المراد من قول صاحب البردة في حق النبي الكريم: "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ" والرد على المنكرين

تاريخ الفتوى: 29 أغسطس 2012 م
رقم الفتوى: 7094
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: آداب وأخلاق
المراد من قول صاحب البردة في حق النبي الكريم: "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ" والرد على المنكرين

هناك من الناس من يعترض على قول صاحب البردة: "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ" ويتهمُ قائل ذلك باتهامات بالغة، ويدَّعي أن في هذا منازعة لله تعالى في علمه. فما صحة هذا الاعتراض؟ وما الرد على ذلك؟

هذا الاعتراض ناشئ عن الجهل بالله تعالى؛ فإن علم الله تعالى أزلي أبدي، وتعالى أن يحيط به مخلوق.

والمراد من قول صاحب البردة في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ": أنَّ اللوحَ والقلمَ من بعض علومه صلى الله عليه وآله وسلم التي علمها إياه الله تعالى أو أن الله تعالى أطلعه على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وعلى علوم الأولين والآخرين، وهذا مِن جاهه عند الله تبارك وتعالى.

ولو نازع منازِعٌ في ذلك وأنكر فغاية ما يرد عليه نقلُ هذه المسألة من حيز القطعية إلى الظنية، فلا يكفر المخالف فيه ولا يبدع، وليس للمنازع أن ينقل المسألة من حيز الخلاف في ثبوت هذا المعنى في الكتاب والسنة أو عدم ثبوته إلى كونه شركًا أو كفرًا أو غُلُوًّا.

المدائح النبوية سنة نبوية كريمة درج عليها المسلمون سلفًا وخلفًا، وقصيدة الإمام البوصيري رضي الله عنه المعروفة باسم "البردة" تُعَدُّ من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعر المديح في الإسلام الذي جادت به قرائح الشعراء على مرِّ العصور، وهذا القول جزءٌ من بيت من أبياتها وهو:

فإنَّ مِن جُودِكَ الدنيا وضَرَّتَها ... ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ

وقد اعتُرِضَ على هذا البيت: بأنه جَعَل اللَّوْحَ والقَلَمَ بعضَ عُلُومِه صلى الله عليه وآله وسلم، فماذا بقي لله عز وجل من العلم؟

وهذا الاعتراض ناشئ عن الجهل بالله تعالى؛ فإن علم الله تعالى أزلي أبدي، وهو صفة من صفات ذاته، لا حد له، ولا نهاية، وتعالى أن يحيط به مخلوق؛ لوحًا كان أو قَلَمًا، فمن المحال إحاطةُ المخلوق بالخالق سبحانه أو بصفة من صفاته. كما أن علمه تعالى غير متوقف على وجود اللوح أو القلم، فقد علمهما قبل أن يوجِدَهما، والذي ورد في الحديث أن الله تعالى أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، أي: أن معلوماته مع كثرتها متناهية محصورة، فلو كانت "مِنْ" في كلام الناظم رحمه الله تعالى هنا للتبعيض وكان مرادُه أنَّ اللوحَ والقلمَ بعضُ علومه صلى الله عليه وآله وسلم التي علمها إياه الله تعالى، فليس في هذا مساواةٌ للمخلوق بالخالق أو وصفُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يختص به الله تعالى.

ويمكن أن يستدلَّ لهذا القول بالأحاديث التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة:

فمنها: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" معلَّقًا بصيغة الجزم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قام فينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقامًا، فَخَبَّرَنَا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 291، ط. دار المعرفة): [ودلَّ ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن تفنى إلى أن تبعث؛ فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ، والمعاش، والمعاد] اهـ.

ومنها: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي؛ حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ».

ومنها: ما رواه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه قال: "لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبة ما ترك فيها شيئًا إلى قيام الساعة إلا ذكره؛ علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله".

منها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" بسند صحيح من حديث سمرة رضي الله عنه قال: كسفت الشمس فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: «إنِّي وَالله لَقَد رَأيتُ مُنذُ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أنتُمْ لَاقُوهُ مِن أَمْرِ دُنيَاكُمْ وآخِرتِكُم».

ومنها: حديث رؤيةِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ربَّ العزة جل وعلا في المنام، والذي جاء فيه قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ؛ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي في "سننه"، وابن خزيمة في "التوحيد"، والحاكم في "المستدرك"، وصححه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وابن خزيمة والحاكم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ: «فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، ولفظ الدارقطني في كتاب "الرؤية" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فعلمتُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ورواه الدارقطني في "الرؤية" أيضًا والطبراني في "الدعاء" من حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "اختيار الأَوْلَى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 40، ط. مكتبة دار الأقصى): [وفيه دلالةٌ على شرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتفضيله بتعليمه ما في السماوات والأرض، وتجلي ذلك له مما تختصم فيه الملائكة في السماء وغير ذلك، كما أُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض. وقد ورد في غير حديث مرفوعًا وموقوفًا: أنه أُعطِيَ علمَ كلِّ شيء خلا مفاتيح الغيب الخمس التي اختص الله عز وجل بعلمها] اهـ.

