التحريم بالرضاع من امرأة تزوجت مرتين أثناء الإرضاع

تاريخ الفتوى: 26 سبتمبر 2021 م
رقم الفتوى: 5672
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الرضاع
التحريم بالرضاع من امرأة تزوجت مرتين أثناء الإرضاع

ما الحكم لو طُلِّقت امرأة وهي ما زالت تُرضِعُ ابنها من هذا الزوج، وبعد انقضاء عدتها تزوجت من رجلٍ آخر، ثم بعد زواجها من الثاني وقبل أن تحمل منه قامت بإرضاع طفلٍ أجنبيٍّ مع ابنها من الزوج الأول، فأيّ واحد من الزوجين يكون أبًا لهذا الطفل الأجنبي من الرضاع الزوج الْمُطلِّق أم الزوج الحالي؟

وهل يتغير الحكم إذا حملت من زوجها الثاني أثناء الرضاع؟

الطفل الذي أرضعته هذه المرأة مع ابنها من الزوج الأول بعد زواجها من الثاني، هو ابنٌ من الرضاع للزوج الأوَّل، إذا أرضعته في مُدَّة الرضاع الشرعية وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن ولادته؛ سواء أكان هذا الرضاع قبل حملها من الثاني أم بعده، وذلك حتى الولادة من الثاني، وتسري على الأبوة من الرضاع أحكامُ الأُبوَّة من النَّسَبِ، ولا محرميَّة بالرضاع بين الطفل المذكور والزوج الثاني.

المقرَّر شرعًا أنه يَحرُمُ مِن الرضاع ما يَحرُمُ مِن النسب؛ مَتَى وقع الرضاع في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة على المُفتى به؛ إذ بالإرضاع تَصير المرضِعةُ أُمًّا مِن الرضاع لِمَن أرضعَته، ويحرم بهذا الرضاع على أصولها وفروعها، ويصير جميعُ أولادها -سواء منهم مَن رضع معه أو مَن هُم قبله أو بعده- إخوةً وأخواتٍ له من الرضاع؛ يدل على ذلك قول الله تعالى في بيان المحرمات من النساء: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: 23]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» متفقٌ عليه.

والحرمة كما تثبتُ للمُرضع، تثبتُ أيضًا لزوجها بالاتفاق؛ فيصير زوج المرضعة أبًا من الرضاع لمن رضع من زوجته؛ لأن اللبن منهما معًا؛ حيث حصل من بطنها وظهره من حين وطئه لها.

قال شمس الدين المنهاجي (ت: 880هـ) في "جواهر العقود" (2/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تعالى على أَنه يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب] اهـ.

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 116، ط. دار الكتب المصرية): [وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»] اهـ.

وقد اختلف الفقهاء في مسألة التحريم بالرضاع في جانب الزوج إذا طُلِّقت المُرضعة من زوجها ثم تزوجت من غيره بعد انقضاء عدتها ثم أرضعت طفلًا أجنبيًّا بعد زواجها من الثاني وقبل إنجابها منه، وهذا الخلاف بينهم راجعٌ إلى تحديد أيٍّ من الزوجين هو السبب في نزول اللبن أو استمرار نزوله؛ وذلك على التفصيل الآتي:

فذهب الحنفية إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل ما لم تحمل من الزوج الثاني، ونقلوا الإجماع في المذهب على ذلك؛ باعتبار أن اللبن قد نزل بسبب الأول، فلا يزول حكمه بزوال النكاح، فإن حملت من الثاني فالتحريم ثابتٌ كما هو للأوَّل عند أبي حنيفة حتى تلد وهو المعتمد في المذهب، وعند أبي يوسف كذلك ما لم يُعرف أن استمرار نزول اللبن إنما هو بسبب الثاني ويعرف ذلك بغلظة اللبن عمَّا كان عليه قبل الحمل، وعند محمد يثبت التحريم للاثنين بمجرد الحمل حتى الولادة، فإن ولدت فالتحريم للثاني دون الأول عندهم جميعًا؛ قال العلامة الموصلي في "الاختيار لتعليل المختار" (3/ 119، ط. الحلبي): [رجل طلَّق امرأته ولها لبن، فتزوجت آخر وحبلت، ونزل لها لبنٌ: فهو للأول ما لم تلد. وقال أبو يوسف: هو منهما إلا أن يعرف أنه من الثاني، وإنه يعرف بالغلظ والرقة. وقال محمد: هو منهما ما لم تضع، فإذا وضعت فمن الثاني.. وأبو حنيفة يقول: هو من الأوَّل بيقين، ووقع الشك في كونه من الثاني، والشك لا يعارض اليقين، فإذا ولدت تَيَقَّنَّا أنه من الثاني، ولا اعتبار بالغلظ والرقة؛ لأن ذلك يتغير بتغير الأحوال والأغذية] اهـ.

