01 يناير 2017 م

الجاحظ.. الأديب الموسوعي البليغ

الجاحظ.. الأديب الموسوعي البليغ

هذه الأسطر تدور حول شخصية فذَّة، بما كان لديها من علم وثقافة وبلاغة وتصنيف ومكانة اجتماعية، مع خفَّة ظل. هذه الشخصيةُ هي: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، ولد منتصف القرن الثاني الهجري سنة 150هـ أو بعدها، بالبصرة في العراق.

كان الجاحظ معتزليًّا كثير الاطلاع واسع المعرفة، يشهد كثيرون له بالتفرد والتفوق على غيره في سعة ثقافته وإحاطة علمه، وكان كثير التصنيف في مختلف المجالات، فكتب عن الحيوان، والنبات، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والطرائف والنوادر؛ إذ كان ميَّالًا إلى الفكاهة والمزاح.

ومن نوادره في ذلك ما يرويه بعضهم أنه دخل على الجاحظ، فقال: يا أبا عثمان كيف حالك؟ فقال له الجاحظ: سألتني عن الجملة فاسمعها مني واحدًا واحدًا، حالي أن الوزير يتكلم برأيي، وينفذ أمري، ويؤاثر الخليفة الصلات إليَّ، وآكل من لحم الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأجلس على ألين الطبري، وأتكئ على هذا الريش، ثم أصبر على هذا حتى يأتي الله بالفرج، فقال له الرجل: الفرج ما أنت فيه، قال: بل أحب أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك بأمري، ويختلف إليَّ؛ فهذا هو الفرج!

وقال بعضهم: "لم أر قط ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر".

وقد كان من مزايا الجاحظ أنه كان يقبل النقد ويعود عن رأيه حين يتبيَّن له الصواب، ومن ذلك ما ذكره بعضهم من أنه قال: قلت للجاحظ إني قرأت في

فصل من كتابك المسمى كتاب "البيان والتبيين"، إنَّ ممَّا يُستحسن من النساء اللحنَ في الكلام، واستشهدتَ ببني مالك بن أسماء، يعني قوله:

 

وحديث ألذه هو مما .....ينعت الناعتون يوزن وزنًا
منطق صائب ويلحن أحيا..... نًا وخير الحديث ما كان لحنًا

 

فقال الجاحظ: هو كذاك.

فقال له الرجل: أفما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجاج حين لحنت في كلامها؛ فعاب ذلك عليها؛ فاحتجَّت ببيْتَيْ أخيها، فقال لها إن أخاك أراد أن المرأة فطنة؛ فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظاهر لتستر معناه وتوري عنه وتُفهمه مَنْ أرادتْ بالتعريض؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: 3]، ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يُستحسن من أحد.

فوَجَمَ الجاحظُ ساعةً ثم قال: لو سقطَ إليَّ هذا الخبرُ لما قلتُ ما تقدَّم.

فقال له الرجل: فأصلحه.

فقال الجاحظ: الآن؟! وقد سار الكتابُ في الآفاقِ!

ومن أقواله البليغة: "إذا سمعتَ الرجلَ يقول: «ما ترك الأول للآخر شيئًا» فاعلم أنه ما يريد أن يفلح".

وقال أيضًا: "ينبغي للكاتب أن يكون رقيق حواشي اللسان، عذب ينابيع البيان، إذا حاور سدَّدَ سهم الصواب إلى غرض المعنى، لا يكلِّم العامَّةَ بكلام الخاصَّة، ولا الخاصَّة بكلام العامَّةِ".

ومن مصنفاته: "البيان والتبيين"، و"الحيوان"، و"المحاسن والأضداد"، و"البرصان والعرجان والعميان والحولان"، ومن أشهر كتبه "البخلاء" وهو كتاب اجتماعي ظريف.

