18 مايو 2022 م

وسائل التواصل بوابة لظاهرة الطلاق

وسائل التواصل بوابة لظاهرة الطلاق

باتت زيادة معدلات الطلاق في الآونة الأخيرة معضلة كبيرة تؤرق المجتمعات وتهدد أمنها القومي واستقرارها، وهي باعتبارها ظاهرة من الظواهر الاجتماعية التي تتأثر وبصورة مباشرة بوسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة (الفيس بوك والواتس آب) التي تتسع دائرة انتشارها بشكل كبير بين مختلف الطبقات والأعمار والمناطق في مصر بواقع أكثر من 38 مليون شخص، منهم 14 مليونًا من الإناث، و24 مليونًا من الذكور (وفق آخر إحصاء).

نعم، لقد أصبح إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها أحد العوامل المسببة لزيادة حالات الطلاق -طبقًا لما أثبتته عدة دراسات اجتماعية وإحصائية- بمعدل 27% من حالات الطلاق؛ حيث انكفأ كلُّ واحد من الزوجين أغلبَ أوقاته على جهازه وعالمه الافتراضي الخاص الذي تتميز العلاقات فيه بالوهمية، واتخذه متنفسًا له في تعدد العلاقات والصداقات، ونشر مختلف أحوال حياته وشئونه الخاصة.

ولا يخفى أن عدم الانضباط الشائع على استعمال هذه المنصات انعكس سلبًا على المجتمعات خاصة الحياة الزوجية؛ فقد تسبب في تفكك أُسَر كثيرة نتيجة سهولة قيام بعض الأزواج بتطليق زوجاتهم عبر هذه الوسائل لمجرد أسباب بسيطة دون دراية بعواقب ذلك، وهو أمر خطير يتعين دراسته بكامل تفاصيله ومن جميع جوانبه التكنولوجية والثقافية والفقهية، كما أن من أثر ذلك أيضًا تراجعت العلاقة العاطفية بين الزوجين في مقابل تمدد الانعزال وازدياد النفور والإهمال، وهي أمور تتعارض من كل وجه مع مقاصد الحياة الزوجية وضرورات استمرارها كأرض خصبة ملكيتها خاصة للزوجين، والتي تستوجب أن يتشاركا معًا في زراعتها ونماء غرسها -وهم الأبناء- في حب ومودة مع بذل ما في وسع كل طرف للمحافظة على الطرف الآخر والإقبال عليه والاختلاط به وتحقيق سلامته والابتعاد عن الإضرار به؛ قيامًا بمسئوليتهما التي كشف عنها صلى الله عليه وسلم بقوله في جوامع الكلِم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» "متفقٌ عليه".

كذلك يؤثر انعزال كلٍّ من الزوجين بعالمه الافتراضي التي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي في شيوع الشعور بالحرمان من الحب والألفة والمودة بين الزوجين رغم وجودهما في مكان واحد كثيرًا من الوقت، وأحيانًا كثيرة يغري إتاحة النشر على هذه الوسائل بصورة سهلة ومتوفرة في أي وقت أحد الزوجين على عرض حياته اليومية بكتابة شئونه الخاصة والتحدث مع الغرباء بخصوصها والإفصاح عن مكنوناته؛ بل قد يتضمن بعضها إفشاء الأسرار الزوجية دون مراعاة لما قد يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الحياة الزوجية.

وهذه الأمور من شأنها أن تُطوى ولا تحكى ففي إشاعاتها فساد عظيم، وفي المثل الشائع: "البيوت أسرار"؛ فهي تسبب تصدع العلاقة الزوجية وإحداث الحرج لعزة الطرف المقول في حقه وكرامته، والسماح للغرباء بالتدخل وتغذية الأطراف ضد بعضهما بما يُهدد كيان الأسرة واستقرارها.

كما يدفع بعضَ الأزواج الفضولُ والشعورُ بالغيرة إلى تتبع أسرار الطرف الآخر مع سوء الظن والتنصت والتفتيش حول الخصوصيات، وهو ما عدَّه الشرع الشريف سلوكًا سيئًا؛ لتضمنه انتهاك الحرمة والخصوصية، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ، أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» "سنن أبي داود".

إن وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر سلاحًا ذا حدين، حيث أصبحت بوابة مباشرة للطلاق؛ فاستخدامها بصورة غير صحيحة يمثل أحد مناطق افتعال المعارك والخلافات بين الزوجين وأحد العوامل المباشرة في زيادة أعداد الطلاق، مما يستوجب أخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن الاستخدام السلبي لها وعدم الاغترار بعالمها الافتراضي والمزيف، بل الأولى أن يحدد كل من الزوجين أولوياته وأن يحرص على الاقتراب من شريكه بصورة أكثر، مع فتح قنوات اتصال حقيقية داخل الأسرة خالية من التجريح والاستخفاف حتى يمكن تجنب الآثار السلبية لهذه الوسائل التي تهدد استقرار الأسرة.

تحيط بالحياة الأسرية بين الزوجين تحديات جسام ومواقف متتالية تحتاج إلى التفاف كِلَا الزوجين حول أنفسهما بسلامة ونقاء قلب، فيمسك كل طرف بالآخر لمواجهة هذه الصعاب جنبًا إلى جنب بما يحقق سعادتهما، ويؤكد نجاح الاختيار لكل منهما في شريك الحياة المناسب.


تُمثِّل الأسرةُ نواة المجتمع الإنساني الأصليَّة التي تضمن استمرارَه في الوجود، من وقت أن ظهرت في شكلها الأوَّل بين أبينا آدم وأمِّنا حواء عليهما السلام؛ كما في قوله تعالى لهما على سبيل الامتنان: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 35].


العنف ضد الرفق واليسر والسهولة، ويشمل كل فعل ونمط سلوكي يلحق الأذى بالنفس أو بالغير؛ سواء كان حسيًّا أو معنويًا، مباشرًا أو غير مباشر، ظاهرًا أو مستترًا، باللفظ أو الفعل.


من مقومات الحياة الأسرية السعيدة تفاهم الزوجين واتفاقهما المشترك حول كافة المعاملات، وبخاصة المعاملات المالية؛ فتكون مبنيةً على أسس واضحة وصحيحة بما يضمن استمرار الحب والتراضي والمودة بين جناحي الأسرة.


مر على زواجهما خمسة عشر عامًا، وعاشا معًا رحلة الحياة بحلوها ومرها، وسعدا بأطفالهما يكبران أمام أعينهما يومًا بعد يوم، ثم حدث الزلزال الذي قلب الحياة رأسًا على عقب؛ إذ لاحظت منذ عدة شهور تغيرًا ما في تصرفاته وتعاملاته معها، إذ أصبح لديه شيء من الغموض لم تعتدْه منه، بجانب بعض الفتور في علاقتهما بوجهٍ عام، وكثرة أسفاره بلا سبب مقبول، وتهربه من البيت كلما سنحت الفرصة، واختلائه بتليفونه المحمول أكثر من المعتاد، وحرصه على أن يكون في جيبه وأخذه معه في الحمام، أو الحديث بصوت هامس، أو الذهاب للبلكونة لإتمام المكالمات.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57