كم عدد الطلقات التي يملكها الرجل على زوجته؟ فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229]؛ فهل تدل هذه الآية على أن الرجل ليس له أن يطلق زوجته إلا مرتين فقط؛ فإن طلقها مرتين فلا يحق له إرجاعها؟
أجمع فقهاء المسلمين على أن للرجل على زوجته في الشريعة الإسلامية ثلاث طلقات؛ بحيث يجوز الرجوع بعد الطلقتين الأولى والثانية، فإن طُلِّقَت الثالثةَ فلا تَحِلُّ له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره بالشروط المعتبرة لذلك شرعًا، وهذا ما دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، والقول بغير ذلك مخالفٌ لما عليه فَهمُ علماء الأمة سَلَفِهَا وخَلَفِهَا من المفسرين والفقهاء المجتهدين، بل هو من الابتداع في الدين، وتحريفٌ للنص عن مراد الشارع، فلا تجوز متابعته بحالٍ.
المحتويات
حث الإسلامُ على استقرار الأسرة، وأمر أتباعه بأن يقيموها على الحب والمودة؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
ومن كمال الشريعة الإسلامية مشروعيةُ الطلاق بين الزوجين إذا استحالت العشرة بينهما، ويكون هذا بالمعروف؛ قال تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: 2].
ومن منطلق حفاظ الإسلام على الأسرة لم يجعل انتهاء الحياة الزوجية قائمًا على طلقةٍ واحدةٍ أو طلقتين؛ لِئلا تنتهي الحياة الزوجية بسهولة، ولِاحتمال صلاح حال المعوج منهما معًا أو من أحدهما بعد الطلقة الأولى أو الثانية؛ لذلك كان انتهاء الحياة الزوجية بثلاث طلقات، فمَن طلَّق زوجته طلقتين يجوز له أن يراجعها بالشروط المعتبرة في الرجعة على أن تبقى له طلقةٌ ثالثةٌ وتكون هي الأخيرة، وهذا هو المراد من قول الله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229]، إلى قوله تعالى في الآية التي تليها: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230].
ومناسبة نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية لم يكن لطلاقهم حَدٌّ؛ فكان الرجل يطلق زوجته ثم يراجعها قبل انتهاء عدتها، ثم يفعل ذلك المرة بعد المرة بقصد مضارّة المرأة.
قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" في مناسبة نزول هذه الآية (4/ 538-539، ط. مؤسسة الرسالة): [إن هذه الآية أُنزِلَت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهايةٌ تَبِينُ بالانتهاء إليها امرأتُهُ منه ما راجَعَهَا في عدتها منه، فجعل اللهُ تعالى ذكرُهُ لذلك حَدًّا؛ حَرَّمَ بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأتَهَ المطلَّقةَ إلا بعد زوج، وجعلها حينئذٍ أمْلَكَ بنفسها منه] اهـ.
حيث قد تقرر شرعًا أنه لا يصح النظر إلى النص مقطوعًا عن سياقه، وأن فقهاء المسلمين قد فهموا النص القرآني الفهمَ الصحيحَ بالنظر إلى كامل سياقه وما يحيط به من أدلةٍ أخرى كالحديث النبوي وغيره، فقد فسَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المراد من الآيات الكريمات فيما رواه الإمام عبدالرزاق في "مصنفة" عَنْ أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾؛ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «﴿إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ هِيَ الثَّالِثَةُ»، وطبَّقه أيضًا فيما أخرجه الإمام الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما حين طلّق زوجته أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا؛ كَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: «لَا؛ كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً».
وعلى هذا جَرَى فَهمُ علماء الأمة من المفسرين؛ قال الإمام الكيا الهراسي في "أحكام القرآن" (1، 165، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [(الطَّلاقُ مَرَّتانِ) أي: لكم أن تطلقوا مرتين وتراجعوا بعدهما، فإن طلقتم الثالثة فلا رجعة] اهـ.
وقال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (1/ 269، ط. دار طيبة للنشر والتوزيع): [يعني الطلاق الذي يملك الرجعة عقيبه مرتان، فإذا طلق ثلاثًا فلا تحل له إلا بعد نكاح زوجٍ آخر] اهـ.
