الإثنين 03 نوفمبر 2025م – 12 جُمادى الأولى 1447 هـ
31 يناير 2024 م

لماذا عاش كثير من الصحابة رضي الله عنهم بفلسطين؟

لماذا عاش كثير من الصحابة رضي الله عنهم بفلسطين؟

شهد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم المسجدَ الأقصى باعتباره قبلةً يصلون إليها قبل أن تتحول القبلة إلى بيت الله الحرام، فلم تكن مقولة (أولى القبلتين) بالنسبة لهم حدثًا نقله تاريخ الإسلام إليهم، بل كان ذلك بالنسبة لهم واقعًا يعيشونه، ونسيمًا صافيًا يتنفسون وينهلون من هوائه الصافي.

كما أنَّ الصحابة رضي الله تعالى عنهم قد عاينوا معجزة الإسراء والمعراج التي كان المسجد الأقصى المبارك من أهم معالمها، وقد كان لهذه المعجزة وقْعٌ في قلوب جميع الناس آنذاك، مسلمين كانوا أو غير مسلمين؛ لما اشتملت عليه هذه المعجزة آيات ومواقفَ خارقة لعادة العقل البشري، بل ويصعب على العقل أن يتصورها أصلًا.

وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حدَّث الصحابةَ رضي الله عنهم عن فضائل هذا البيت المُكرم، وعن فضل الصلاة فيه، وعن درجاتها، وغير ذلك.

ويُضاف إلى ذلك: أن فتح هذا البيت بالنسبة للصحابة كانت أمنية يرجون تحقيقها، وهدفًا يرغبون في الوصول إليه، وبشرى من البشريات النبوية التي ظلوا ينتظرونها، ويعملون على تحقيقها، وقد حصل ذلك لهم بالفعل في عهد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه.

ومن هنا فقد اجتمعت الدوافع القوية التي تجعل الصحابة الكرام يتعلقون بهذه البلاد الكريمة، وترتبط قلوبهم بها، فإن مكانته في قلوبهم مُستمدةٌ من جوانب عديدة ومزايا كريمة؛ ولأجل ذلك فليس من العجيب أن نرى الصحابةَ الكرام تهفوا نفوسهم إليه، وتميل قلوبهم نحوه، وتسري أرواحهم تجاهه.

ومن أعظم هذه الدوافع إشارةُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بأن يعيشوا بفلسطين؛ فقد روى الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" عن ذي الأصابع -ثوبان بن يمرد- رضي الله عنه قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكُمْ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَيَرُوحُونَ»، ولهذا كان الصحابة الذين عاشوا بهذه الأرض الطيبة أكثر من الحصر؛ قال العلَّامة أبو مجير العُليمي رحمه الله: «وأما من دخل بيت المقدس من الصحابة رضي الله عنهم فهم خلقٌ كثيرٌ لا يُحصيهم إلا الله».

ولقد كان للصحابة الذين عاشوا ودُفنوا بفلسطين في اختيارهم هذا المكان موطنًا لهم في الحياة والممات، القدوةُ والأسوةُ في آبائهم من السادة الأنبياء الكرام -عليهم أزكى الصلاة وأتم السلام- الذين عاشوا ودُفنوا على أرض فلسطين الحبيبة.

 المراجع:

  • الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 2/ 807، ط. دار الجيل.
  • أسد الغابة، 3/ 158، ط. دار الفكر.
  • البداية والنهاية لابن كثير (3/ 137، ط. دار إحياء التراث العربي).
  • الأنس الجليل، لمجير الدين العُليمي 1/ 264، ط. مكتبة دنديس.

الثابت تاريخيًّا أن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام استقرَّ في آخر حياته بفلسطين ودُفن بها، وقد اختُلف في موطن ولادته؛ فقيل: وُلِدَ بِالسُّوسِ من أرض الْأَهْوَازِ. وقيل: ولد بِبَابِلَ. وقيل غير ذلك. ولكن المتفق عليه أنه تنقَّل كثيرًا بين بلدان متعددة؛ منها: مصر، والحجاز، والشام، وغيرها، وكانت فلسطين هي مستقرَّ وموطنَ إقامة نبي الله إبراهيم عليه السلام الأخير.


من الصحابة الكرام الذين عاشوا وأحبوا فلسطين وكان لهم أثرٌ في فتحها وإنارتها بالعلم والنور: الصحابيُّ الجليل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، وهو أبو أمامة صُدَيُّ بنُ عَجلان بن الحارث، وكنيته "أبو أمامة" من بني سهم، وغلبت عليه كُنيته، وقد كان للوقت الذي عاشه بفلسطين أثرٌ واضح وقيمة بارزة؛ وذلك لأنه كان من المُكثرين لرواية الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وقد حجَّ مع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حجةَ الوداع وكان عمره آنذاك ثلاثين عامًا، وكان من أطول الصحابة عمُرًا رضي الله عنه؛ فهذه الأشياء جعلت أهل فلسطين يستفيدون من وجود سيدنا أبي أمامة ببلادهم؛ ولهذا كان من أهم الصحابة الذين عاشوا بهذه البلاد العامرة.


سيدنا واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر بن عبد العُزَّى الليثي رضي الله عنه، من الصحابة الكرام الذين عاشوا بأرض فلسطين، متحققًا في ذلك بنصيحة سيدنا رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الواردة فيما رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" عن ذي الأصابع -ثوبان بن يمرد- رضي الله عنه قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ الله إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكُمْ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَيَرُوحُونَ»، وشأنه في ذلك شأن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهو مع كونه كان يسكن بقرية البلاط -من قرى غوطة بدمشق- وقبلها المدينة المنورة، حيث شَرُفَ واثلة بخدمة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ثلاث سنوات إلا أنه اختار فلسطين موطنًا ومُستقرًّا له بعد ذلك.


من الصحابة المبرزين الذين عاشوا في فلسطين الحبيبة وأقاموا بها، سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي هو أحد النقباء الاثني عشر، وقد شهد بيعتي العقبة، وشهد بدرًا وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وآخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين أبي مرثد الغنويِّ رضي الله عنه، وكان من كبار الصحابة.


صلةُ نبي الله داود عليه الصلاة والسلام بفلسطين قائمةٌ على أساس أن الله تعالى قد جعله خليفته في أرض بيت المقدس، ويظهر في كونه خليفةً لله تعالى في هذه البلاد أن في ذلك إشارة واضحة إلى تخصيص الله تعالى وإكرامه لهذه البلاد، فهي بهذا محل أنظار الله تعالى ورضوانه منذ زمن بعيد.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 03 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :42
الشروق
6 :10
الظهر
11 : 38
العصر
2:44
المغرب
5 : 6
العشاء
6 :25