16 أبريل 2019 م

الرفق بالعدو والصديق

الرفق بالعدو والصديق

 أظهرت شمائل هذا الدين الحنيف عجبًا في موقفها من العالمين، فما إن امتد شعاع الدعوة في عتمة الجاهلية ومست أنوار النبوة تلك القلوب المظلمة إلا وتحولت هذه القلوب بقوالبها إلى طاقة إيجابية تتعامل بالحب والرفق مع جميع المخلوقات على السواء.
تجسدت معاني الرفق في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى كان لسان حاله صلى الله عليه وآله وسلم مغنيًا عن المقال لولا أنه مأمور بالتبليغ؛ فكان مما خرج من مشكاة النبوة: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» أخرجه مسلم، فكان الرفق من أخص الأخلاق الإسلامية التي ضرب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيها للعالمين أعظم الأمثلة.
وإنما تختبر المكارم في الشدائد، سيما مع الْمُعادي الْمُعانِد؛ فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في الرفق بالمخالفين المعتدين في أشد حالات العداء والمواجهة، وهي حالة الحرب، فلم يعرف المسلمون في حروبهم التي خاضوها -دفاعا عن حمية الدين والدولة- التبديدَ والتخريبَ، لم يعرفوا التعذيب والإبادة، وإنما عرفوا أن رسولهم جاء رحمة للعالمين، فكان إذا بعث جيشًا من المسلمين إلى المشركين أمرهم -كما جاءت به الروايات الصحيحة- ألا يقتلوا وليدًا ولا طفلًا، ولا امرأةً، ولا شيخًا كبيرًا، ولا يؤذون عينًا، ولا يقطعون شجرةً.
بل إنه قد تقرر في أخلاق الحرب عند المسلمين من هدي النبوة ألا يمثلوا بجسد آدمي ولا بهيمة، وألا يغدروا، ولا يَغُلُّوا؛ كما ورد في "صحيح مسلم"، و"السنن الكبرى" للبيهقي، و"صحيح ابن حبان".
ولما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات الدفاعية، وقد اجتمع عليها الناس، قال صلى الله عليه وآله وسلم -مستنكرًا-: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ»، ثم أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يُقتل ذريةٌ ولا عسيفٌ. رواه أحمد.
ومن هذا نعلم أن الرحمة التي يتولد منها الرفق هي النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتجب ضوؤه عن موافق ولا مخالف، وأن الحرب في الإسلام لم تكن هجومًا ضاريًا وإنما كانت دفاًعا عاقلًا، وأنها لم تكن غاية بقدر ما كانت وسيلة للحفاظ على النفس والدين، وأن للبنيان البشري في الإسلام حرمةً وخطرًا وإن كان صاحبه مُكَذِّبًا للإسلام.
ولقد تجسد رفقه صلى الله عليه بالمخالفين حتى في معاملاته معهم؛ فتحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها: أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا -معتدين على الجناب الشريف-: السام عليك، فرد عليهم بكل رفق: «وَعَلَيْكُمْ». فلما تعجبت السيدة عائشة رضي الله عنها قال: «يَا عَائِشَةُ، لَمْ يَدْخُلِ الرِّفْقُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» رواه أحمد.
ولَمّا تألم الصحابة رضوان الله عليهم من إيذاء ثقيف لهم، وطلبوا من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعوا عليهم، قابل ذلك بالرفق فلم يدع عليهم وإنما دعا لهم وقال: «اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا» رواه الترمذي.
وما ذكرناه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواقفه في الرفق قاعدة عامة ومنهج عام يشمل العدو ويشمل الصديق من باب أولى، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الكمال البشري، فكان الرفق بالعدو والصديق كما ذكرنا من أخص أخلاق الإسلام.
المراجع:
- "صحيح مسلم" بشرح النووي.
- "صحيح البخاري".
- "مسند الإمام أحمد".
- "سنن الترمذي".
- "سنن البيهقي".

العفة في الجوارح هي إمساكها عن الحرام، وكفها عن كل ما لا يحلُّ وكل ما لا يَجْمُل من خوارم المروءة، وقد ذكرنا في مقال سابق أن الإسلام يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية، وأن المجتمعات التي تتمسك بالعفة مجتمعات مثالية.


مجالسة الناس أمر مباح في الإسلام إذا تحلت بالآداب الشرعية والأخلاق المرعية، وقد تكون مندوبة إذا قُصد بها تحصيل خير ندبه الشرع، وقد تصل إلى الوجوب إذا توقف عليها تحصيل واجب شرعي من جلب مصلحة أو دفع مفسدة؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينعزل عن أصحابه، ولم ينعزل عن مجتمعه، بل إنك لو راجعت سيرته العطرة صلى الله عليه وآله وسلم تجد أنفاسه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم في كل حدث تفوح بين الناس بدلائل الخيرات.


الإخلاص من القيم والأخلاق المهمة التي يؤدي افتقادها إلى بطلان العمل أو قلة بركته وضياع ثوابه، وفي خِضَمِّ مشاغل الحياة والرغبة في تأمين المعايش وموارد الرزق ينسى كثيرٌ من الناس صدق التوجه إلى الله، الخالق الرزاق القادر على كل شيء، فيعمل بعض الناس العمل من أجل إرضاء شخص له جاهٌ ويُنتظر منه جزاءً على العمل له، أو يلتزمون بشيء خوفًا من عقوبة تطالهم من سلطة أعلى منهم، لا خوفًا من الله ولا إخلاصًا في التوجه له وقصده بالعمل، وهذا شعور دقيق يتعلَّق بالنية، ويخفى على كثير


لا ينجح في هذه الحياة من لا يعيش بالأمل، ولا يُقَدِّمُ شيئًا نافعًا لنفسه أو لمجتمعه -فضلًا عن العالم الذي يعيش فيه- من يتملَّكُه اليأس، ومن هنا كان حرص الإسلام على توجيه أتباعه إلى ضرورة التحلِّي بالأمل الإيجابي ونبذ اليأس السلبي، وفي الوقت ذاته كان حرص الإسلام بنفس الدرجة على رفض الأمل الزائف غير الواقعي الذي يجعل الإنسان هائمًا في خيالات لا تَمُتُّ للواقع بصلة؛ فالإسلام يحض المسلمين على إدراك واقعهم والتفاعل معه وإصلاحه ونفع العالمين.


لا ينبغي للمسلم أن يكون جُلَّ همِّه أن يسعى لتحصيل لذائذ الدنيا والتَّمتُّع بما فيها من شهوات، بل عليه أن يكتفيَ من المتع التي أحلَّها الله له بالقدر المعقول والمشروع الذي به يتحقَّقُ ما يحتاجه من الضرورات


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :14
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 48
العشاء
9 :14