ما حكم الإحرام قبل الميقات؟ فأنا سافرت إلى الحجّ هذا العام، وخَشيتُ أن لا أنتَبِهَ للميقات أو يفوتني وأنا في الطائرة، فأَحْرَمْتُ من المطار، فهل إحرامي هذا صحيحٌ؟
أجمع الفقهاء على أن الإحرام للحج -وكذا العمرة- قبل الميقات جائزٌ وصحيحٌ شرعًا، وهو الأفضل لمن يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام، ويخشى أن يفوته الميقات دون أن يحرم، أما من خشي الوقوع في شيء من محظورات الإحرام إذا قدَّمه عن الميقات، ولا يخشى فوات الميقات دون إحرام؛ فالمستحب في حقه أن يحرم من الميقات.
المحتويات
الإحرام: مصدر أحْرَمَ الرجل يُحْرِم إحرامًا إذا أهَلَّ بالحج أو العمرة؛ لدخوله في عمل حَرُمَ عليه به فعلُ ما كان حلالًا؛ لأن "حرم" في اللغة بمعنى المنع والتشديد؛ قال العلامة ابن فارس في "مقاييس اللغة" (2/ 45، ط. دار الفكر): [(حَرَمَ) الحاء والراء والميم أصل واحد؛ وهو المنعُ والتشديدُ. فالحرام: ضد الحلال] اهـ.
وقال العلامة ابن منظور في "لسان العرب" (12/ 123، ط. دار صادر): [الْمُحَرَّم هو الحَرَم. وتقول: أَحْرَمَ الرجلُ، فهو مُحْرِمٌ وحَرَامٌ، ورجلٌ حَرَامٌ: أي مُحْرِم.. وأحْرَمَ بالحج والعمرة؛ لأنه يحْرُمُ عليه ما كان له حلالًا من قبلُ؛ كالصيد والنساء. وأحْرَمَ الرجل: إذا دخل في الإحرام بالإهلال] اهـ.
والمراد بالإحرام عند جمهور الفقهاء: نيَّة الدخول في الحج أو العمرة، ويتحقق عند الحنفيَّة وبعض المالكية باقتران النية بالتلبية.
قد أجمع الفقهاء على أن الإحرام قبل الميقات المكاني يصير به الناسك محرمًا، تثبت في حقه أحكام الإحرام؛ قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 62، ط. دار الآثار): [وأجمعوا على أن من أحرم قبل الميقات أنه مُحرم] اهـ.
ومع أن الفقهاء قد اتفقوا على جواز تقديم الإحرام على الميقات المكاني، إلا أنهم اختلفوا في حكمه التكليفي: هل هو مكروه، أو مباح، أو مستحب؟
فذهب فقهاء الحنفية إلى استحباب الإحرام قبل الميقات، وأن الالتزام بالإحرام من الميقات إنما هو رخصة؛ قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (4/ 161، ط. دار الكتب العلمية): [والأفضل عندنا تقديم الإحرام عن هذه المواقيت، والتأخير إليها رخصةٌ من الله تعالى ورفقٌ بالناس.. وهو المرويّ عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن الحصين، وابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عامر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وهم من فقهاء الصحابة، وقد شهدوا إحرام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وعلموا أن إحرامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من ميقاته كان تيسيرًا على أصحابه ورخصة لهم] اهـ ملخصًا.
وذهب فقهاء المالكية في المشهور عندهم والحنابلة إلى أن الإحرام من الميقات هو الأفضل، ويكره الإحرام قبله؛ قال العلامة المواق المالكي في "التاج والإكليل على مختصر خليل" (4/ 24، ط. دار الكتب العلمية): [كره مالكٌ أن يحرم أحدٌ قبل أن يأتيَ ميقاتَهُ، أو يحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل في الوجهين جميعًا لزمه ذلك.. ومن "مناسك خليل": والأفضل أن يحرم من أول الميقات، ويكره تقديم الإحرام عليه على المشهور] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 250، ط. مكتبة القاهرة): [لا خلاف في أن من أحْرَمَ قبل الميقات يصير محرمًا، تثبت في حقه أحكامُ الإحرام.. ولكن الأفضل الإحرام من الميقات، ويكره قبله] اهـ.
