ما الحكم إذا ترك بعض المشيعين الميت أثناء دفنه وذهب كل واحد منهم إلى قبر ميت آخر ليخصه بقراءة الفاتحة والدعاء له، وذلك قبل إتمام عملية دفن الجنازة التي كان يشيعها، هل يجوز ذلك؟ وهل يتم له ثواب تشييع الجنازة كاملًا؟
تمام السنة في اتباع الجنائز أن يشيعها المسلم حتى دفنها وإهالة التراب عليها والوقوف على القبر للدعاء لها، فإذا انتظر حتى تم الدفن ثم انصرف قبل الدعاء فله قيراط الثواب المترتب على شهود الدفن، وله أن ينصرف بمجرد مواراة الميت وقبل نصب اللبن وإهالة التراب عليه، وفي حصوله حينئذ على ثواب شهود الدفن قولان للعلماء، ومن أراد أن يزور متوفاه فالمستحب في حقه أن يكون ذلك بعد الفراغ من دفن الميت، وبعد الدعاء له؛ اتباعًا للسنة، ويمكنه أن يُدخل مَن يريدُ زيارته من الموتى في دعائه، أو ينوي الدعاء له مع الميت الذي يشيعه؛ فيجمع بذلك بين الحسنيين، ويحوز الفضيلتين.
واللائق بالمسلم أن يعمل على مواساة أهل الميت وجبر خواطرهم، وأن لا يخالف أعراف الناس في ذلك؛ فالانصراف قبل انتهاء الدفن وقبل الدعاء في أصله واسعٌ مباحٌ، فإذا حُمِل على ما ينافي المواساة لم يكن لائقًا بالمشيعين.
المحتويات
حث الشرع الشريف على اتباع الجنائز، فجعلها حقًّا من حقوق المسلم على أخيه المسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ» متفق عليه، ولفظ مسلم: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ».
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحرص على مواساة الناس في مصائبهم ومحنهم، ومشاركتهم في أحزانهم، وجبر خواطرهم، والانشغال بقضاء حوائجهم، والوقوف معهم في كربهم، ومن أجل ذلك رتب الثواب العظيم والأجر الجزيل على اتباع الجنائز من مبدأ الصلاة عليها إلى شهود دفنها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ»، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» متفق عليه.
وفي رواية لمسلم من طريق عبد الرزاق: «وَمَنِ انْتَظَرَهَا حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَلَهُ قِيرَاطَانِ».
وكان يحث على اتباع الجنائز، ويأمر من تبعها بمرافقتها حتى توضع في القبر؛ أداءً لحق المتوفَّى، وجبرًا لخاطر أهله، ويحث على الدعاء للميت، وسؤال الله تعالى له بالتثبيت، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ» متفق عليه، وفي رواية لابن ماجه والبزار: «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ».
وعن عثمان رضي الله عنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا فَرَغَ مِن دَفنِ المَيِّتِ وَقَفَ عليه فقال: «استَغفِرُوا لأَخِيكم وسَلُوا له التَّثبِيتَ؛ فإِنَّه الآنَ يُسأَلُ» رواه أبو داود والحاكم، وصحح إسناده.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: "إذا دَفَنتُمُونِي فَشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُم أَقِيمُوا حَولَ قَبرِي قَدرَ ما تُنحَرُ جَزُورٌ ويُقسَمُ لَحمُها حتى أَستَأنِسَ بكم وأَنظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي" رواه مسلم في "صحيحه".
قد نص الفقهاء على استحباب وقوف المشيعين على القبر حتى يُفرغوا من الدفن ويدعوا له، كما نصوا على استحباب قراءة شيء من القرآن؛ لما فيه من المواساة لأهل المتوفى، ومشاركتهم في مصابهم، وتخفيف الأحزان عنهم، وجبر خواطرهم.
قال الإمام الحدادي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 110، ط. المطبعة الخيرية): [ويستحب إذا دفن الميت أن يجلسوا ساعة عند القبر بعد الفراغ بقدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها يتلون القرآن ويدعون للميت] اهـ.
وقال الإمام أبو بكر الصقلي المالكي (ت: 451هـ) في "الجامع لمسائل المدونة" (3/ 998، ط. دار الفكر): [من تمام الصلاة على الجنازة الوقوف عليها حتى تدفن؛ لما جاء أن في الصلاة عليها قيراطًا من الأجر، وفي الصلاة والدفن قيراطان] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "الأذكار" (ص: 273-274، ط. دار ابن كثير): [ويستحب أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة؛ قدر ما يُنحَر جَزُورٌ ويُقَسَّم لحمُها، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين.. قال الشافعي والأصحاب: يُستَحَبّ أن يقرؤوا عنده شيئًا مِن القرآن، قالوا: فإن ختموا القرآنَ كلَّه كان حسنًا] اهـ.
