04 فبراير 2024 م

سيدنا داود عليه السلام

 سيدنا داود عليه السلام

من الأنبياء الذين ازدادت بهم فلسطين الغالية بركةً وفضلًا وقداسة نبي الله سيدنا داود عليه السلام؛ لأنه من أكابر الأنبياء وأشهرهم، وهو من نسل الخليل عليه السلام، وقد اختصه الله تعالى بجملة من الخصائص، منها: أنه تعالى ورَّثه ملك طالوت، وآتاه الزبور، وتفضل عليه بالحكمة وفصل الخطاب، وعلمه صنعة الحديد وألانه له، وسخر له الجبال والطير بالتسبيح معه، وجعله خليفته في أرض بيت المقدس التي ولد وعاش فيها على أرجح الأقوال.

ومن أكثر الأنبياء أثرًا في هذه البلاد المطهرة هو سيدنا داود عليه السلام؛ لأنه أسس في مدينة القدس مملكةً عظيمة قائمة على توحيد الله، وجعل فيها المعبد الذي أقيم المسجد الأقصى على طرفٍ منه، وهذا بعد أن قتلَ جالوتَ وآل إليه ملك طالوت؛ قال تعالى ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: 251]؛ فجمع الله له فيها بين "الملك" الذي كان بيد طالوت، "والحكمة" أي: النبوة، ولكن داود عليه السلام توفاه الله قبل أن يتم بناء ذلك المعبد، وأتمه من بعده ولدُه نبي الله سليمان عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم.

ومما يُروى أن سيدنا داود عليه السلام هو الذي شرع في تأسيس المسجد الأقصى، وأن الله قد توفاه قبل أن يتمم البناء، وأنه قد أوصى إلى ولده سليمان بأن يتمه. ويرى بعضهم أن داود عليه السلام لم يبن المسجد الأقصى ولم يشرع في بنائه، ولكنه حدد المكان الذي سيُبنى فيه؛ وذلك حينما أصاب القوم في زمانه طاعون جارف، فخرج بهم عليه الصلاة والسلام إلى موضع بيت المقدس، يُقال: إنه كان يرى الملائكة تعرج من هذا المكان إلى السماء، فلهذا قصدوه ليدعو الله فيه أن يرفع الله عنهم ذلك الطاعون الجارف، فلما وقف عليه السلام موضعَ الصخرة رفع يده إلى الله تعالى وسأله أن يكشف عنهم هذا الطاعون، فاستجاب الله تعالى له، ورفع عنهم الطاعون، فاتخذوا ذلك الموضع الطاهر مسجدًا، وهذه من العجائب التي كانت لنبي الله داود عند المسجد الأقصى.

وعاش نبيُّ الله داود عليه السلام على أرض فلسطين، واستوطن مدينةَ القدس منها، ويروى أن ملك الموت أتاه وهو نازل من محرابه، فلما علم أنه قد أتى ليقبض روحه، خرَّ ساجدًا لله، فقُبِض وهو على ذلك، ودفن بالكنيسة المعروفة بالجسمانية شرقي بيت المقدس في الوادي، وهذا مما يزيد مدينة القدس شرفًا ورفعة على شرفها ورفعتها.

ولـمَّا كانت مكانة سيدنا داود عليه السلام بارزةً بين الأنبياء وتحدث عنه القرآن الكريم في مواضع، كانت آثاره في هذه البلاد العريقة من المعالم المشهورة، والتي اهتم بها المسلمون جيلًا بعد جيل، ومنها: محراب داود عليه السلام، والمعروف اليوم بمقام داود، وهو كما قال أبو شامة المقدسي: مثابة الصالحين ومزار الغادين والرائحين، ومنها كذلك: أحد أبواب تلك المدينة والذي يُسمى بـ"باب داود"، وهو من الأبواب الحصينة المنيعة لتلك المدينة قديمًا، يقع في السور الجنوبي للمدينة المباركة، في الواجهة الغربية من ساحة المسجد الأقصى المبارك، ويُعَدُّ من الأبواب الرئيسة التي تؤدي إليه.

