يقول السائل: بعض الناس المنتسبين للمذاهب الفقهية لا يقبلون اختلاف المذاهب الأخرى، ومنهم من ينكر العمل بها؛ فما حكم ذلك؟
المذاهب الفقهية الإسلامية: مدارس علمية متعددة متكاملة، اجتهدت في فهم النصوص الشرعية وفق المقاصد المرعيَّة تحت سقف الإجماع واللغة، وهذه المذاهب هي أعظمُ مظهرٍ من مظاهر الرُّقِيِّ في الحضارة الإسلامية التي قامت على خدمة النصِّ الشرعيّ؛ نقلًا، وإسنادًا، وتوثيقًا، وتدوينًا، وكتابةً، وفهمًا، وتوظيفًا، وتطبيقًا؛ فكان النَّص في هذه الحضارة:
هو المنطلق: الذي منه البدء.
وهو المنتهى: الذي هو الغاية والقصد.
وهو المحور: الذي شُكِّلَت على وفقه الحضارة.
وهو المعيار: الذي به تقويم الحراك البشري والحضاري.
والمذاهب الفقهية تنوعٌ مؤصَّل، واختلافٌ متكامل، بدأ بانتشار الصحابة في البلدان، وإدراكهم لطبائعها وبيئاتها، وتفاعلهم مع أعرافها وعاداتها؛ حتى نتجت من ذلك المدارس الفقهية السُّنّية؛ بدءًا بمدرسة الرأي عند الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان في الكوفة، ثم مدرسة النص وعمل أهل المدينة عند إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ثم مدرسة الجمع بينهما عند عالم قريش؛ الإمام الشافعي الذي ملأ الأرض علمًا، وانتهاء بمدرسة الحديث في بغداد عند إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنهم؛ فمذاهبهم إنَّما هي ضوابط لفهم الشريعة، ومسالك لاستنباط الأحكام من الوحي؛ حيث تفاعل كل إمام مع مقتضيات عصره وأعراف مصره، فجاء فقههم مُحقِّقًا لمصالح مجتمعاتهم، ومتلائمًا مع أعراف بيئاتهم في مختلف جوانب حياتهم، وطبَّقوا الأحكام تطبيقًا تَغيَّوْا فيه مقاصد الشرع ومصالح الخلق؛ فرأينا تنوع المذاهب على اختلاف الأقطار، واشتهر أهل كل بلدٍ بمذهبٍ مُعيَّن من المذاهب التي اتفقت الأمة الإسلامية على قبولها والعمل بها جيلًا بعد جيل.
قال الإمام الشعراني في "الميزان" (1/ 59، ط. عالم الكتب): [الشريعة كالشجرة العظيمة المنتشرة، وأقوال علمائها كالفروع والأغصان] اهـ، وقال (1/ 74): [الشريعة المُطهرة جاءت شريعةً سمحاءَ واسعةً شاملةً قابلةً لسائر أقوال أئمة الهُدى مِن هذه الأمة المُحمَّدية، وأنَّ كُلَّا منهم -فيما هو عليه في نفسه- على بصيرةٍ من أمره وعلى صراطٍ مستقيم، وأنَّ اختلافهم إنَّما هو رحمة بالأمة، نشأ عن تدبير العليم الحكيم] اهـ.
وقال الإمام القرافي في "الذخيرة" (1/ 140-141، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال الزناتي: والمذاهبُ كلها مسالكٌ إلى الجنة، وطُرقٌ إلى السعادة، فمن سَلَكَ منها طريقًا وصَّله] اهـ.
وذلك كلّه من التيسير الذي جاءت به الشريعة للمُكلَّفين، وأسباب رفع الحرج عنهم؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
ولذا فتنبه دارُ الإفتاء المصرية على أنَّ اتِّباع مذهبٍ بعينه لا يجوز أن يكون مبعثًا على التعصب في مجال الفتوى والعمل؛ فإنَّ فقهاء المذاهب وأئمتها كانوا ربما تركوا مذاهبهم في مسائل معينة وعملوا -في أنفسهم وفي الإفتاء لغيرهم- بالأقوال التي كانوا يرون أنها أكثر تحقيقًا لمقصود الشريعة، وأكثر مراعاة لمصالح الناس، وإنما فعلوا ذلك لأنَّ هناك فارقًا بين التعلُّم والإفتاء؛ ولذلك راعى العلماء المسائل الخلافية بين المذاهب من جهات متعددة؛ فأداروا الأقوال الخلافية بين الرُّخص والعزائم، وأجازوا العمل بقول مَن أباح تخلصًا من الإثم، ونَصُّوا على مشروعية طلب الأيسر والفتوى به، وجعلوا من قواعدهم الإمساكَ عن الإنكار على المخالف وحرَّموا تفسيقه، ونَصُّوا على وجوب تصحيح تصرفات المكلفين وحملها على الصحة ما دام أنَّ لها وجهًا صحيحًا في مذهب مُعْتَبَرٍ، ونَصُّوا أيضًا على أنَّ للمفتي أن يحيل المستفتيَ إلى مفتٍ غيره ما دام يرى أنَّ مذهب المحال عليه أنفع له أو أيسر عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم حدوث الخلوة بين الكافل والمكفول، إذا كان المكفول شارف البلوغ، والكافل ليس كبيرًا في السن؟
ما المقصود بكفالة اليتيم؟ وهل المراد بكفالته النفقة عليه فقط؟ أو يُقْصَدُ بها رعايته في كل مصالحه؟
ما حكم تحريض المخطوبة على ترك خطيبها؟
ما رأي الدين فيمَنْ يقومُ من الأطباء بتحنيط بعض أنواع الأجِنَّة من الحالات الشاذة والنادرة ناقصة النمو، ثم يقومُ بعرضها في عيادته للعظة والاعتبار؟
ما حكم كتمان الورثة لعلم الميت وعدم الموافقة على نشره؟ فإنَّ طباعة ونشر علم الميت يحتاج إلى موافقة الورثة جميعًا حتى يتم التصريح بالطبع والنشر، ولغفلة بعض الورثة عن حكم احتباس مُصنَّف ديني شرعًا، ولغفلة البعض من الورثة أيضًا عن ثواب نشر العلم والدين وحرمة احتباس العلم لا يوافقون على ذلك.
ما حكم التشارك في الطعام والشراب في إناء واحد؟ فنحن مجموعة من الشباب خرجنا معًا في رحلة، وجلسنا في استراحة الطريق لنتناول الغداء، فكنا نأكل في طبق واحد، ونتناوب زجاجة الماء نشرب منها جميعًا، فأَنِف أحدنا من هذا الفعل، وأنكر علينا إنكارًا شديدًا بحجة أنه قد تنتقل بسبب ذلك الأمراض، فرد عليه أحد الزملاء بأن ما نقوم به من التشارك في إناء الطعام والشراب سنة نبوية، فلا يجوز أن تنكر علينا ذلك، فما صحة هذا الكلام؟