وقال العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي في "غاية المنتهى" (1/ 276، ط. مؤسسة غراس): [ونقل حنبل عن الإمام: لا بأس بقيامه على القبر حتى تدفن؛ جبرًا وإكرامًا، وكان أحمد إذا حضر جنازة هو وليها لم يجلس حتى تدفن] اهـ.
قد رتب الشرع للصلاة على الجنازة ودفنها قيراطين من الثواب؛ قيراطًا للصلاة، وقيراطًا للدفن، فمن انصرف بمجرد مواراة الميت فله ذلك، ومن بقي حتى إهالة التراب والفراغ من الدفن فقد حصّل ثواب الدفن، والأكمل والأتبع للسنة البقاء للدعاء للميت وسؤال التثبيت له.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "مختصر المزني": [فإذا فرغ مِن القبر فقد أكمل، وينصرف من شاء، ومن أراد أن ينصرف إذا وُورِيَ: فذلك له واسع] اهـ.
ومع جواز الانصراف بمجرد مواراة الميت، فقد اختلف العلماء فيما يُحصِّل به المشيعُ ثوابَ قيراط الدفن كاملًا؛ هل يحصله بمجرد المواراة، أم بوضع اللبن، أم بالفراغ من القبر؟
قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (3/ 27، ط. دار الكتب العلمية): [لا يختلف أصحابنا أنه إذا صلى عليه فقد استحق قيراطًا، واختلفوا في القيراط الآخر متى يستحقه على وجهين:
أحدهما: إذا ووري في لحده، والثاني: -وهو أصح- إذا فرغ من قبره] اهـ.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (3/ 32، ط. دار المنهاج): [فإن صبر على القبر حتى رُدّ التراب كله: فقد حاز القيراط الثاني من الأجر.
وإن نُضد اللبن، ولم يُهل التراب بعدُ، أو لم يستكمل: فقد تردد فيه بعض أئمتنا، والوجه أَن يقال: إذا ووري حصلت الحيازة] اهـ.
وذكر الإمام أبو الفرج السَّرخسي الشافعي (ت: 494هـ) في "الأمالي" فيما يحصل به القيراط الثاني ثلاثة أوجه:
أحدها: -قال: وهو أضعفها- إذا وضع في اللحد.
والثاني: إذا نصب عليه اللبن قاله القفال.
والثالث: إذا فرغ من الدفن. نقله عنه الإمام النووي في "المجموع" (5/ 278، ط. دار الفكر).
وقال الإمام الرافعي الشافعي في "فتح العزيز بشرح الوجيز" (5/ 238-241، ط. دار الفكر): [قال الأصحاب: وللانصراف من الجنازة أربع درجات:
إحداها: أن ينصرف عقيب الصلاة، فله من الأجر قيراط.
والثانية: أن يتبعها حتى توارى ويرجع قبل إهالة التراب.
والثالثة: أن يقف إلى الفراغ من القبر وينصرف من غير دعاء.
والرابعة: أن يقف على القبر ويستغفر الله تعالى جدُّه للميت، وهذا أقصى الدرجات في الفضيلة..
وحيازة القيراط الثاني تحصل لصاحب الدرجة الثالثة، وهل تحصل لصاحب الثانية؟ حكى الإمامُ فيه ترددًا، واختار الحصول] اهـ.
