورب إنسان حاز على الغنى والصحة معا ولم يكن طيب النفس، فكل من هؤلاء لم يحصل المبتغى وضاع عليه الوصول إلى السعادة الحقيقية التي مردها في نهاية الأمر طيب النفس، فطيب النفس كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النعيم، أو هو النعيم الحقيقي بالنسبة لما عداه من أمور دنيوية كالغنى وصحة الأجسام.

وما هو طيب النفس؟
طيب النفس هو انْشِرَاحُ الصَّدْرِ الْمُقْتَضِي لِلشُّكْرِ، وَالصَّبْرُ الْمُسْتَوِي عِنْدَهُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ، وهو النور الوارد الذي أشرق على الصدر، فإذا استنار القلب ارتاحت النفس من الظلمة والضيق والضنك؛ فإنها لشهواتها في ظلمة والقلب مرتبك فيها؛ فالسائر إلى مطلوبه في ظلمة يشتد عليه السير، ويضيق صدره، ويتنكد عيشه، ويتعب جسمه، فإذا أضاء له الصبح، ووضح له الطريق، وذهبت المخاوف، وزالت العسرة؛ ارتاح القلب، واطمأنت النفس، وصارت في نعيم؛ قال تَعَالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46]؛ جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا، وَجَنَّةٌ فِي الْعُقْبَى.
 

عن أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْـهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ»، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ»، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".


عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مِنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ». لمّا كانت المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه في المال والجاه أو الخدمة والنّصيحة.. أو غير ذلك، فإنَّ من المواساة مشاركةُ المسلم في مشاعره خاصَّةً في أوقات حزنه، وعند تعرُّضه لما يعكِّر صفوَه، وهنا فإنَّ إدخال السّرور عليه، وتطييبَ خاطره بالكلمة الطَّيِّبَةِ، أو المساعدةِ الممكنةِ بالمال أو الجاهِ، أو المشاركة الوجدانيَّة هو من أعظم المواساة وأجلِّ أنواعها، وقد كان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يواسي بالقليل والكثير، وقد علَّمنا أنَّ من أقال مسلمًا من عثرته أقال الله عثرتَه، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يزال في حاجة العبد مادام العبد في حاجة أخيه.


عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» رواه البخاري. الحياء من أعظم الفضائل التي يتحلى بها الإنسان، بل هو مصدر للفضائل الأخرى، وقد تعددت الأحاديث التي أوصى فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بهذه الفضيلة العظيمة وهذا الخلق السامي.


عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» متفق عليه. وفي روايةٍ لمسلمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ».


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20