وذهب الشافعية إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل؛ سواء زاد اللبن أو نقص، انقطع أو لم ينقطع، حتَّى وإن حملت المُرضِع من الثاني، وذلك ممتدٌّ إلى الأوان الذي يحدث فيه اللبن عادةً بسبب الحمل، فإن آنَ هذا الأوان فالتحريم يثبت للثاني دون الأول؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (9/ 18، ط. المكتب الإسلامي): [أما قبل الولادة من الزوج الثاني: فإن لم يصبها، أو أصابها ولم تحبل، أو حبلت ولم يدخل وقت حدوث اللبن لهذا الحمل: فاللبن للأول؛ سواء زاد على ما كان أم لا، وسواء انقطع ثم عاد أم لا] اهـ.

وذهب الحنابلة إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل وإن حملت من الثاني، ما لم يزد لبنها بسبب هذا الحمل، فإن زاد بسبب الحمل فالتحريم ثابت لهما معًا بشرط أن تكون الزيادة في أوانها، فإن كانت في غير أوانها فالتحريم ثابت للأوَّل دون الثاني؛ قال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (9/ 350، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ولو تزوج امرأةً لها لبنٌ من زوجٍ قبله فحملت ولم يزد لبنُها فهو للأول، وإن زاد لبنُها فأرضعت به طفلًا صار ابنًا لهما) بلا نزاع، وعليه الأصحاب، لكن إن كانت الزيادة في غير أوانها فهو للأول بلا نزاع، وكذا لو لم تحمل وزاد بالوطء] اهـ.

بينما ذهب المالكية إلى ثبوت الحرمة بالرضاع للاثنين ما لم ينقطع اللبن، فإن انقطع ثم نزل فإن التحريم بالرضاع يثبت للثاني دون الأول؛ قال العلامة ابن عبد البر في "الكافي" (2/ 541، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [واللبن من الرجل قبل الفصال وبعده، ما لم تنكح المرأة، فان نكحت ولم ينقطع لبنها حتى ولدت من الآخر فاللبن منهما جميعًا، والحرمة به ثابتة بين المرضع وبين الزوجين جميعًا ما لم ينقطع الأول] اهـ.

وقال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 504، ط. دار الفكر): [(و) لو تأيَّمت وفي ثديها لبن من الأول ووطئها ثانٍ وأنزل (اشترك) الزوج الثاني (مع) الزوج (القديم) في الولد الذي أرضعته بعد وطء الثاني] اهـ.

وخلاصة ما سبق: أن المُرضعة إذا طُلِّقت من زوجها الأوَّل ثم تزوجت من غيره بعد انقضاء عدتها وأرضعت طفلًا أجنبيًّا:

- فإن كان ذلك قبل حملها من الثاني: فإنَّ أباه من الرضاع هو الأوَّل دون الثاني عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.

- وإن كان بعد حملها منه: فالراجح في مذهب الحنفية أنَّ الأب من الرضاع هو الأول مطلقًا ما لم تلد، ودُونَهُمُ الشافعيةُ؛ إلى أوان حدوث اللبن بسبب الحمل، والحنابلةُ بقيدِ عدمِ زيادة اللبن بسبب الحمل، فإن زاد فكلاهما أبوه من الرضاع عندهم، ويرى الإمام أبو يوسف أن كليهما أبوه من الرضاع ما لم يغلظ اللبن عما كان عليه قبل الحمل فتثبت الأبوة من الرضاع حينئذٍ للثاني، ويرى الإمام محمد أنهما أبواه من الرضاع سواء زاد اللبن بسبب الحمل أو لم يزد.

- وفي الحالتين يرى المالكية أن كليهما أبٌ له من الرضاع؛ حملت من الثاني أو لم تحمل.

