18 مايو 2022 م

القوامة

القوامة

جعل الله تعالى على الزوجين واجبَ رعايةِ الأسرة واستقرار الحياة الزوجية بينهما؛ وذلك من خلال شعور كليهما بالمسئولية في الواجبات والآداب اللازمة تجاه بعضهما؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، وَالْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.

ومن الثابت بالنص الشريف أن الرجل في إطار العلاقة الزوجية تثبت له القوامة؛ وذلك بقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]، وهي تعني مسئولية الرجل عن الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد إن وجدوا، ولا ترتب بحالٍ حقًّا يتسلط به الرجل على المرأة، فاللغة لا تساعد على استنتاج هذا المعنى من لفظ القوامة المذكور في الآية الكريمة، لأن (قوَّام) بالتشديد يعنى القائم على حقوق الله تعالى؛ كما جاء في "القاموس المحيط"، والـ(قوَام) بالتخفيف يعنى العدل وسطًا بين الطرفين؛ كما جاء في "القاموس" أيضًا، فعلى هذا كله لا تنتج القوامة تسلطًا واستعلاءً، بل تنتج قيامًا على الحق وعدلًا في تولي الأمر، وكل ذلك يدخل في مضامين المسئولية والولاية، فهل القائم على حقوق الله تعالى أو على الحقوق جميعًا يمكن أن يفهم أنه بذلك تسلط على هذه الحقوق، أو الأدق أن يقال إنه أضحى مسئولًا عن هذه الحقوق بكل تفاصيلها.

فعلى هذا كله  باعتبار أن اللغة هي التي يفهم بها النص الشرعي، يمكن أن نقول في طمأنينة إن مفهوم القوامة الزوجية وحقائقه يدور حول قيادة الأسرة وضبط أمورها وانتظام شئونها في رشد، ويلاحظ أن الشرع الشريف حينما شرع مبدأ القوامة شرع إلى جانبه مبدأ المساواة؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَـهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 228]، وهو يقرر أن أهلية المرأة كأهلية الرجل تمامًا بتمام أمام تشريعات الحقوق والواجبات وأحكامها، وأيضًا أمام تشريعات الجزاء وأحكامها، بل علَّق صحَّة الزواج على إذن المرأة ورضاها سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، كما عالج الشرع الشريف ما قد ينتج عن ذلك من تصرفات سيئة لبعض الرجال بسبب الفهم الخطأ لمفهوم القوامة؛ حيث يعنى لديهم النظرة الدونية للمرأة وما يتبع ذلك من السيطرة والتسلط وعدم الاحترام والتقدير؛ حيث يأتي التأكيد على وجوب معاملة المرأة بالحسنى وعدم الإساءة إليها بالقول والفعل، ومشورتها في أمور الحياة الزوجية، حتى ولو كانت في أمر فطام الولد من الرضاعة، فضلًا عن احترام حقها في إدارة خصوصيتها كما تحب، وعدم تقييد حرية تصرفها فيما يدخل تحت ذمتها المالية؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: 20]، ويستثنى من ذلك ما كان عن طِيبِ خاطر منها؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: 4].

وبذلك يعكس مبدأ "القوامة الزوجية" التوازنَ الحكيم في توزيع الأدوار والمسئوليات بين الزوجين في داخل الأسرة وخارجها على نحو منضبط يراعي الفروق البيولوجية والنفسية بين الجنسين؛ حتى يتمكن كل منهما من أداء واجباته تجاه الآخر بما يلائم فطرته وخِلْقتَه، وأن ما اختص به الزوج من أحكام هو من قبيل الفضل الوظيفي، وهو هكذا بالنسبة للمرأة؛ ولذا كان الحث على ألا يتمنى أحدهما مميزات الآخر؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32]، فالقوامة تكليف وواجب.

***

أَوْلَى الإسلام أمر الأسرة بالعناية والرعاية؛ فأحاطها بسياج محكم يشمل كل جوانب الإنسان؛ حيث ينشأ مع العقيدة ويسري في التعبُّد ووسائل التقرُّب إلى الله تعالى، فضلًا عن كشفه سمات طريقة بناء الأسرة المثالية عبر مراحلها المختلفة، مع ضبطٍ متين لممارسات الأسرة وتفاعلات أفرادها وفق جملةٍ من الشروط والمعايير الشرعيَّة والعرفية.


أرشد الله تعالى كلًّا من الزوجين إلى ضرورة زيادة مساحة التفاهم والتشاور ومد جسور التواصل ودعم مسيرة التراحم والتوافق الزوجي بينهما؛ انطلاقًا من مسئولية كل واحد منهما في الأسرة التي وردت في التوجيه النبوي الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.


يُعَدُّ التعاون الصادق المثمر من أقوى دعائم الحياة الاجتماعية السليمة، بل إنه يحتل أولوية في المبادئ الأسرية الملحوظة في مفهوم الزواج قبل أن يكون واقعًا؛ حيث يقتضي الاجتماع الحاصل بقيام الزوجية التعاون بين الجانبين بالقدر الذي تقوم به حياتهما معًا مع الإبقاء على سعادتهما واستمرارها، فضلًا عن تقرير الحقوق والواجبات وتوزيعها.


تُعَدُّ الأسرة النواة الأصيلة للمجتمع، ومن خلالها تنمو المواهب الصالحة والمهارات النافعة؛ فهي الخلية الحية في بنائه وكيانه، ودورها في تربية أفرادها لا يقتصر على الرعاية المادية وتوفير الاحتياجات الجسدية فقط، بل هي المدرسة الأولى التي يتشرب منها الفرد خصائصه الأولى، ويتأثر بمبادئها وسلوكياتها العمليَّة وينطبع بطابعها وسماتها.


غرس الشرع الشريف جذورًا إنسانية وشرعيَّة جعلت للأمومة خاصة وللمرأة عامة عند المسلمين معنًى رفيعًا له دلالته السامية في تراثهم الديني وموروثهم الحضاري والثقافي؛ فالأم لبنة قوية في الصلات العائلية الـمُكَوِّنة لأصل نظام الاجتماع البشري عبر العصور.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57