هل تجب زكاة المال على دفاتر توفير الأيتام في حالة بلوغ المال النصاب؟ فنحن نتشرف أن نحيط علم سيادتكم بأنه تردد في شهر رمضان السابق في بعض المحطات الفضائية أن دفاتر توفير الأبناء الأيتام تجب فيها زكاة مال، ويلزم الوصي بإخراجها في حالة بلوغ المال للنصاب. لذلك نلتمس من سيادتكم إفادتنا بصحة هذا القول من عدمه؛ لأنه يوجد لدينا دفاتر توفير للأيتام ومجهولي النسب. وما هو النصاب الشرعي لزكاة المال؟ حتى يمكننا مراعاة شرع الله في ذلك.
المال المودع في دفاتر التوفير الخاص باليتيم أو مجهول النسب لا زكاة فيه إلا إذا زاد عن حاجته الأصلية؛ فلا زكاة في المال المعد للحاجة الأصلية. فإن فاض المال عن نفقة الصبي وحاجته الأصلية وبلغ هذا الفائضُ النصابَ الشرعي وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة بمقدار ربع العشر، والنِّصاب هو ما قيمته 85 جرامًا من الذهب عيار 21. وحرصًا على مصلحة اليتيم أو مجهول النسب فالواجب على الوصي تنمية المال لئلا تُنقصه الزكاة.
من شروط وجوب الزكاة في المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول أن يكون فاضلًا عن الحاجة الأصلية، فالمال المُعَدُّ لشراء الحاجة الأصلية لا زكاة فيه؛ لأن صاحبه لا يكون حينئذٍ غنيًّا عنه، بل هو من ضرورات حاجة البقاء وقوام البدن، ومال اليتيم ومجهول النسب المدخر له يُعَدُّ من حاجاته المهمة؛ لتعلقه بما من شأنه أن يسد حاجته في حياته؛ كالطعام والشراب والكسوة والسكن والزواج، والله تعالى يقول: ﴿ويَسأَلُونَكَ ماذا يُنفِقُونَ قُلِ العَفوَ﴾ [البقرة: 219]، والعفو: هو ما فضل عن حاجة الإنسان ومن يعوله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا صَدَقةَ إلَّا عَن ظَهرِ غِنًى» رواه أحمد، وهو عند البخاري بمعناه، وقد فسر العلامة ابنُ مَلَك الكرماني الحنفي (ت801هـ) الحاجةَ الأصلية بأنها: [ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقًا: كالنفقة، ودور السكنى، وآلات الحرب، والثياب المحتاج إليها لدفع الحر أو البرد، أو تقديرًا: كالدَّين؛ فإن المَدِين محتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب دفعًا عن نفسه الحبس الذي هو كالهلاك. فإذا كان له دراهم مستحقة بصرفها إلى تلك الحوائج صارت كالمعدومة؛ كما أن الماء المستحق بصرفه إلى العطش كان كالمعدوم وجاز عنده التيمم] اهـ. كما نقله عنه العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار" (2/ 262، ط. دار الفكر).
ونص فقهاء الحنفية على أن المال المعدَّ للحوائج الأصلية ليس فيه زكاة؛ فقال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية شرح البداية" (1/ 96، ط. دار احياء التراث العربي): [(وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنازل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة)؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية أيضًا] اهـ.
وقال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق" (1/ 253، ط. المطبعة الأميرية ببولاق): [وأمَّا كونه حوليًّا؛ أي: تم عليه حولٌ؛ فلقوله عليه الصلاة والسلام: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»؛ ولأن السبب هو المال النامي لكون الواجب جزءًا من الفضل لا من رأس المال؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: 219] أي: الفضل، والنمو إنما يتحقق في الحول غالبًا، أما المواشي فظاهر، وكذا أموال التجارة؛ لاختلاف الأسعار فيه غالبًا عند اختلاف الفصول فأقيم السبب الظاهر -وهو الحول- مقام المسبب، وهو النمو، وأما كونه فارغًا عن الدين وعن حاجته الأصلية - كدور السكنى، وثياب البذلة، وأثاث المنازل، وآلات المحترفين، وكتب الفقه لأهلها- فلأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم؛ ولهذا يجوز التيمم مع الماء المستحق بالعطش] اهـ.
ومفهومه: أن المال المشغول باستحقاق الصرف إلى حاجةٍ أصلية هو بالنسبة إلى نصاب الزكاة كالمعدوم، فلا زكاة فيه؛ إذْ لا يصدق عليه أنه فضلٌ وزيادة؛ لتعلقه بالحاجة الأصلية.
