06 فبراير 2019 م

الفطرة السليمة تشهد بوجود الله

الفطرة السليمة تشهد بوجود الله

التدين أصيل في النفس الإنسانية، قديم قدم البشرية، وقد كشفت بعض الدراسات التي أجريت في مجال علم النفس وعلم الأديان وغيرهما أنه ما من جماعة إنسانية عاشت على هذه الأرض إلا وكان لها دين ومعبود تتجه إليه بالعبادة والتقديس، وتضافرت هذه البحوث لتثبت أن عقيدة الإيمان بوجود "الإله الأعلى" كانت موجودة عند القبائل البدائية في أستراليا وإفريقيا وأمريكا، وكذلك عند الأجناس الآرية القديمة، وعند الساميين قبل الإسلام، وأنها امتدت لتشمل أقزام أواسط إفريقيا، حتى انتهت هذه البحوث إلى أن فكرة "الإله الأعلى" سادت عند جميع الشعوب الذين يعدون من أقدم الأجناس الإنسانية، مما دفع جمهورًا من علماء الأجناس وعلماء الأديان وعلماء النفس لصياغة ما يسمى بنظرية "فطرية التوحيد وأصالته".
وإن الناظر كذلك في تاريخ الحضارات في العالم عبر العصور كالحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية وحضارة بابل وآشور وغيرها لَيَجِدُ التدين مَلْمَحًا بارزًا من ملامح هذه الحضارات.
إن الفطرة هي المحرك الأساسي الذي دفع الإنسان عبر العصور للبحث عن خالقه ورازقه، فالتدين الذي عاشته تلك الشعوب هو مظهر من مظاهر هذه الفطرة التي ولَّدَت في الإنسان دائمًا الشعور بالقوة العليا التي خلقته وخلقت العالم كله، ولا زالت تدبر شئونه وفق الحكمة والإرادة، فتعلق الإنسان بها لكي تدفع عنه عوادي الزمن وتجلب له الخير في الحياة. وما حدث للإنسان من ابتعاد عن الله تعالى أو إشراك به فهو انحراف في الطريق وخطأ في الأسباب راجع إلى عوامل كثيرة؛ ولذلك مَنَّ الله تعالى على الناس بإرسال الرسل لتوجيههم إلى الطريق المستقيم.
إن معنى الفطرة أن الإنسان يُولَدُ مُلْهَمًا طريقَي الخير والشر؛ كما قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7-8]، مستعدًا لقبول الحق، ينسَاق إليه بأدنى تأمل، ويصل إليه بأقرب نظر، فيهفُو إلى خالقه، ويتعلق به، ويتقرب إليه. وهذا شيء مركوز في الإنسان، نظام عقلي أوجده الله في كل مخلوق وجبله عليه كما جبله على نظام جسدي مماثل. فَمَشْيُ الإنسان برجليه فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية لا ينكرها أحد.
ولذا كان هذا البحث الدؤوب عبر التاريخ من الفلاسفة وغيرهم في مبدأ هذا الكون ومصيره والسبب الذي وراءه، استجابة للأسئلة التي تفرضها عليهم الفطرة من أن هذا العالم لا يمكن أن يوجد نفسه، وأن هناك صانعًا قادرًا هو المدبر لهذا الكون، حتى قال الفيلسوف أرسطو بعد نظر وفكر كبيرين: "إنه يوجد حتما ذات أزلية قادرة على إحداث التغييرات. إن الخشبة الغُفْل التي لم تدخلها صنعة لا تتحرك بنفسها، ولكن بصنعة النجار". ونحن نأخذ من كلامه ما يؤكد فطرية التدين بقطع النظر عن خصوص عقيدته.
والقرآن الكريم يأخذ بيد الإنسان لكي يعود به إلى الفطرة السليمة التي خُلق عليها؛ قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]، وفي "صحيح الإمام مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ»، والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئًا للإسلام إذا لم تدخل عوامل الإفساد في حجبه عن فطرته.
وليس أبدع من تصوير القرآن الكريم أثر الفطرة السليمة في الاهتداء إلى الحق بهذا البيان الرائع في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه، وهو يوقظ في نفوسهم هذه الفطرة؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ۞ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ۞ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ۞ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ۞ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 75-79].
المراجع:
• "البراهين العقلية والنقلية على العقائد الإيمانية" لفضيلة أ.د/ عبد العزيز سيف النصر.
• "تفسير التحرير والتنوير" للشيخ الطاهر بن عاشور.
• "الدين" لفضيلة الشيخ عبد الله دراز رحمه الله تعالى.
• "الرسالة الخالدة" لعبد الرحمن عزام.
• "شرح الإمام النووي على صحيح الإمام مسلم".
• "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" لابن عطية.
 

إذا تأمل الإنسان في أطوار حياته عبر العصور، وما صاحب التقدم الزماني من عوامل تغير شملت مناحي حياة الإنسان، فإنه سيلاحظ أن ما يسخر له في الكون في كل مرحلة إنما يلائم احتياجات عصره ويوافقها، وسيعلم أن كل شيء بقدر، وإلا فلينظر إلى منتجات هذا العصر، ويبحث عنها نفسها في القرون الماضية، ويقارن مدى احتياج الناس إليها في كل زمان؛ ليعلم أنها لم تظهر إلا عندما احتيج إليها.


عقيدتُنا أن الله سبحانه وتعالى موجودٌ وجودًا أزليًّا لا أول له ولا بداية، فلم يسبق وجوده عدم، ولم يخلُ لحظةً عن الوجود.. فهو سبحانه الإله الواحد المعبود بحق، واجب الوجود الذي لا يجوز عليه العدم أزلًا ولا يجوز عليه العدم أبدًا.


الإنسان العاقل توقن نفسه بأنه صنعة الله تعالى الذي خلقه بقدرته، ووهبه الحياة وأسبابها، وهيأ له سبل العيش في هذا الكون الفسيح، وتوقن نفسه أيضًا بأن كل شيء في الكون من سماء وأرض ونجوم وأفلاك وبحار وأنهار وكائنات لا تحصى مفتقرة محتاجة في وجودها إلى الله تعالى الذي أوجدها من العدم.


أول الصفات الواجب اعتقادها في جانب الحق سبحانه وتعالى صفة الوجود؛ فلولا وجود الله ما وجد من العالم شيء، ولولا وجود الله ما تحرك ساكن ولا سكن متحرك، ولولا وجود الله ما بدأت حياة ولا انتهت أخرى، ولولا وجود الله ما انفلق عن الطين الضعيف شجر، ولا نبت في الشجر الجامد ثمر، ولا تعددت في البشر ألوانهم واختلفت ألسنتهم وتباينت آراؤهم وتنوعت أذواقهم وكلهم من جنس واحد وأفراد لنوع واحد.


إن العبد عبدٌ لا يتجاوز نقص العبودية، والرب ربٌ لا ينقص عن كمال الألوهية، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وحيث ثبت أن الله تعالى هو رب العالمين وأنه خالق كل شيء فلا سبيل إلى التعرف على ذاته وصفاته إلا بما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل عليه من كلام الله تعالى وهو القرآن وما أوحي إليه من السنة المشرفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58