هو ما نص عليه فقهاء الأمة المتبوعين واستقرت عليه مذاهبهم؛ قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (6/ 5، ط. دار المعرفة، بيروت): [﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ معناه دفعتان كقوله: أعطيته مرتين وضربته مرتين والألف واللام للجنس؛ فيقتضي أن يكون كل الطلاق المباح في دفعتين، ودفعة ثالثة في قوله تعالى: ﴿فإن طَلَّقهَا﴾، أو في قوله عز وجل: ﴿أَوْ تَسْريِح بِإحْسَان﴾؛ على حسب ما اختلف فيه أهل التفسير. وفي حديث محمود بن لبيدٍ رحمه الله تعالى: أن رجلًا طلَّق امرأتَه ثلاثًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغضبًا فقال: «أَتَلْعَبُونَ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»] اهـ.
وقال أيضًا في "المبسوط" (6/ 9): [رُويَ أن أبا رزينٍ العقيلي رضي الله عنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: عرفنا التطليقتين في القرآن، فأين الثالثة؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾». وأكثرهم على أن بيان الثالثة في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾؛ لأنه عند ذِكرِها ذكر ما هو حكم الثالثة وهو حرمةُ الْمَحَلِّ إلى غايةٍ، ومعناه: فإن طلقها الثالثة. ولا خلاف بين العلماء أن النكاح الصحيح شرطُ الحِلِّ للزوج الأول بعد وقوع الثلاث عليها] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (4/ 316، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت): [استيفاء عدد الطلاق ثلاثًا للحر، واثنتان للعبد؛ لتعذر تشطير طلقةٍ لقوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ أي الطلاق الرجعي؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾، وهذه ثالثةٌ؛ لذكرها بعد اثنتين] اهـ.
وقال الإمام عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي في "المعونة على مذهب عالم المدينة" (ص 826، ط. المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة): [إن جملة الطلاق ثلاثٌ؛ لقوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾.. إلى قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ﴾. وسُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الثالثة فقال: «﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾»] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (3/ 5، ط. دار الكتب العلمية): [ويملك الحرُّ ثلاثَ تطليقات؛ لما روى أبو رزينٍ الأسديُّ قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرأيتَ قول الله عز وجل: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾؛ فأين الثلاث؟ قال: «﴿تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ الثالثةُ، ويملك العبدُ طلقتين»] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (3/ 108، ط. دار الكتب العلمية): [ويملك الحر ثلاث تطليقات، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229]، وروى أبو رزينٍ قال: جاء رجلٌ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قول الله تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾؛ فأين الثالثة؟ قال: «﴿تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، ويملك العبدُ اثنتين»] اهـ.
واتفقت على ذلك كلمةُ الفقهاء؛ أن للرجل أن يطلق زوجته مرةً ويرجعها، ثم مرةً أخرى ويرجعها، فإن طلقها الثالثةَ فلا تحل له من بعدُ حتى تنكح زوجًا غيره؛ قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (3/ 83، ط. دار الحديث، القاهرة): [واتفقوا على أن العددَ الذي يوجب البينونةَ -أي الكبرى- في طلاق الحر ثلاثُ تطليقاتٍ إذا وَقَعَت مفترقاتٍ] اهـ.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "مراتب الإجماع" (ص: 72، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [وَاتَّفَقُوا أَن من تزوج امْرَأَةً ثمَّ طَلقهَا طَلَاقًا صَحِيحًا فأكملت عدتهَا وَلم تتَزَوَّج، ثمَّ نَكَحَهَا ابْتِدَاءً نِكَاحًا صَحِيحًا أَو لم تكمل عدتهَا فَرَاجعهَا مُرَاجعَةً صَحِيحَةً ثمَّ طَلقهَا ثَانِيَةً طَلَاقًا صَحِيحًا فأكملت عدتهَا وَلم تتَزَوَّج، ثمَّ نَكَحَهَا ثَالِثَةً نِكَاحًا صَحِيحًا أَو لم تكمل عدتهَا فَرَاجعهَا مُرَاجعَةً صَحِيحَةً ثمَّ طَلقهَا طَلَاقًا صَحِيحًا؛ فإنها لَا تحل لَهُ إلا بعد زوج] اهـ.
