الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
16 أبريل 2019 م

الرفق بالعدو والصديق

الرفق بالعدو والصديق

 أظهرت شمائل هذا الدين الحنيف عجبًا في موقفها من العالمين، فما إن امتد شعاع الدعوة في عتمة الجاهلية ومست أنوار النبوة تلك القلوب المظلمة إلا وتحولت هذه القلوب بقوالبها إلى طاقة إيجابية تتعامل بالحب والرفق مع جميع المخلوقات على السواء.
تجسدت معاني الرفق في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى كان لسان حاله صلى الله عليه وآله وسلم مغنيًا عن المقال لولا أنه مأمور بالتبليغ؛ فكان مما خرج من مشكاة النبوة: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» أخرجه مسلم، فكان الرفق من أخص الأخلاق الإسلامية التي ضرب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيها للعالمين أعظم الأمثلة.
وإنما تختبر المكارم في الشدائد، سيما مع الْمُعادي الْمُعانِد؛ فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في الرفق بالمخالفين المعتدين في أشد حالات العداء والمواجهة، وهي حالة الحرب، فلم يعرف المسلمون في حروبهم التي خاضوها -دفاعا عن حمية الدين والدولة- التبديدَ والتخريبَ، لم يعرفوا التعذيب والإبادة، وإنما عرفوا أن رسولهم جاء رحمة للعالمين، فكان إذا بعث جيشًا من المسلمين إلى المشركين أمرهم -كما جاءت به الروايات الصحيحة- ألا يقتلوا وليدًا ولا طفلًا، ولا امرأةً، ولا شيخًا كبيرًا، ولا يؤذون عينًا، ولا يقطعون شجرةً.
بل إنه قد تقرر في أخلاق الحرب عند المسلمين من هدي النبوة ألا يمثلوا بجسد آدمي ولا بهيمة، وألا يغدروا، ولا يَغُلُّوا؛ كما ورد في "صحيح مسلم"، و"السنن الكبرى" للبيهقي، و"صحيح ابن حبان".
ولما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات الدفاعية، وقد اجتمع عليها الناس، قال صلى الله عليه وآله وسلم -مستنكرًا-: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ»، ثم أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يُقتل ذريةٌ ولا عسيفٌ. رواه أحمد.
ومن هذا نعلم أن الرحمة التي يتولد منها الرفق هي النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتجب ضوؤه عن موافق ولا مخالف، وأن الحرب في الإسلام لم تكن هجومًا ضاريًا وإنما كانت دفاًعا عاقلًا، وأنها لم تكن غاية بقدر ما كانت وسيلة للحفاظ على النفس والدين، وأن للبنيان البشري في الإسلام حرمةً وخطرًا وإن كان صاحبه مُكَذِّبًا للإسلام.
ولقد تجسد رفقه صلى الله عليه بالمخالفين حتى في معاملاته معهم؛ فتحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها: أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا -معتدين على الجناب الشريف-: السام عليك، فرد عليهم بكل رفق: «وَعَلَيْكُمْ». فلما تعجبت السيدة عائشة رضي الله عنها قال: «يَا عَائِشَةُ، لَمْ يَدْخُلِ الرِّفْقُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» رواه أحمد.
ولَمّا تألم الصحابة رضوان الله عليهم من إيذاء ثقيف لهم، وطلبوا من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعوا عليهم، قابل ذلك بالرفق فلم يدع عليهم وإنما دعا لهم وقال: «اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا» رواه الترمذي.
وما ذكرناه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواقفه في الرفق قاعدة عامة ومنهج عام يشمل العدو ويشمل الصديق من باب أولى، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الكمال البشري، فكان الرفق بالعدو والصديق كما ذكرنا من أخص أخلاق الإسلام.
المراجع:
- "صحيح مسلم" بشرح النووي.
- "صحيح البخاري".
- "مسند الإمام أحمد".
- "سنن الترمذي".
- "سنن البيهقي".

تفرض الأخوَّة في الدين أن يبذل المرء ما يحب من أجل إسعاد غيره، فيزداد الحب بين أفراد المجتمع، ويترابط أفراده بعُرىً وثقى، فيصير المجتمع قويًّا عفيًّا متوادًّا متعاونًا، وذلك هو خلق الإيثار الذي هو أحد أخلاق المسلمين وصفة من صفاتهم السلوكية؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]


الحِلم من الأخلاق الفاضلة الراقية التي حثَّ عليها الإسلام، ورغَّب فيها؛ ذلك أنه من بواعث انتشار المحبة والودِّ والتراحم بين الناس، ومنع أسباب النزاع والخصام بينهم؛ قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]. وجعل الله الجنة جزاءً لهذا الخلق الرفيع؛ قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134].


اليقين من الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، وبه يزداد المسلم قربًا من الله تعالى متوكلًا عليه زاهدًا فيما عند الناس، كما أنه يجعل صاحبه عزيز النفس، صادقًا مع الله مخلصًا في عبادته، مترفعًا عن مواطن الذلة والهوان، ومن علاماته: قلة مخالطة الناس رغبة فيهم واحتياجا إليه، وترك مدحهم عند العطاء، وترك ذمهم عند المنع، والتوكل عليه سبحانه والرجوع إليه في كل أمر. وقد ورد في السنة النبوية المطهرة ما يدعونا إلى اليقين وأن ثوابه الجنة إن شاء الله، فعن شَداد بْن


لا يعيش المسلم في هذه الحياة من أجل أن يتمتع ويتلذذ في هذه الحياة وحسب، وإن كان من حقه أن يشعر بالمتع واللذات التي هي من متطلبات البشر وحاجاتهم في الدنيا، وأن يُري أثر نعم الله الدنيوية عليه، لكن ليس هذا هو الأساس الذي تقوم عليه حياته. يدرك المسلم أنه خلق في شدة وعناء يكابد أمر الدنيا ومسؤولياتها؛ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]. حين يدرك المسلم هذا التصور لخلقه، ويؤمن بالجزاء والحساب، يترسخ لديه شعور بأنه في رحلة مؤقتة، وأنه لم يأتِ إلى هذه الدنيا من أجل الدَّعَةِ والراحة، وإنْ كان يمكن أن ينال قسطًا منها يُعينه على


البِرُّ كلمةٌ جامعةٌ لخصال الخير، أقوالًا كانت أم أعمالًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رواه مسلم


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20