31 يناير 2024 م

سيدنا شدادُ بن أوس رضي الله عنه

سيدنا شدادُ بن أوس رضي الله عنه

من الصحابة الذين اتجهوا إلى فلسطين سيدنا شدادُ بن أوس الأنصارِي الخَزْرَجِي رضي الله عنه، ولا شك في أن مجيئه إلى دولة فلسطين مما يزيدها بهاءً، وليس ذلك لأنه من أعلام الصحابة الكرام فحسب، بل لأنه كان رضي الله عنه مِن الاجتهاد في العبادة على جانب عظيم، وكان إذا أخذ مضجعه -تعلَّق على فراشه وتقلَّب عليه- يقول: اللهم إن خوف النار قد أقلقني، ثم يقوم إلى صلاته. وقد قال عبادة بنُ الصامت: كان شدادٌ من الذين أُوتوا العلم والحلم. وقال أبو الدرداء: إن الله عز وجل يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم، ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم، وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم.

وإن البلاد بصفة عامة تزداد بركة حينما يسكنها أهل العلم والحلم والفضل، فما بالنا ببلادٍ هي أصلًا مباركة بفضل الله تعالى، لا خلاف في أن هذه البركة تكون مُضاعفة.

وقد كان نزول سيدنا شداد في فلسطين وسكنه بها له إضافة أخرى، وهي أنه كان إمامًا لبيت المقدس، وإن ذلك كان عاملًا من عوامل الخير، فحينما يؤمُّ الناسَ في هذا البيت المعمور أحدُ أهم وأشهر علماء الصحابة الكرام فإن ذلك يكون من العلامات الظاهرة التي يسطرها التاريخ في صفحاته بأحرف من نور.

ومما أحبُّ أن أشير إليه هو أن سيدنا شداد بن أوس رضي الله عنه ممن اشتهروا بسكناهم ونزولهم إلى أرض فلسطين، فكثير من الناس قد يعيش في بلد لكن لا يكون ذلك مشهورًا عنه؛ وإنما يرجع ذلك لأسباب عدة، ولعل أهم هذه الأسباب هو العلم الغزير والصفات الحسنة التي كان يتمتع بها سيدنا شداد، وأيضًا أنه كان إمامًا لبيت المقدس، فهذه الأشياء مما تزيد أثرَ وتأثرَ الإنسان بالمكان الذي ينزل ويعيش فيه.

وقد توفي سيدنا شداد بفلسطين في أيام سيدنا معاوية رضي الله عنهما في سنة ثمان وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقد يكون دفنه بفلسطين أيضًا عاملًا من عوامل اشتهار سكناه بهذه البلاد المقدسة.

المراجع:

  • البداية والنهاية، لابن كثير، 8/ 87، ط. دار الفكر.
  • الطبقات الكبرى، لابن سعد، 7/ 401، ط. دار صادر.
  •  الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، 2/ 694، ط. دار الجيل.
  • سير أعلام النبلاء، للذهبي، 4/ 87، ط. دار الحديث.
  • معرفة الصحابة، لأبي نعيم، 3/ 1459، ط. دار الوطن.

الثابت تاريخيًّا أن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام استقرَّ في آخر حياته بفلسطين ودُفن بها، وقد اختُلف في موطن ولادته؛ فقيل: وُلِدَ بِالسُّوسِ من أرض الْأَهْوَازِ. وقيل: ولد بِبَابِلَ. وقيل غير ذلك. ولكن المتفق عليه أنه تنقَّل كثيرًا بين بلدان متعددة؛ منها: مصر، والحجاز، والشام، وغيرها، وكانت فلسطين هي مستقرَّ وموطنَ إقامة نبي الله إبراهيم عليه السلام الأخير.


تفضَّل الله تعالى على أرض فلسطين وخصها بمجموعة من المزايا والخصائص، وأكرمها بكثير من العطايا والهبات: فمنها أن جعلها مَسْرَى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجَه، ومنها أن قَدْ أمّ صلى الله عليه وآله وسلم جميعَ أنبياء الله تعالى فيها، ومنها أنه تعالى جعلها أرضًا مباركة كما أخبر عن ذلك في كتابه العزيز: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، ومنها أنَّ أكثرَ الأنبياء عليهم السلام قد بُعثوا منها وانتشرت شرائعهم وآثارُ بركتهم وطاعتهم لله تعالى فيها، فلا مراءَ في أن أرضًا يسكن بها أنبياء الله ورسله لابد أنها تشتمل على قدُسية وفضائل وهبات من الله تعالى.


منذ فجر التاريخ وبلاد فلسطين المباركة أرض تقتبس من أنوار الأنبياء الذين وُلِدُوا بها، وعاشوا على تُرابها الذكي، ودُفِنُوا بها، ومن هؤلاء الأنبياء الذين شَرُفَت بهم أرض الأنبياء أرض فلسطين: الكريمُ بن الكريم نبيُّ الله إسحاقُ بن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.


شهد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم المسجدَ الأقصى باعتباره قبلةً يصلون إليها قبل أن تتحول القبلة إلى بيت الله الحرام، فلم تكن مقولة (أولى القبلتين) بالنسبة لهم حدثًا نقله تاريخ الإسلام إليهم، بل كان ذلك بالنسبة لهم واقعًا يعيشونه، ونسيمًا صافيًا يتنفسون وينهلون من هوائه الصافي.


من الصحابة المبرزين الذين عاشوا في فلسطين الحبيبة وأقاموا بها، سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي هو أحد النقباء الاثني عشر، وقد شهد بيعتي العقبة، وشهد بدرًا وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وآخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين أبي مرثد الغنويِّ رضي الله عنه، وكان من كبار الصحابة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57