الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
14 مايو 2017 م

إحياء الأرض الموات

إحياء الأرض الموات

إحياء الأرض الميتة من التشريعات الدينية ذات البعد الحضاري الواضح، والمتمثل في تحقيق مراد الله سبحانه وتعالى من خلق العباد بعد تحقيق العبودية له وحده وفقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].
وقد وجَّهنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى إحياء الأرض الميتة -وهي الأرض التي لا تخُصُّ أحدًا من الناس؛ كالأرض التي في الصحاري وليس بها عمران أو زراعة أو يتم استخراج معادن منها-؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» رواه أبو داود.
ولقد اهتم الفقهاء بتفصيل أحكام إحياء الأرض الميتة، اعتناءً منهم بتوجيهات الله عز وجل ونبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، أَوْ طَيْرٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ» رواه الترمذي، وقال أيضًا: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه أحمد.
وينقل الإمام السرخسي قول سيدنا عمر رضي الله عنه في تمليك الأرض التي يتم إحياؤها لمن أحياها: [من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس بعد ثلاث سنين حقٌّ] اهـ، ويعقب على ذلك بقوله: [الإحياء أن يجعلها صالحة للزراعة] اهـ؛ بأن يبدأ في تهيئة الأرض وتنظيفها أو توصيل الماء لريِّها، وليس بأن يحدد الأرض ويبني حولها سورًا مثلًا أو غير ذلك وهو ما يُسمَّى بــ "التحجير"، وحدد لذلك مدة ثلاث سنوات، تقديرًا منه أن هذا الزمن هو الذي يناسب ذلك العصر من عودة من أراد إحياء الأرض إلى موطنه وتدبير الموارد اللازمة لإحياء هذه الأرض والعودة إلى الأرض الميتة لإحيائها مرة أخرى، فسبب الملك هو الإحياء دون التحجير، وهذا إدراك واضح من الفقهاء لمقصد الشارع من أهمية هذا الحكم الفقهي، الذي يؤدي إلى التنمية والعمران ومنفعة المسلمين.
وقد اشترط الإمام أبو حنيفة الحصول على إذن الإمام قبل الإحياء، تنظيمًا لعملية إحياء الأرض، ومنعًا للنزاع والشِّقَاقِ، وهو أمرٌ يتوافق مع الأنظمة الحديثة، التي صارت وسائلُ الانتقال والاستكشاف فيها أسرعَ وأدقَّ، مما يحتاج إلى تدخل من جانب السلطة لتنظيم مثل هذه العملية بقبول طلبات من يرغب في استصلاح أرضٍ أو إحيائِها، أو تقوم السلطة نفسها بطرح أراضٍ للمواطنين أو لغيرهم للقيام باستصلاحها أو البناء عليها أو إقامة منفعة بها أو استخراج ثروة أو معدن منها... إلخ. وهذا ما عليه العمل في الديار المصرية.
وهذا النوع من التدخل ليس غريبًا على التشريع الإسلامي، الذي أباح إقطاع مساحة من الأراضي لمن يقدر على إحيائها.
وإدراكًا لغرض الشارع من تحقيق العمران لم يقصر هذا الحق في الدولة الإسلامية على المسلمين فقط، بل إن جمهور الفقهاء على جواز إحياء غير المسلم للأرض الميتة، مقابل تمليكها أو إعطائه حقَّ استغلالها والانتفاع بريعها.
إن الإسلام يحرص على التنمية عميقة الأثر في حياة الناس والمجتمعات، ولا يوجههم إلى تحقيق الربح السريع الذي يستنزف موارد الأمم وثرواتها وإفقار أهلها وتركيز الثروة في يد قلَّةٍ من المستأثرين بها، بل كان التوجيه القرآني في هذا السياق واضحًا: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7]، يقول الطاهر بن عاشور: [وقد بدا من هذا التعليل أن من مقاصد الشريعة أن يكون المال دُولة بين الأمة الإسلامية على نظام محكم في انتقاله من كلِّ مالٍ لم يسبق عليه ملكٌ لأحد مثل المَوَات، والفيءِ، واللُّقَطَاتِ، والرِّكازِ، أو كان جزءًا معيَّنًا مثل: الزكاة، والكفارات، وتخميس المغانم، والخراج، والمواريث...] اهـ.
فإحياء الموات يأتي كعامل متَّسقٍ للغايةِ مع قواعد هذه المنظومة في التعامل مع الثروات التي حباها الله لنا، ومحقِّقًا لغاية الله سبحانه من استخلاف الإنسان في الأرض.
المصادر:
- "المبسوط" للسرخسي (23/ 167).
- "المغني" لابن قدامة (5/ 418).
- "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور (28/ 85).
- "الخراج" لأبي يوسف (ص: 77).
 

بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة،


الإنسان هو محور هذا الكون، وهو معجزة الله العظمى في هذا النظام المتقن الفسيح، خلقه الله تعالى على هيئة تختلف كليةً عن سائر المخلوقات، وخصه الله سبحانه بالنعمة العظمى؛ ألا وهي نعمة العقل


انتشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الفتوحات في الآفاق، وصحبهم كبار التابعين في فتوحاتهم، وتصدّر أهلُ العلم منهم للإفتاء؛ حيث اشتدت الحاجة إليهم؛ لحداثة عهد أهل البلاد المفتوحة بالإسلام.


إن تكريم الإنسان في الإسلام من أعظم التوجيهات التي حرص الإسلام على صيانتها وحمايتها من الجور والانتقاص الذي يمكن أن يلحقها؛ لقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]. فتفضيل الله تعالى للبشر تستتبعه مجموعة من الحقوق تتعلق بالإنسان، وعلى البشر أن يعملوا جاهدين على التوفية بآثار هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، وبالتأمل في هذه الحقوق نجد أنها تتوازن مع واجباتٍ تعبِّر عن نظرة الإسلام المتوازنة المنبثقة عن منظور العدل الذي يميز نظرة الإسلام للكون والحياة عن سائر الفلسفات الأخرى، ونجد أنها لا تقف عند حدِّ (الحق) في التَّمتُّع بالشيء من عدمه؛ كالحياة،


من العلوم التجريبية التي أسهمت فيها الحضارة الإسلامية بنصيب كبير علوم الطبيعة (الفيزياء)، وشأن كل العلوم بدأ المسلمون في استيعاب ما وصلت إليه الحضارات القديمة في هذا العلم، ثم ما لبث المسلمون حتى قاموا بالتجديد والتطوير والإضافات الفريدة التي قامت على أسس البحث التجريبي الصرف الذي كان لعلماء المسلمين فضل السبق في إرساء دعائمه. وكان من نتائج المنهج التجريبي لدى المسلمين استنتاج نظريات جديدة وبحوث مبتكرة في قوانين الحركة، والقوانين المائية، وقانون


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20