فمن هذا كله يظهر أن هناك علاقة وطيدة وصلة روحية ظاهرة البركة بين نبي الله داود عليه السلام وبين مدينة القدس المباركة.

المراجع:

  • البداية والنهاية، لابن كثير،12/ 398، ط. دار إحياء التراث العربي.
  • قصص الأنبياء، لابن كثير، 2/ 265، ط. دار التأليف.
  • البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان، لعماد الدين الكاتب، ص: 72، ط. المكتبة العصرية.
  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 1/ 198، ط. دار الكتاب العربي.
  • مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، 2/ 180، ط. دار الرسالة العالمية.
  • البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي، 4/ 88، ط. مكتبة الثقافة الدينية.
  • الروضتين في أخبار الدولتين، لأبي شامة المقدسي، 3/ 400، ط. مؤسسة الرسالة.

مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.


ليس من الغريب على بيت المقدس أن يغتصبه الغاصبون وأن يعتدي عليه المعتدون، فمن الذين فتحوا بيت المقدس وحرروه من أيدي الغاصبين الجبارين: نبيُّ الله يوشع بن نون المتصل نسبه بنبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن الخليل إبراهيم عليه السلام، فتى موسى، وأحد تلاميذه، ووارث نبوة بني إسرائيل من بعده عليهم جميعًا السلام، وهو المراد بالفتى في قصة سيدنا موسى والخضر، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: 60]، وقد ورد في "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هذا الفتى هو: نبي الله يوشع بن نون الذي صحب موسى في قصة ذهابه إلى الخضر عليهم جميعًا السلام.


مما ينبغي على المسلمين اعتقاده اعتقادًا لا يخالطه أدنى ريب أن نصر الله قريب، وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح على المسلمين المسجد الأقصى لا محالة، طال الزمان أو قصر، كثر الطغيان أو قل، وأن هذه البلاد المقدسة ستكون محلَّ خلافة المسلمين، وأن بلاد الشام، ومصر، وهذه الدول لابد أن الله تعالى سيرعاها، ولن يتركها، وأن اشتداد الكربات، وازدياد الأزمات، لا ينبغي أن يؤثر على اعتقادنا وثقتنا في البشارات والوعود التي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية الغراء.


بدأ هذا الفتح حينما حاصر المسلمون بيت المقدس؛ لأنهم طلبوا أن يدخلوا، ولكن منعهم الرهبان الذين أصروا على ألا يدخل إلا الرجل الموصوف عندهم، وحينها قال قائد الرومان أرطبون في فلسطين لا يفتح هذه البلاد إلا رجل صفته كذا وكذا، وأخذ يصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وحينما أرسل كل من عمرو بن العاص، وأبي عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين يقصون عليه الأمر، استشار الناس، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن يخرج إلى فلسطين، فسمع له أمير المؤمنين، واستخلفه على الناس.


بلاد القدس تشتمل على فضائل ومزايا دينية وروحية كثيرة، ولعل هذا من أهم ما يجعلها مطمعًا لكثير من المعتدين على مر العصور، ولم تكن حالة الاحتلال التي تعيشها الأراضي الفلسطينية هي الأولى من نوعها، فقد تعرَّض بيت المقدس للاحتلال مِن قبل الصَّليبيين سنة ٤٩٢هـ - ١٠٩٩م، وقد نتج عن هذا العدوان والاحتلال فساد كبير؛ فغيَّروا معالمها واعتَدَوْا على أهلِها وأساءوا إلى مقدساتِ المسلمين فيها، ولم يتمكَّن المسلمون مِن استردادِها على مدى تسعة عقود إلى أن سخر الله سبحانه وتعالى للمسلمين قائدًا مجاهدًا قوي العزيمة صادق النيَّة: هو السلطان صلاح الدين الأيوبي، فأعانه الله على جهاد هؤلاء المعتدين، وتمكن من تحريرها سنة 583هـ - ١١٨٧م، فأعاد لها قدسيتها وطهرها من هذا الدنس الذي انتشرت رائحته الكريهة وأفسدت الأجواء على العباد والبلاد.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57