وفي شرح هذا البيت من البردة يقول الإمام العلامة الجلال المحلي في "شرحه على البردة" (مخطوط ق: 23، أ-ب): [ومِن علومِكَ علمَ اللوح والقلم، يُقال: إن الله تعالى أطلعه على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وعلى علوم الأولين والآخرين، وهذا مِن جاهه عند الله تبارك وتعالى] اهـ.

ويقول شيخ الشافعية في زمنه العلامةُ ابن حجر الهيتمي في "العمدة في شرح البردة" (ص: 669، ط. دار الفقيه بالإمارات): [ووجه كون علم اللوح والقلم من بعض علومه صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى أطلعه ليلة الإسراء على جميع ما في اللوح المحفوظ، وزاده علومًا أُخَر؛ كالأسرار المتعلقة بذاته سبحانه وتعالى وصفاته] اهـ.

ولو نازع منازِعٌ في ذلك فغاية ما هنالك نقلُ هذه المسألة من حيز القطعية إلى الظنية، فلا يكفر المخالف فيها، وليس للمنازع أن ينقل المسألة من حيز الخلاف في ثبوت هذا المعنى في الكتاب والسنة أو عدم ثبوته إلى كونه شركًا أو كفرًا أو غُلُوًّا، على أنه يمكن أن تكون مِنْ هنا للجنس؛ أي: وعلم اللوح والقلم مِن جنس علومك، أي: أنهما علوم لَدُنِّيَّةٌ لا كسبية، ومصدرهما واحدٌ وهو الحضرة الربانية، وحينئذٍ فلا ورود للاعتراض أصلًا. ومما ذكر يُعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يقول السائل: أحد الأشخاص متعصّبٌ في بعض أمور الدين، ولا يقبل الرأي المخالف، ولا يقتصر على ذلك، بل يعادي صاحبه ويذمه؛ ممَّا يؤدي إلى إثارة الفتن بين الناس؛ فنرجو منكم بيان الرأي الشرعي الصحيح في ذلك؟


ما حكم الشرع في رجل يتلصَّص ويتجسَّس على الجيران ويُسيء الظن بهم وينظرُ نظرات سوء لجميع من يقابلهم، ويتلذَّذ باغتياب الناس، ويلفِّق التهم مدعيًا أنها شائعات لمجرد إشباع غريزته على حساب أقرب الناس إليه؟


ما حكم الانصراف من العمل الرسمي قبل المواعيد الرسمية لقضاء مصالح شخصية؟ وهل يختلف هذا الحكم في رمضان عن غيره؟


كلَّف أخٌ أخاه بشراء قطعة أرضٍ لصالحه وسافر، وتعرض الأخ المُكَلَّف لعملية نصبٍ اشترى على إثرها قطعة أرض معيبة بمرور تيار الضغط العالي عليها، مما يفقدها قيمتها، مما أثار مشاكل كثيرة بين الأخ وأخيه. قام الأخ الذي اشترى بتعويض أخيه بقطعة أرضٍ أخرى ومبلغ ستة آلاف جنيه مقابل القطعة المعيبة، وكان الاتفاق النهائي أن يدفع الأخ الأصغر مبلغ ستة آلاف جنيه كفارق سعرٍ على فتراتٍ زمنيةٍ وحسب حاجة الأخ الأكبر، حتى تبقى مبلغ 450 أربعمائة وخمسون جنيهًا، وقد ثارت مشاكل كثيرة بين الأخوين، ونتيجة للشجار بينهما حدث ما يلي:
1- أراد الأخ الأصغر أن يرجع عن الاتفاق النهائي المبرم بينهما والشاهد عليه شهود.
2- أقسم الأخ الذي من المفروض عليه أن يدفع 450 جنيهًا الباقية يمينًا بالطلاق؛ حيث إنه قال: "علي الطلاق من مراتي ما تخدهم، ولا ليك عندي حاجة".
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في الآتي:
1- هل يجوز للأخ الأصغر أن يرجع عن الاتفاق النهائي المبرم بينهما والشاهد عليه شهود؟
2- هل يعتبر يمين الطلاق الذي حلفه يمينًا يقع به طلاق أم لا؟


كيف نرُدُّ على مَنْ يزعُم أنَّ السادة الأشاعرة ليسوا من أهل السنة والجماعة؟


ما الحكم في رجل أحدث بابًا في حائط منزل مشترك بينه وبين شركاء آخرين مع وجود الباب الأصلي للمنزل المذكور، وذلك من غير رضاء الشركاء ولا إرادتهم، فهل له إحداث الباب المذكور أو ليس له ذلك ويؤمر بسد الباب الذي أحدثه وإعادة جدار المنزل إلى الحالة التي كان عليها؟ مع العلم بأن هذا الحائط يحمل فوقه أخشاب سقف الطبقة الأولى وما يليها من طبقات المنزل المذكور.
وإذا أحدث أحد الشركاء طاقة -أي شباكًا- في منزل مشترك؛ لأجل الضوء والهواء، وذلك في حال حياة شريكه وبعلمه ورضاه، ثم مات هذا الشريك، فهل لوارثه الحق في طلب سد الشباك المذكور أو ليس له ذلك؟ مع العلم بأن هذا الشباك ليس مشرفًا على موضع نساء ولا على ساحة جار، وإنما يشرف على طريق.
أفيدونا بالجواب عن الحكم الشرعي في هاتين المسألتين، ولكم الثواب.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57