01 يناير 2017 م

المكافأة

المكافأة


يقدِّرُ الإسلام نوازع النفس البشرية التوَّاقة إلى تحصيل الخير والمحتاجة إلى تقويم الانحراف في آنٍ واحد، لذا فإن الإسلام يقدِّر أهمية الجزاء أو المكافأة على العمل، ويوليها ما تستحق من اهتمام؛ تحفيزًا للنفس البشرية على فعل الخيرات واجتناب المنكرات.

لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن ما نفعله من عمل في هذه الدنيا سنحاسب عليه ونُجازى عنه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر؛ قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۞ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [يونس: 26-27].

وبيَّن سبحانه وتعالى أنه لا بد من التمييز والتفريق في المجازاة بين من يعمل الصالحات ومن يعمل السيئات؛ فقال جل شأنه: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ۞ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۞ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: 18-20].

يوضح القرآن كذلك أخلاق الأنبياء في المكافأة حين يشير إلى موقف مكافأة سيدنا موسى من سيدنا شعيب عليهما السلام، حين جاءته ابنته تمشي على استحياء، وقالت لسيدنا موسى: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: 25]، ومكافأةِ الله تعالى لسيدنا يوسف بعد ما تعرَّضَ له من إيذاء إخوته، ثم سعي سيدنا يوسف لاستبقاء أخيه، ثم دعوته إلى أبيه سيدنا يعقوب، وأهله أجمعين إلى مصر.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه الإمام البخاري- يقبل الهدية ويُثيب عليها، أي: يُعطِي الذي يُهدِي له بدلَها، والمراد بالثواب المجازاة، وأقله ما يساوي قيمة الهدية، ووجهنا إلى مكافأة من يُحسن إلينا، فقال: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». رواه أبو داود.

ومن رحمة الله بنا أن جعل التوبة سبيلاً للخروج من السيئات، وأن قدَّر للأعمال الصالحة حسنات حتى نعملها، وللخبيثة سيئات حتى نجتنبها، وفي التشريعات العملية في الحياة قدَّر الشرعُ عقوبات لعدد من الجرائم التي تُرتكب من العبد؛ كالقصاص في القتل، وتقرير الحدود كجزاءاتٍ عقابية لجرائم الزنا والسرقة والقذف، والتعزير الذي تتفاوت درجته وهيئته بحسب تقدير المجتمع للعقوبة الرادعة لجرائم كثيرة أخرى، حتى إنها تصل إلى مستوى القتل؛ كما في حد الحرابة للمخربين المفسدين في الأرض؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].

كما فرض كفارات لمخالفة الأيمان والظِّهار والتقصير في بعض العبادات كصوم رمضان... إلخ.

إن تقرير العقوبات الدنيوية وسيلة من وسائل تكفير الذنوب، خاصة إذا كانت آثارُها قاصرةً على الشخص نفسه، في حين تظل الآثام المتعلقة بحق الغير باقية حتى يتم العفو، أو رد الحقوق لأصحابها، وإن في هذه النظرة الإسلامية للعقوبة على المعاصي والذنوب وانتهاك حقوق الغير مكافأةً من جانب آخر للمجتمع الذي رفض الانحراف وحافظ على تمسُّكه بالتشريع أو القانون الذي تراضى على إقراره.

إن إدراك المسلم لهذا التصور الإسلامي لفكرة الجزاء والمكافأة وأهميتها تجعله حريصًا على تطبيقها في حياته وممارساته المختلفة؛ فيكافئ الوالدُ ابنَه عند قيامه بعمل حسن أو عندما يحفظ القرآن ويجتهد في تحصيل العلم، ويكافئ الابنُ والديه ببرهما ورعايتهما عند الكبر؛ لأنه يَذْكُرُ بالإضافة لواجبِ البر لهما أنهما بذلا في سبيل رعايته وتنشئته أكثر مما يجب عليهما من العناية والاهتمام والعطاء، وكذلك الزوج يُكافئ زوجتَه على ما تقدِّمه له من حسن معاملة، والزوجةُ تكافئ زوجَها على اهتمامه بها وببيتها، وصاحب العمل يكافئ عمَّالَه على إخلاصهم في العمل وإتقانهم له، وكذلك العمَّال يبذلون جهدهم من أجل مكافأة صاحب العمل على اهتمامه بشئونهم، والمعلمُ يكافئُ تلاميذَه على اجتهادهم في تحصيل دروسهم، والتلاميذُ يقابلون إخلاصَ معلميهم بإكبارِهم وتوقيرِهم والاحتفاءِ بهم..، وهذا مما يخلق مناخًا من الألفة والمودة يسود المجتمع، فيترسخ فيه السلام الاجتماعي وتنمو فيه مظاهر التعاون والبذل والعطاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "فتح الباري" لابن حجر (5/ 210).
- "دستور الأخلاق في القرآن" للدكتور محمد عبد الله دراز (ص: 245، وما بعدها).
- "الجزاء" للدكتور طه حبيشي ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 215-223، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية).

أقام الإسلام العلاقات بين الناس على نظامٍ من الاحترام المتبادل والقِيَم النَّبيلة، ويُعدُّ احترامُ الكبير في النَّظر الإسلامي من الأمور المهمة في منظومته الأخلاقيَّة.


الكرب بفتح الكاف وسكون الراء هو ما يُحزِنُ المرء، ويجعله في غم وهم، ومعنى تفريج الكربات: رفع الضر وإذهاب ما يدهم الإنسان ويأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المثل الأعلى في القدوة والتأسى به، فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله تعالى في وصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عند بدء نزول الوحي، قالت: "وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنكَ لَتَصِلُ الرحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَل، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ،


الشجاعة خلق عظيم من الأخلاق التي حَضَّ الإسلام على التحلِّي بها، وتربية النفس عليها. والشجاعة هي الثبات ورباطة الجأش عند وقوع المخاوف، والشجاع شخص جريء مقدام، ينصر الحق وينتصر له، ولا يهاب الباطل. ولقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل قدوة في هذا الخلق العظيم، فعن البراء رضي الله عنه قال: "وَكَانَ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ يُتَّقَى بِهِ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي يُحَاذِي بِهِ" أخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد"، أي إن المعركة إذا حميت واشتد القتال كانوا يحتمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


يعد الاختلاف من سنن الله تعالى في الكون، فكل مظاهر الكون والحياة تُعبِّر عن هذه الحقيقة، فالكون كله في تنوع واختلاف وتباين، سماء وأرض ونجوم وكواكب وجبال وسهول وصحاري ووديان وبحار وأنهار وأنواع لا تعد ولا تُحصى من الأشجار والنباتات والثمار والكائنات الحية على اليابسة أو في المياه، والإنسان كذلك مختلفة أجناسه وأعراقه وألوانه ولغاته، وهو ذكر وأنثى، وينتقل في أطوار مختلفة، من الطفولة إلى المراهقة، إلى الشباب والفتوة، إلى الكهولة إلى الشيخوخة، وعلى مستوى التفكير والإدراك يشعر الإنسان في خاصة نفسه بتغير أطوار فكره ومعرفته وإدراكه لحقائق الأمور وتباين وجهة نظره إزاءها حينًا بعد آخر.


من أخلاق المسلم التي ينبغي أن يتحلى بها بشاشة الوجه وانبساطه وطلاقته عند لقاء الناس، وأن يكون لينًا مع خلق الله أجمعين، وهذا من المعروف الذي ذكره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه مسلم. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم على هذا


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31