أما فقهاء الشافعية فالأمر عندهم على التخيير من غير كراهة؛ فإن شاء أحرم من الميقات، وإن شاء أحرم من بلده إذا كانت قبل الميقات، واختلفوا في التفضيل بينهما:
فأما تفضيل الإحرام من الميقات؛ فلفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أحرم من ذي الحليفة -وهو ميقات أهل المدينة- ولم يحرم من المدينة، ولأنه إذا أحرم من بلده لم يأمن أن يرتكب محظورات الإحرام، فإذا أحرم من الميقات أمن من ذلك؛ فكان الإحرام من الميقات أفضل.
وأما تفضيل الإحرام من بلده إذا كانت قبل الميقات؛ فلما رواه أبو داود في "سننه" من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» أَوْ «وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
قال العلامة الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 372-373، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن كان دارُهُ فوق الميقات فله أن يُحْرِمَ من الميقات، وله أن يُحْرِمَ من فوق الميقات.. وفي الأفضل قولان:
أحدهما: أن الأفضل أن يُحْرِمَ من الميقات؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحرم من ذي الحليفة ولم يحرم من المدينة، ولأنه إذا أحرم من بلده لم يأمن أن يرتكب محظورات الإحرام، وإذا أحرم من الميقات أمن ذلك؛ فكان الإحرام من الميقات أفضل.
والثاني: أن الأفضل أن يحرم من داره -وذكر الحديث-] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (7/ 201، ط. دار الفكر): [واختلف أصحابنا في الأصحّ من هذين القولين؛ فصحَّحت طائفةٌ الإحرامَ من دويرة أهله.. وصحح الأكثرون والمحققون تفضيل الإحرام من الميقات] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الإحرام للحج -وكذا العمرة- قبل الميقات جائزٌ وصحيحٌ شرعًا بإجماع الفقهاء، وهو الأفضل لمن يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام ويخشى أن يفوته الميقات دون أن يحرم، أما من خشي الوقوع في شيء من محظورات الإحرام إذا قدَّمه عن الميقات ولا يخشى فوات الميقات دون إحرام فالمستحب في حقه أن يحرم من الميقات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو يوم التروية؟ وما سبب تسميته بذلك؟ وما هي أهم الأعمال التي يقوم بها الحاج في هذا اليوم؟
ما حكم طواف من طافت للإفاضة وبعد الانتهاء من طوافها رأت دم الحيض ولا تعرف وقت نزوله؟ مع العلم أنها قد عادت إلى بلدها ويتعذر عليها الرجوع إلى البيت الحرام والطواف مرة أخرى.
ما حكم خلع لباس الإحرام وتغييره أثناء الإحرام؟ فقد سمعت من بعض الناس أن الحاج لا يُبدِّل ملابسه أبدًا حتى يوم العيد، وذلك بعد الرمي والطواف والحلق والتقصير.
ما حكم الحج عن الابن المتوفى وهبة أعمال البر له؟ لأن امرأة تريدُ أن تَحُجَّ عن ابنها المُتَوفَّى في حادث، وكان قد سبق لها الحج، وتبرع والد المُتوفّى بنفقة الحج؛ لأنه كان طالبًا ولم يكن له مال خاص، كما تريد هذه المرأة أن تصطحب معها ابنتها البالغة من العمر ستة عشر عامًا، وقد تبرع لها والدها بنفقات الحج أيضًا؛ لأنها ما زالت طالبة، فهل يصحُّ حجّهما؟ وإذا كُتِبَ لها الحج عن ابنها، فما الذي يجب عليها عمله اعتبارًا من نية الحج إلى الانتهاء منه؟ وهل إذا صلَّت في الحرمين الشريفين بمكة والمدينة المنورة أن تُصَلي لابنها الصلوات المفروضة؟ وهل يجوز أن تؤدي العمرة عن نفسها بعد أداء الحج عن الابن المتوفى؟
ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للمرأة المحرمة؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّت بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.