ما مشروعية تعليم مناسك العمرة عن طريق عمل مجسم للكعبة والطواف حولها؟
لا بأس بتعليم مناسك العمرة على النحو الوارد بالسؤال، بل إنه قد يرتقي إلى الاستحباب، وإذا لم يُمكِن فَهْمُ المنسك إلا به فقد يجب، على أن يتم ذلك في جو من التعظيم لشعائر الله كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
المحتويات
رفع الله تعالى شأن العلماء فقال: ﴿قُل هَل يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، وطلب منهم تعليم عباده فقال جل شأنه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، كما طلب منا سبحانه وتعالى الحج والعمرة بقوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمرَةَ للهِ﴾ [البقرة: 196]، فأمر بالأداء والإتمام، ومعلوم أنه لا عمل قبل العلم، قال الإمام البخاري في (كتاب العلم) من "صحيحه": (باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ﴾ [محمد: 19] فبدأ بالعلم).
كان من سنة الله تعالى في تعليم نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم التنوع، من هذا ما صرَّح به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث سُئِل: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» أخرجه الشيخان عن السيدة عائشة رضي الله عنها.
وورد أن الغيب كان يُصَور أمامه كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» أخرجه الشيخان.
ومثله ورد في حادثة الإسراء حين سأل الكفَّارُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عن وصف بيت المقدس فقال: «لَمَّا كَذَّبَتنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْر، فَجَلا اللهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» أخرجه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه.
وهكذا أيضًا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُعلِّم أصحابه بأساليب متنوعة، فقد صوَّر لهم ما يشبه اللوحات التوضيحية كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: «هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الْأعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا» أخرجه البخاري.
وأخرج أيضًا عَنْ أنس رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم خُطُوطًا، فَقَالَ: «هَذَا الْأَمَلُ وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الْأَقْرَبُ».
وكان أحيانًا يُمَثِّل ما يحكيه بفعله كما في حديث الذين تكلموا في المهد، والذي يرويه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه، وفيه: «... وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمصُّهُ»، قَالَ سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَمصُّ إِصْبَعَهُ". أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: "فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَمصُّهَا". قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على الحديث: [وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل] اهـ. "فتح الباري".
وقد يُشَبِّه الغائبَ بالشاهد لاستحضار الصورة، كما شبَّه عددًا من الأنبياء وجبريل عليهم السلام ببعض الصحابة رضي الله عنهم وقال: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ» رواه البخاري ومسلم، يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم، والروايات في "صحيح مسلم" عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وبعضها أصله في البخاري.
بل قد ورد تأديته بعض العبادات عمليًّا لقصد التعليم كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على المنبر، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي» أخرجه البخاري ومسلم.
ثم سَرَت هذه الطريقة في سلفنا الصالح أيضًا؛ فعن أَبِي قِلابَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه -أحد الصحابة رضي الله عنهم- فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: "إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي" أخرجه البخاري، وترجم له: (باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته).
وورد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ. قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: «آ آ آ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ» أخرجه البخاري.
المعاينة تكون أقوى أثرًا في النفس من السمع كما ورد في الحديث: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ مُوسَى بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي الْعِجْلِ، فَلَمْ يُلْقِ الأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلْقَى الأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ» أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، واللفظ لأحمد في "مسنده" عن ابن عباس رضي الله عنهما.
مما تقدم يُعلم أنه لا بأس بتعليم مناسك العمرة على النحو الوارد بالسؤال، بل إنه قد يرتقي إلى الاستحباب، وإذا لم يمكن فهم المنسك إلا به فقد يجب، وعلى أن يتم ذلك في جو من التعظيم لشعائر الله؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. نسأل الله لنا وللمسلمين حسن العلم والعمل بالدين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما مدى صحة رمي الجمرات بعد الساعة 12 مساءً؛ استنادًا إلى أن الرمي على مدار اليوم؟
سائل يقول: قامت والدتي بتقديم أوراق الحج قبل وفاة والدي، وبعد الوفاة حصلت على التأشيرة الخاصة بالحج، وقامت بدفع الرسوم، ولن تستطيع استردادها حال عدم ذهابها، مع العلم أنَّ والدي لم يمانع من سفرها إلى الحج؛ فما حكم خروجها لأداء الحج أثناء العدة؟
ما حكم أداء السعي للحائض؟ حيث توجد امرأة ذهبت لأداء العمرة، وبعد الانتهاء مِن الطواف وصلاة ركعَتَي سُنَّة الطواف، وقبل البدء في السعي داهمها الحيض، ولم تتمكن مِن انتظار الطهر؛ لأنَّ للسفر موعدًا محددًا، فأتمَّت سعيَها على هذه الحال، وتسأل: ما حكم سَعيها وعُمرتها؟ وهل يجب عليها شيء؟
ما حكم الحج عن المريض الذي لا يستطيع أداء الحج بنفسه؟ فزوجتي مريضة بآلام حادة في العمود الفقري -بعض الفقرات متآكلة تمامًا، وبعضها متحرك من مكانه- ولا تقوى على الحركة، وأمنيتها أداء فريضة الحج، فهل يجوز أن أحجَّ عنها؟ علمًا بأنني سبق لي أداء الفريضة.
ما حكم من ذهب لأداء العمرة وترك الحلق أو التقصير وحلَّ من إحرامه، هل عليه شيء؟
ما حكم تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء؟ حيث اقترب موسم أداء فريضة الحج، ومما يستحب للحاج فعله تقبيل الحجر الأسود وملامسته، والآن ومع انتشار فيروس كورونا القاتل، وسرعة انتشاره عن طريق العدوى من رذاذ المصاب به أصبح تقبيل الحجر الأسود وتزاحم الناس على فعل ذلك قد يكون سببًا للتعرض للعدوى والإيذاء، فما حكم الامتناع عن تقبيل الحجر الأسود في هذه الحالة؟