04 فبراير 2024 م

حدث فتح سيدنا عمر بن الخطاب لبيت المقدس

حدث فتح سيدنا عمر بن الخطاب لبيت المقدس

بدأ هذا الحدث التاريخي حينما جاء المسلمون إلى مدينة القدس، وطلبوا الدخول إلى بيت المقدس، في السنة الخامسة عشرة، أو السادسة عشرة، فمُنعوا من الدخول، ولم يكن طلب المسلمين إلا أن يقوموا بعرض الإسلام على الناس وإعلامهم به، ومن شاء فليؤمن، ومن لم يشأ فلا إكراه في الدين، ولم يتم تمكين المسلمين من الدخول، واشترط أهل القدس ألا يدخل أحد من المسلمين بيت المقدس ولا يتسلم مفاتيح المدينة إلا رجل صفته كذا وكذا، وهم بهذه الصفات يصفون ويقصدون سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان الرهبان يعرفون أوصافه من كتبهم المقدسة، فأرسل سيدُنا عمرو بن العاص وسيدنا عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليخبروه بما يقوله الرهبان، فلما وصل الرسول إلى عمر بن الخطاب وأخبره بما حدث -أي: أنهم أجابوا إلى الصلح بهذا الشرط- قام إلى أصحابه فاستشارهم، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب بالخروج إلى فلسطين؛ ليدخلها المسلمون، فخرج إليها، واستخلف سيدنا عليًّا على المدينة، وما أن قدم إلى بيت المقدس حتى ذهب إلى الرهبان والنصارى الموجودين في بيت المقدس، وقد طلبوا من سيدنا عبيدة ابن الجراح أن يُصالحهم سيدنا عمر بن الخطاب مثل ما صُولح عليه أهل مدن الشام؛ أي: بنفس بنود الصلح هناك، وأن يتولى عمر بن الخطاب ذلك العقد بنفسه، فذهب عمر بن الخطاب إليهم وصالحهم على ما صالح عليه أهل مدن الشام، وعرفوا أنه هو الموصوف عندهم، وأنه الفاتح لبيت المقدس، ففتح بيت المقدس، ودخل من نفس الباب الذي دخل منه نبي الرحمة ليلة أن أُسري به، وما أن دخل رضي الله عنه بيتَ المقدس حتى قام في المسجد بين الناس بصوتٍ مرتفع ملبيًا لله تعالى، ثم توجه إلى محراب داود فصلى به تحيةَ المسجد، ثم جمع الناس في الغد وصلى بهم في الأقصى المبارك.

ذكر أهل السير: أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام ورأى غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين، تلا قوله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ*كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان: 25- 28].

 بعد ذلك قام يبحث عن الصخرة فلم يجد لها أثرًا؛ وذلك من كثرة الكُناسة التي ألقتها عليها الروم أو اليهود، فسأل عنها، فأُخْبِر بمكانها، فقام إليها فنظفها مما علق بها من القاذورات، ثم قام إلى أصحابه فاستشارهم في بناء مسجد قبة الصخرة، فأشاروا عليه بالبناء؛ لذلك كان فتح عمر رضي الله عنه لبيت المقدس حدثًا مؤثرًا في بيت المقدس من أكثر من جهة.

إن فتح سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيتَ المقدس ليس حدثًا عابرًا مر عليه الزمن، بل اشتمل على دروس عظيمة نهتدي بها إلى قيام الساعة؛ ففي هذا الفتح أرشدنا إلى مبادئ إسلاميةٍ جليلةٍ يجب على كل مسلم أن يتمسك بها، ومن أهمها: المشورة في الرأي، وحسن التعامل مع غير المسلمين، واحترام شخصياتهم، ومقدساتهم، وتوقير كبارئهم، وأنَّ على المسلم أن يشكر الله عز وجل على فضله.

المراجع:

  • البداية والنهاية، لابن كثير، 7/ 55، 57، ط. دار الفكر.
  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 2/ 329، ط. دار الكتاب العربي.
  • فتوح البلدان، للبَلَاذُري، ص: 140، ط. مكتبة الهلال.
  • مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، سبط ابن الجوزي، 5/ 216، ط. دار الرسالة العالمية.

ليس من الغريب على بيت المقدس أن يغتصبه الغاصبون وأن يعتدي عليه المعتدون، فمن الذين فتحوا بيت المقدس وحرروه من أيدي الغاصبين الجبارين: نبيُّ الله يوشع بن نون المتصل نسبه بنبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن الخليل إبراهيم عليه السلام، فتى موسى، وأحد تلاميذه، ووارث نبوة بني إسرائيل من بعده عليهم جميعًا السلام، وهو المراد بالفتى في قصة سيدنا موسى والخضر، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: 60]، وقد ورد في "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هذا الفتى هو: نبي الله يوشع بن نون الذي صحب موسى في قصة ذهابه إلى الخضر عليهم جميعًا السلام.


مما ينبغي على المسلمين اعتقاده اعتقادًا لا يخالطه أدنى ريب أن نصر الله قريب، وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح على المسلمين المسجد الأقصى لا محالة، طال الزمان أو قصر، كثر الطغيان أو قل، وأن هذه البلاد المقدسة ستكون محل خلافة المسلمين، وأن بلاد الشام، ومصر، وهذه الدول لابد أن الله تعالى سيرعاها، ولن يتركها، وأن اشتداد الكربات، وازدياد الأزمات لا ينبغي أن يؤثر على اعتقادنا وثقتنا في البشارات والوعود التي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية الغراء.


مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.


لا يمكن أن يوصف استقرار سيدنا سليمان عليه السلام بفلسطين بأنه مرور بها، إذ العلاقة بينه وبين هذه البلاد أعمق من ذلك بكثير، وذلك لما شهدته هذه البلاد من سيدنا سليمان عليه السلام من عطاءات ومواقف حياتية استمرت عشرات السنين.


مِن الأنبياء الذين مرُّوا بهذه الأرض المباركة: كليم الله سيدنا موسى عليه السلام، الذي أرسله الله نبيًّا بشريعة بني إسرائيل، واسمه: موسى بن عمران بن قاهِث بن لاوِي بن يعقوب.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57