وضابط ذلك: أن لا يكون في وسع صاحبه أن يوقفه للتجارة والنماء مُحافِظًا على أصله.
ونص الفقهاء على اعتبار هذا الضابط مقياسًا للحاجة وعدمها؛ يقول العلامةُ الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 11): [ومنها كون المال فاضلًا عن الحاجة الأصلية؛ لأن به يتحقق الغنى ومعنى النعمة وهو التنعم، وبه يحصل الأداء عن طيب النفس إذ المال المحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيًّا عنه ولا يكون نعمةً؛ إذ التنعم لا يحصل بالقدر المحتاج إليه حاجة أصلية؛ لأنه من ضرورات حاجة البقاء وقوام البدن، فكان شكره شكر نعمة البدن، ولا يحصل الأداء عن طيب نفس، فلا يقع الأداء بالجهة المأمور بها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ» فلا تقع زكاة؛ إذ حقيقة الحاجة أمر باطن لا يوقف عليه، فلا يعرف الفضل عن الحاجة، فيقام دليل الفضل عن الحاجة مقامه وهو الإعداد للإسامة والتجارة، وهذا قول عامة العلماء] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (2/ 262): [التقييد بالحوائج الأصلية احترازًا عن أثمانها، فإذا كان معه دراهم أمسكها بنية صرفها إلى حاجته الأصلية لا تجب الزكاة فيها إذا حال الحول وهي عنده، لكن اعترضه في "البحر" بقوله: ويخالفه ما في "المعراج" في فصل زكاة العروض: أن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة، وكذا في "البدائع" في بحث النماء التقديري. اهـ. قلت: وأقره في "النهر" و"الشرنبلالية" و"شرح المقدسي"، وسيصرح به الشارح أيضًا، ونحوه قوله في "السراج" سواء أمسكه للتجارة أو غيرها، وكذا قوله في "التتارخانية" نوى التجارة أوْ لا، لكن حيث كان ما قاله ابن ملك موافقًا لظاهر عبارات المتون كما علمت، وقال ح -يعني في "الإيضاح"-: إنه الحق، فالأولى التوفيق بحمل ما في "البدائع" وغيرها على ما إذا أمسكه لينفق منه كلَّ ما يحتاجه، فحال الحول وقد بقي معه منه نصاب، فإنه يزكي ذلك الباقي وإن كان قصده الإنفاق منه أيضًا في المستقبل؛ لعدم استحقاق صرفه إلى حوائجه الأصلية وقت حولان الحول، بخلاف ما إذا حال الحول وهو مستحق الصرف إليها] اهـ.
وما دامت الحوائج الأصلية لا تزال قائمةً بالشخص فإن هذا المال مستحَقُّ الصرف إليها؛ لكونه موقوفًا لها خاصة.
وقال العلامة الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 714، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [قوله: (وعن حاجته الأصلية؛) كثيابه المحتاج إليها لدفع الحر والبرد، وكالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والحرفة وأساس المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها؛ فإذا كان عنده دراهم أعدها لهذه الأشياء وحال عليها الحول لا تجب فيها الزكاة] اهـ.
وهذا هو مقتضى تقييد الشرع لتصرفات الولي في مال اليتيم وغيره ممن نقَصَت أهليتُه بأن تكون بالغبطة أو بالضرورة؛ أي: بمحض المصلحة؛ قال الإمام الرافعي في "شرح الوجيز" (10/ 290، ط. دار الفكر): [(و) ولا يتصرف الوليُّ إلا بالغِبطة، ولا يستوفي قصاصَه، ولا يعفو عنه، ولا يَعتِقُ، ولا يُطَلِّقُ بعِوضٍ وغيرِ عوض، ولا يَعفُو عن حقِّ شُفعتِه إلا لمصلحته] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "منهاج الطالبين" (ص 114، ط. دار الفكر): [لا يرهن الولي مال الصبي والمجنون ولا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة] اهـ.
ولا يخفى أن التصرف بالضرورة في مال اليتيم يقتضي عدم إخراج الزكاة من ماله الذي تتعلق به حاجةٌ أصلية له.
ومن مظاهر حرص الشرع الشريف على تمام المصلحة للقاصر اليتيم أو الصغير أو السفيه المحجور عليه أن ماله إذا كان كثيرًا فائضًا عن حاجته الأصلية فإنه يجب على الوصي تنميته لئلا تُنقصه الزكاة، نص على ذلك السادة الشافعية، فقال الإمام البجيرمي في "حاشيته على شرح منهج الطلاب" المسماة: "التجريد لنفع العبيد" (2/ 442، ط. مطبعة الحلبي): [يجب على الولي أن ينمي ماله بقدر الكفاية أي نفقته والزكاة] اهـ.