قال الإمام النووي الشافعي عقيبه في "روضة الطالبين" (2/ 137، ط. المكتب الإسلامي): [قلت: وحكى صاحب "الحاوي" هذا التردد وجهين، وقال: أصحهما: لا تحصل إلا بالفراغ من دفنه، وهذا هو المختار، ويحتج له برواية البخاري: «حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا»، ويحتج للآخر برواية مسلم في "صحيحه": «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ»] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن تمام السنة في اتباع الجنائز أن يشيعها المسلم حتى دفنها وإهالة التراب عليها والوقوف على القبر للدعاء لها؛ أداءً لحق الميت، وجبرًا لخاطر أهله، ومواساة لهم، وتخفيفًا لألمهم وحزنهم، فإذا انتظر حتى تم الدفن ثم انصرف قبل الدعاء فله قيراط الثواب المترتب على شهود الدفن، وله أن ينصرف بمجرد مواراة الميت وقبل نصب اللبن وإهالة التراب عليه، وفي حصوله حينئذ على ثواب شهود الدفن قولان للعلماء، ومن أراد أن يزور متوفاه فالمستحب في حقه أن يكون ذلك بعد الفراغ من دفن الميت، ليحصل له ثواب اتباع الجنازة، وبعد الدعاء له؛ اتباعًا للسنة، ويمكنه أن يدخل من يريد زيارته من الموتى في دعائه، أو ينوي الدعاء له مع الميت الذي يشيعه؛ فيجمع بذلك بين الحسنيين، ويحوز الفضيلتين.
واللائق بالمسلم أن يعمل على مواساة أهل الميت وجبر خواطرهم، وأن لا يخالف أعراف الناس في ذلك؛ فالانصراف قبل انتهاء الدفن وقبل الدعاء في أصله واسعٌ مباحٌ، فإذا حُمِل على ما ينافي المواساة لم يكن لائقًا بالمشيعين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم كفالة بنت ورعايتها والوصية لها ببعض المال؟ فهناك زوجة موسرة وسَّع الله تعالى عليها، وترغب في تبني بنت لتقوم بخدمتها؛ حيث إنها لم تنجب، وهي مستعدة لتربية هذه البنت، وتعليمها، والإنفاق عليها بكل ما يلزمها، وتريد أن تخصها بكتابة شيء لها من مالها بعد وفاتها؛ فما الحكم الشرعي في ذلك؟
ما حكم دفن الموتى ليلًا؟ وما المقصود بالنهي الوارد عنه في الأحاديث النبوية؟
قمت بالطهارة من الجنابة بالاغتسال ولم أقم بالوضوء، وحضرت في صلاة جنازة، فهل الصلاة صحيحة وهل هذه الطهارة تعتبر وضوءًا؟
ما الذي يجب فعله في الصلاة عند قدوم جنازة أثناء الصلاة على جنازة أخرى؟ فقد كنت أصلي في أحد المساجد، وبعد صلاة الفريضة حضرت جنازة، فَقُدمِت للصلاة، وتقدم بعض أقارب الميت للصلاة عليها؛ لعدم وجود الإمام الراتب في ذلك الوقت، وبعد التكبيرة الأولى حضرت جنازة أخرى ووضعت بجانب الجنازة الأولى، فكبر على الجنازة الثانية أربع تكبيرات لتمام الصلاة، وبذلك صار التكبير على الأولى خمس تكبيرات، ثم سلَّم الإمام، وبعد السلام اعترض بعض الناس على فعله، فما رأي الشرع في هذه الصلاة التي وقعت؟ ولكم جزيل الشكر.
ما هي كفارة الحلف بالمصحف؟ فقد سأل أحد الدكاترة قائلًا: منذ سنتين لمرض خاص أقسمت على الكتاب الكريم ألا أشتري الدخان. قد بطلت التدخين فعلًا؛ فزاد وزني حتى خفت على القلب من السمنة، فصرت ألهث إذا ما جريت أو سرت مسرعًا أو تحدثت مسرعًا وقد خاف إخواني الأطباء عاقبة ذلك حتى نصحوا لي بالعودة إلى التدخين. فهل من كفارة من ذلك اليمين يوصي بها الدين الحنيف غير صيام الثلاثة أيام؟
ما حكم حمل الميت على السيارة أثناء تشييعه؟ حيث يقول السائل: المقابر الخاصة بقريتنا خارج الحيز العمراني للقرية، وقريتنا شوارع ترابية، وفي أيام الشتاء والمطر تكون الشوارع سيئة جدًّا، بالإضافة إلى أن المقابر تبعد عن العمران بحوالي 400م كحد أدنى و1400م كحد أقصى من أطراف القرية، ويوجد بعض التوابع للقرية تبعد بحوالي 2 كيلو متر؛ فقمنا أنا وبعض المتبرعين بشراء سيارة وتجهيزها للدفن، فأفتى أحد مشايخ القرية من غير الأزهريين بعدم مشروعية حمل الميت بالسيارة، وقال: لا بد أن يحمل الميت على الأعناق، وما دون ذلك بدعة نحمل وزرها، فرجاء منكم فتوى رسمية بجواز ذلك من عدمه، ولفضيلتكم جزيل الشكر.