26 أكتوبر 2017 م

الاقتصاد في المعيشة

الاقتصاد في المعيشة

قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخيلَةٍ» أخرجه البخاري في "صحيحه" معلقًا بصيغة الجزم، والنسائي في "سننه" من طريق عمرو بن شُعَيب رضي الله عنه، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا.
مما هو معلوم أن الإسلام قد حضَّ على عدَّة تدابير؛ لعدم الوقوع تحت طائلة الظروف الاقتصادية الضاغطة. ومن أهم هذه التدابير: الاقتصادُ في المعيشة، التي من مقتضياتها: عدمُ التبذير، والتوسط في الإنفاق؛ فكان هذا الحديث النبوي الجليل.
قال الموفَّق عبد اللطيف البغدادي: [هذا الحديث جامعٌ لفضائل تدبيرِ الإنسان نفسَه، وفيه تدبيرُ مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة؛ فإن السرفَ في كلِّ شيءٍ يضر بالجسد ويضر بالمعيشة يؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس؛ إذ كانت تابعةً للجسد في أكثر الأحوال] اهـ.
ومما يؤيد أن حسنَ التدبير والاقتصاد في المعيشة يُذهِب الفقر ويجلب الرزق وتحصل معه البركة، ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ» أخرجه أحمد في "مسنده".
قال الـمُناوِيُّ: [أي: ما افتقر مَنْ أنفق قصدًا، ولم يتجاوز إلى الإسراف، والمعنى: إذا لم يبذر بالصرف في معصية الله، ولم يُقتِّر فيُضيِّق على عياله، ويمنع حقًّا وجب عليه، شحًّا وقنوطًا من خلف الله الذي كفاه المؤمن] اهـ.
ولقد جاءت مجموعة من الآيات القرآنية التي تحمل أمرًا إلهيًّا بالاقتصاد في العيش، وهو التوسُّط، من غير بخلٍ أو تقتيرٍ أو تقصيرٍ بالحقوق والواجبات، ومن غير سرفٍ أو تبذيرٍ في الإنفاق؛ منها قول اللهُ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]، ومنها قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْـمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۞ إِنَّ الْـمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 26-27]، ومنها أيضًا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
والسر في ذلك كما جاء في الآيات الكريمة أن الذي يُسرف ويُبذِّر في النفقة من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ وغيرِها، يقع في الحسرة والندامة، والحرج الشديد؛ لذهاب البركة من رزقه، ونفاد ما بيده، إضافة إلى النهي عن بسط اليد وكثرة الإعطاء فوق الطاقة، وإنما يكون ذلك في حقِّ من لا يستطيع الصبر على الكَفاف، فيقع بهذا البذل في الحسرة على ما خرج من يده مع حاجته إليه.
وأما من وثق بموعود الله عز وجل وجزيل ثوابه فيما أنفقه، مع صبره واحتماله، فغير مراد بالآية.
وقد أفاد بعض العلماء أن التبذير الذي جاء في الآية هو الإنفاق في غير حقٍّ، وهو يتأيَّدُ بالحديث الذي بين أيدينا، وبما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما موافقًا للحديث -فيما يرويه عنه ابن أبي حاتم بإسناده- قال: «أَحَلَّ اللهُ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخيلَةً»، وبما جاء عن مجاهد - فيما يرويه عنه ابن أبي حاتم بإسناده- قال: "لو أنفقت مثلَ أبي قبيس -يعني جبل أبي قبيس وهو أحد الأخشبين ويقع في الجهة الشرقية للمسجد الحرام- ذهبًا في طاعة الله لم يكن إسرافًا، ولو أنفقت صاعًا في معصية الله كان إسرافًا".
ولا يعني هذا الشح والتضييق على نفسه وعلى عياله مع ما أنعم الله عليه من نعم، بل قد جاء في الحديث النبوي: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» رواه الترمذي في "سننه"، وقال عَقِبَهُ: حديث حسن.
والسِّرُّ في أن الله سبحانه وتعالى يحب ظهور أثر نعمته على عبده -كما يقول صاحب فيض القدير-: [أنه من الجمال الذي يحبه، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن، فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليه، ولأجل محبته تعالى للجمال أنزل لعباده لباسًا يجمل ظواهرهم ويقوي تجمل بواطنهم فهو يحب لعبده التجمل حتى (في مأكله ومشربه).. حتى يرى أثر الجدة عليه وعلى من عليه مؤنته من زوجة وخادم وغيرهما قوتًا وملبسًا ومسكنًا، وغير ذلك مما يليق بأمثاله وأمثالهم عرفًا]. اهـ.
المصادر:
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري".
- "فيض القدير" للمناوي.
 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» متفق عليه. من الذنوب ما ضررُه عظيمٌ، وسوءُ أثره في المجتمع كبير؛ كالقتل والزِّنى وشرب الخمر والسرقة وشهادة الزور وقطيعة الرحم وأكل مال اليتيم. وهذا النوع يسمى بالكبائر لكبر المفسدة فيه، وللوعيد الشديد عليه، ولهذا النوع درجات بحسب الضَّرر الذي فيه، فكلما كانت دائرته أوسع كان في الكبر أدخل.


عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه. يعدُّ هذا الحديث قاعدةً من قواعد الإسلام؛ قال الإمام أبو داود السِّجسْتاني رحمه الله: [يدور -أي الإسلام- على أربعة أحاديث: ...، -منها- حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»] اهـ.


عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». قال في "فيض القدير" (2/ 321): [المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذَّبِّ عنه ناسٌ قليلون من أشياع الرسول، ونزاع القبائل فشرَّدوهم عن البلاد ونفورهم عن عقر الديار، يصبح أحدهم معتزلًا مهجورًا ويبيت منبوذًا كالغرباء ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد.


جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً». يبين الحديث الشريف أن الكامل في الخير والزهد في الدنيا مع رغبته في الآخرة والعمل لها قليل، كما


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58