وبناءً على ما سبق: فإن هذا المال المودَع في البنك في حساب دفاتر التوفير الخاصة بالأيتام أو مجهولي النسب لا زكاة فيه إلا إذا زاد عن الحاجة الأصلية لصاحبه؛ فلا يتعلق حقُّ الزكاة بمالٍ تستغرقه الحاجة الأصلية.
أما إذا كان هذا المال فائضًا عن نفقة الصبي وحاجته الأصلية، وبلغَ هذا المالُ الفائضُ النصابَ؛ والنصابُ الشرعي هو: ما قيمته 85 جرامًا من الذهب عيار 21، وحالَ عليه الحولُ القمريُّ، فإنه تجب فيه الزكاة، ويخرج عليه ربع العشر، ويجب على وليِّهِ تنميةُ ماله؛ لئلا تُنقِصَه الزكاة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز الصرف من زكاة المال في علاج فقراء المسلمين وتوفير الرعاية الصحية الشاملة لهم؛ من إجراء الفحوصات الطبية، والعمليات الجراحية، وصرف الدواء، ونحو ذلك؟
نرجو منكم بيان المراد بزكاة الفطر ومقدارها ودليل وجوبها.
هل يجوز لي أن أعطي زكاتي لبنات بنتي المطلقة؟
هل يشترط لوجوب الزكاة العلمُ بفرضيتها؟ وإن وجد إنسان مسلم في بلاد المسلمين يجهل وجوبها، ومرَّ عليه أعوام، فهل يجب عليه قضاء ما فات؟
ما حكم الزكاة والصدقات لصالح مؤسسة خيرية؟ حيث يتشرف أحد البنوك بإحاطة فضيلتكم علمًا بتأسيس مؤسسة للتنمية المجتمعية بوزارة التضامن الاجتماعي، وتعمل المؤسسة منذ إنشائها على تطوير مجالي الصحة والتعليم في مصر، وذلك عبر منهج متكامل لا يعتمد فقط على المساهمات المادية، ولكن أيضًا من خلال إدارة عملية للتطوير بالتعاون مع الإدارات المختصة بالمؤسسات العامة التي تعمل بها، وإذ تركز المؤسسة في المرحلة الحالية على المشروعات الصحية، لا يتوقف دورها عند تحديث البنية الأساسية وتطوير الخدمات فحسب، ولكنه يمتد أيضًا ليشمل توفير الدورات التدريبية لأطقم التمريض، والعمل على رفع كفاءة العنصر البشري ككل، وننوه سيادتكم بأن البنك يتحمل كافة التكاليف الإدارية للمؤسسة، بحيث تذهب جميع التبرعات مباشرة للمشروعات التي تتبناها المؤسسة الخيرية.
وتعمل المؤسسة الآن على استكمال التطوير الشامل لثلاثة مشروعات مهمة وهي: مستشفى الأطفال الجامعي التخصصي "أبو الريش الياباني"، المعهد القومي للأورام، وقريبا نبدأ العمل بمركز الكلى بالمنصورة، وذلك للوصول بها إلى مستويات عالمية في الخدمة، حتى نتمكن من خدمة أكبر عدد من المرضى المحتاجين دون تحميلهم أي أعباء مادية، ويأتي اختيار هذه المؤسسات تحديدًا؛ لأنها تخدم المجالين التعليمي والصحي، وهما الهدف الأساسي الذي من أجله أنشئت المؤسسة.
وفي هذا الشأن، نعمل الآن على الاستعداد لإطلاق حملة إعلانية لتعريف الرأي العام بأهداف المؤسسة وبرامجها التنموية، وقد وردتنا في هذا الشأن عدة استفسارات من عملائنا يتساءلون من خلالها عن المواضع التي يمكن أن يتبرعوا من خلالها بالزكاة، وتلك التي تستحق الصدقات بالمؤسسة، كي تنفق منها على المشروعات التي تعمل عليها.
وعليه: فإنا نسأل فضيلتكم عن إمكانية استصدار فتوى مكتوبة وموثقة من دار الإفتاء المصرية تجيز إخراج الزكاة والصدقات لصالح المؤسسة، وتبين المواضع الملائمة لصرف كل منها، مما يشجع السادة المساهمين من أبناء المجتمع المصري لدعم جميع المبادرات التي من شأنها الوصول بمصر إلى ما نصبو إليه من تقدم وازدهار.