بناءً على ما سبق بيانُهُ: فإن للرجل على زوجته في الشريعة الإسلامية ثلاث طلقات؛ بحيث يجوز الرجوع بعد الطلقتين الأولى والثانية، فإن طُلِّقَت الثالثةَ فلا تَحِلُّ له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره بالشروط المعتبرة لذلك شرعًا، والقول بغير ذلك مخالفٌ لما عليه فَهمُ علماء الأمة سَلَفِهَا وخَلَفِهَا من المفسرين والفقهاء المجتهدين، بل هو من الابتداع في الدين، وتحريفٌ للنص عن مراد الشارع، فلا تجوز متابعته بحالٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حق الزوج في المهر المقبوض عند الطلاق على الإبراء؟ فالسائل تزوج امرأة بمهر قدره عشرة جنيهات، تسلمتها جميعًا بمجلس العقد، ثم حصل خلاف بينهما، فطلقها بعد أن أبرأته كما هو مدون بإشهاد الطلاق. وطلب السائل الإفادة عما إذا كان له حق في الصداق الذي قبضته أو لا.
سائل يسأل عن المدة الزمنية التي يجوز فيها للمُطَلِّق مراجعة مُطَلَّقته لعصمته إذا كانت من ذوات الحيض؟
هل يقع الطلاق بانقطاع الزوج عن زوجته ماديا ومعنويا وجسديا؟ فسيدة تزوجت برجل مسلم وهو يعمل في إنجلترا، وانتقلت للمعيشة معه في منزل الزوجية بإنجلترا، وبعد حوالي عام ظهرت خلافات بينهما، وأصبحت الحياة الزوجية معه صعبة للغاية، وغير محتملة ومستحيلة، وبعد أن وضعت حملها عند أهلها أرسل لها مبلغًا من المال لمدة 6 أشهر بعد الوضع، ثم انقطع نهائيًّا عنها، وحتى الآن تعيش هي وطفلها مع أهلها، وانقطعت العلاقات سواء مادية أو معنوية أو جسدية، ثم علمت أنه تزوج من سيدة أخرى، ويعيش معها حاليًّا، ثم تقدم لهذه الزوجة رجل آخر يريد أن يتزوجها، وتسأل هل هي ما زالت متزوجة، أم مطلقة بسبب انقطاعه عنها ماديًّا ومعنويًّا وجسديًّا حتى الآن؟ وماذا تفعل حتى تتزوج الرجل الثاني الذي يريد الزواج منها؟
ما حكم طلب الزوجة الطلاق من زوجها المحكوم عليه ولم يُحبس؟ فالرجل صدرت ضده أحكام في قضايا شيكات بدون رصيد وتبديد بالحبس وغيرها، وهذه الأحكام بعضها نهائي وبعضها مع الإيقاف الشامل وبعضها لا زال منظورًا، ولم يُنفَّذ عليه حكم بالحبس ولم يُحبس إطلاقًا.
وطلب السائل بيان: هل من حق زوجته أن تطلب الطلاق منه مستندة إلى الأحكام الصادرة ضده؟
ما حكم فسخ عقد النكاح لمرض أحد الزوجين بمرض مزمن؟ فقد قمت بعقد قراني على فتاة، وتعهدت أنها خالية من الأمراض المزمنة والمعدية، وقد اكتشف أخيرًا أنها تعاني من مرض مزمن -أورام سرطانية بالصدر-، وأنها قد عولجت بالإشعاع بعد استئصال الورم من الثدي الأيسر، وأخيرًا توجهت بالطرق الودية للتوصل إلى أن يتم الطلاق على الإبراء إلا أنها رفضت.
فهل هذا المرض المنوه عنه من موجبات فسخ العقد بين الزوجين؟ ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي.
ما حكم الطلاق المعلق؟ فهناك رجلٌ حلف على زوجته بالطلاق أنها إذا ذهبت إلى بيت أختها تكون طالقًا، فهل يجوز له التحلُّل من هذا اليمين؟ مع أنَّه كان قاصدًا نية الطلاق، مع العلم أنَّ زوجته لم تذهب حتى الآن.