01 يناير 2017 م

نوعان من الفتن: الفتنة الدائمة، وفتن آخر الزمان

نوعان من الفتن: الفتنة الدائمة، وفتن آخر الزمان

عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كنا عند عمر رضي الله عنه فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، قال حذيفة: وحدثته، «أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ»، قال عمر: أكسرًا، لا أبا لك؟ فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قلت: «لَا بَلْ يُكْسَرُ»، وحدثته «أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ» قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك، ما أسود مرباد؟ قال: «شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ»، قال: قلت: فما الكوز مجخيًا؟ قال: «مَنْكُوسًا» متفق عليه.
إذن بناءً على كلام سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم الفتنة فتنتان: فتنة كل الأزمان وكل الأحوال وكل الأوقات، وهي: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ»، وكما أن هذا النوع من الفتن دائم ومستمر، لا يتعلق بزمان دون زمان، ولا بحال دون حال، لذلك جاء الدواء من جنس هذه النوعية من الفتن اليومية -إن صح التعبير-، فكان العلاج بالأوراد والأعمال والطاعات اليومية التي يحتل المقدمة منها: «الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ».
أما النوع الثاني من الفتن فهي التي لها تعلق بزمن معين تظهر فيه، ثم يمتد أثرها إلى آخر الزمان؛ حيث تظهر في أشد حالاتها، حتى تصل إلى الدرجة: «الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ»، وتنتهي هذه الأمواج بأعظم فتنة في التاريخ، وهي فتنة المسيخ الدجال.
والسر في عرض الفتن على القلوب هو أن الإنسان مختبر، وممتحن في هذه الحياة الدنيا، فمبنى الفتنة ومغزاها والغرض منها هو الامتحان والاختبار، وبناءً على ذلك قَلَّ ما يمر على الآدمي حالٌ إلا ويجوز أن يكون مختبرًا بها، فإذا أتته حال فتنة عرف الشيطان أنها له في الآدمي حال انتهاز فرصة، واهتبال غرة، فجعلها مركبًا لكيده وشوكة لإشراكه، فإن كان القلب لم يرسخ فيه الإيمان، بل هو طاف عليه طفوًا؛ كطحلب على الماء، لم يكن ما يصدم الفتن منه ذا رسوخ ولا تمكن، فيتزلزل للفتنة وتنقطع فيشربها القلب، فبقدر ما ينكشف من القلب لها ينكت فيه نكتة سوداء من ذلك الحيز الذي دخلت الفتنة فيه منه؛ لأن القلب يشتمل على معانٍ، فإذا جاءته الفتنة من معنًى من تلك المعاني فأشربها اسود ذلك الموضع الآخر، فلا يزال هكذا حتى يسود قلبه كله من جميع جوانبه، وتصوير ذلك أنه لو علق مصباح في زجاجة، وكانت الزجاجة صافية من نواحيها كلها، فإنها تضيء من جميع جهاتها، فلو صادفها من جانب من جوانبها دخان، وتكرر عليها، ولم يُمَط ْعنها فإن ذلك الموضع يسود، فلو قد كان ذلك في جميع أجزائها لأظلمت من سائر نواحيها، ومن علامات هذا السواد الذي حلَّ بالقلب أنه لا ينكر منكرًا، ولا يعرف معروفًا إلا ما أشرب من هواه، ومعنى قوله: «إلا ما أشرب من هواه» أنه لو أنكر منكرًا يومًا ما، كان لهوًى يخالطه، لا لله، وهذه القلوب كما أنها تصبغت ألوانها من الأشياء الطارئة عليها من خارج، فكذلك يعرف ألوانها بأعمالها الصادرة عنها إلى الخارج.
وأما القلب الآخر فهو الذي قال فيه: «وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفا، فلا يضره فتنة ما دامت السموات والأرض»، فإن الفتنة إذا قابلت القلب المؤمن فأنكرها إنكارًا يستثير له إيمانه ويستجيش له تقواه بالفزع إلى ربه، والحياء من خالقه سبحانه، كيف عرض له مثل ذلك، أو خطر في فكره، واعتذارًا من جبلته البشرية وكيف يتطرق هذا عليها، ومثله كانت حالته تلك؛ كالانتفاض، والغسل، والتنقية لقلبهن ولا سيما في الموضع الذي دخل على قلبه ذلك الموضع زيادة بياضٍ فيكون أشدَّ بياضًا من باقي القلب كله، وهكذا على هذا حتى يبيض القلب كله، فيكون كالصفا فيه سراج يزهو، لا يأتيه الشيطان من جهة إلا رآه، ولا يتحرك ناهضًا إليه إلا لحظه، ورأى مسالكه، والأسباب التي يجعلها سلالم إلى الوصول إليه.
فاللهم، بجاه سيد المرسلين ارزقنا السلامة من جميع أنواع الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن.
المصادر:
- "الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هبيرة.
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر.
- "شرح النووي على صحيح مسلم".
 

فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» متفق عليه. يتحدث الحديث عن بركة صلة الأرحام، فهو يشير إلى أنه من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه. ومعنى ينسأ له في أثره: يعني يُمَد له في أجلِه.


عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» رواه البخاري.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ" رواه ابن ماجه في "سننه". يتعرض هذا الحديث لمفهومين متباينين كل منهما في مقابل الآخر، ألا وهما: مفهوم الفأل الحسن المطلوب والمرغب فيه، وذلك قبالة مفهوم الطِّيَرَة والتطير المنهي والمرغب عنه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ -أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ- عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟ تَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ».


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57