وقد كان في تصنيفه بليغًا ذا أسلوب جزل، يستخدم الألفاظ بدقة في مواضعها الملائمة لها، بحيث يصعب وضع غيرها بدلًا عنها، لا يتكلَّف في الكتابة، بل تنساب عبارته بشكل طبيعي في سياق الكلام، لا يشعر القارئ لها بإغراب، ولا يستهجن صياغتها.

وقد مات الجاحظ سنة 255هـ وقد جاوز التسعين من عمره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "تاريخ دمشق" لابن عساكر (45/ 431).
- "سير أعلام النبلاء" للذهبي (9/ 413).
- "معجم الأدباء" لياقوت الحموي (5/ 2101).
- "البيان والتبيين" للجاحظ (2/ 7).
- "الجاحظ" للدكتور عبد الفتاح غنيمة، ضمن "موسوعة أعلام الفكر الإسلامي" (ص: 193-194، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "أسلوب الجاحظ" للدكتورة سمر روحي الفيصل ("مجلة التراث العربي"، سوريا، مجلد: 16، عدد: 61، ص: 96-102).

 

الإمام يحيي بن معين هو الإمام الحافظ، الجهبذ، سيد الحفاظ، وشيخ المحدثين، أبو زكريا، يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام ولد في بغداد سنة 158ه، ونشأ في بغداد، وكتب العلم وهو ابن عشر سنين، وكان أبوه معين من نبلاء الكتَّاب لعبد الله بن مالك على خراج الري، فخلف له ألف ألف درهم، فأنفقها كلها على تحصيل الحديث حتى لم يبقَ له نعل يلبسه، سمع الحديث من عبد الله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق الصنعاني باليمن،


الإمام الليث بن سعد يكنى أبا الحارث، الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، ولد سنة 94ه، واستقل بالفتوى والكرم بمصر، مات سنة 175هـ، وقد حضر جنازته خالد بن عبد السلام الصدفي فقال: ما رأيت جنازة قط أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزي بعضهم بعضًا، ويبكون، فقلت: يا أبت! كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة. فقال: يا بني! لا ترى مثله أبدًا. وكان من أبرز صفات الإمام الليث بن سعد صفة الكرم والسخاء، فمع كثرة علمه وفقهه وورعه كان


الإمام أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة والجماعة، أحد الأئمة العظماء الذين حافظوا بعلمهم وسعيهم على عقيدة المسلمين واضحة نقيَّة، وتبعه جماهير العلماء على مرِّ العصور والأزمان حتى يومنا الحاضر. ولد حوالي سنة 270هـ وقيل 260هـ، وتوفي قبل أو بعد سنة 330هـ، وكان أوَّلًا معتزليًّا، ثم تاب


كان داود بن عمر الأنطاكي من أعلام الطب في تاريخ المسلمين، وكتابه "تذكرة أولو الألباب" من الكتب المهمة في الطب لفترة طويلة. ولد داود الأنطاكي في أنطاكية -جنوب تركيا الآن- في القرن العاشر الهجري، كان والده عمدة قرية تُسمَّى "حبيب النجار"، وقد وُلد داود كفيف البصر، وأصابه مرض أعجزه عن القيام، فكان يُحْمَل إلى رُباط أقامه والده قرب مزار حبيب النجار لخدمة الزائرين له، وذات مرة نزل بالرباط رجل قال عنه داود الأنطاكي:


الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، أبو عبد الله، الإمام الحافظ صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري. ولد في بخارى سنة 194هـ، وتوفي سنة 256هـ، ونشأ يتيمًا. قام برحلة طويلة في طلب العلم. وكان آية في الحفظ وسعة العلم والذكاء. قالوا: لم تخرج خراسان مثله. سمع الحديث ببخارى قبل أن يخرج منها كما سمع ببلخ ونيسابور وبغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة ومصر والشام. سمع نحو ألف شيخ، وكان له مجلس حديث في بغداد وكان يجتمع له فيه زيادة على عشرين ألف رجل. وقد وقع


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31