ولأنَّ مسائل الرضاع متعلقة بالأحوال الشخصية للمُكلَّفين، وحيث لم ينصَّ قانونُها المصريُّ في هذه المسألة على اختيارٍ فقهيٍّ معيَّن؛ فإن العمل فيها يكون بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة؛ طبقًا للمادة الثالثة من مواد الإصدار للقانون رقم (1) لسنة 2000م، ونَصُّها: [تصدر الأحكام طبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة] اهـ.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الطفل الذي أرضعته هذه المرأة مع ابنها من الزوج الأول بعد زواجها من الثاني، هو ابنٌ من الرضاع للزوج الأوَّل، إذا أرضعته في مُدَّة الرضاع الشرعية وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن ولادته؛ سواء أكان هذا الرضاع قبل حملها من الثاني أم بعده، وذلك حتى الولادة من الثاني، وتسري على الأبوة من الرضاع أحكامُ الأُبوَّة من النَّسَبِ، ولا محرميَّة بالرضاع بين الطفل المذكور والزوج الثاني.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الزواج من فتاة تدعي أختها رضاع الفتاة من أم الفتى؛ فاثنان يرغبان في الزواج من بعضهما، وهناك عارض غير متحقق بسبب الرضاع، وهو أنه يوجد أخت للبنت المراد زواجها وأكبر منها باثنتي عشرة سنة تقريبًا تقول: إن أختي رضعت من أم الولد. وليس من شهود يزكون قولها مطلقًا، وأم الولد تنفي ذلك، وتؤيد قولها باليمين الشرعية أنها لم تُرضع البنت قطعيًّا، وكذلك أم البنت لا تذكر أنها أرضعت ابنتها من أم الولد، وهناك شهود، وهم خالة البنت وآخرون يقيمون معهم، يشهدون بأن البنت لم ترضع من أم الولد مطلقًا، والولد الذي يريد الزواج والبنت التي تريد الزواج منه يُكذِّبان الأخت في قولها إن أختها رضعت من أم الولد، وهي تقصد مجرد الكيد. نرجو إفتاءنا؛ هل يحل الزواج ببعضهما أم لا؟


طالبٌ بالجامعة كان يرغب في الزواج من بنت ابن خالة والدته، ولكن والدته وعدته بإتمام هذا الزواج بعد التخرج، ولما تخرج وأراد تنفيذ رغبته أخبرته أمه بأنه والبنت المذكورة أخوان في الرضاعة؛ إذ إنها أرضعتها مرة أثناء وجودها مع أمها في منزلهم، ولم يوافق أحدٌ أمَّه على قولها؛ لوجود قطيعة بين والدته وابن خالته من مدة ولادتهما، كما أخبرته بذلك أخته، وطلب عما إذا كان يحلُّ له الزواج من المذكورة، علمًا بأن والدته تقول إنها حينما أرضعتها كانت أمها بالمطبخ ولم تَرَ شيئًا وأن أم البنت تنكر رواية أمه، والسائل يشك في رواية أمه؛ لأنها تريد تزويجَه من فتاةٍ اختارتها والنيلَ من بنت ابن خالتها بقولها: إنها ليست جميلة وإنها عصبية وأخته في الرضاع.


ما قولكم دام فضلكم في امرأة أرضعت في مدة الرضاع بنتًا وابنَ عمها، ولكنها لم تتذكر عدد الرضعات لهذه البنت، إلا أن والدة الفتاة من النسب أخبرت أن ابنتها رضعت مرتين فقط، وعززت صحة كلامها بأماراتٍ تدل على أنها أرضعت الفتاة مرتين فقط، فوافقت المرضعة على ذلك، ثم أخبرت أنه يحتمل أنها أرضعت الفتاة أكثر من ذلك ولم تتذكر، ويريد الابن المذكور الزواج من بنت عمه المذكورة. فهل يجوز ذلك شرعًا أم لا؟


ما حكم استعمال الأجهزة والعقاقير التي تَعمَلُ على تَحفِيزِ حليب الثدي لدى المرأة التي لا تُرضِعُ أو العقيم؟ علمًا بأنها ترغب في أن تكفل طفلًا مجهول الأبوين في بيتها لِتُرضِعَهُ خمس رضعاتٍ مُشبِعاتٍ؛ لِيُصبِحَ ابنًا لها مِن الرضاعة ويَتَحَقَّقَ له الوجودُ الشرعيُّ في هذه الأسرة لِرَفْعِ الحَرَجِ عنها.


أفاد السائل أنه رضع من خالته مع أحد أولادها الذكور، وأنه من ثماني سنوات رضعت بنت لخالته من والدته، ويريد أن يتزوج من بنت خالته هذه، وسأل عن الحكم الشرعي في ذلك.


ما حكم إقرار الزوج بأن زوجته قد رضعت معه من أمه؟ فهناك امرأةٌ لها بنتٌ من زوجها، أرضعَت طفلًا مع بنتها المذكورة في مدة الرضاع، ثم بلغا رشدهما وتزوج هذا الولد بالبنتِ المذكورةِ من غير أن يعلما بالرضاعِ، وفعلًا عُقِد النكاحُ بينهما، فهل هذا النكاح -والحال ما ذكر- غير صحيح شرعًا ويجب فسخه؟ مع العلم بأن هذا الزوج مُقرٌّ بأن هذه البنت رضيعته من أمها، وأنهما رضعا معًا من أمها، ولم يرجع عن هذا الإقرار بل هو ثابتٌ عليه.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31