حججتُ مع والدي وأنا طفل صغير ولم أبلغ سن التكليف الشرعي، فهل حجي في تلك السن الصغيرة يُعدُّ صحيحًا؟ وهل تُسقط عني حج الفريضة؟
ما قمتَ به من الحج مع والدكَ حال صغرك؛ هو حجٌّ صحيحٌ تثاب عليه أنت ووالدك أجرًا جزيلًا، إلا أنه لا يغني عن حج الفرض؛ لأن الحج وقع عنك تطوعًا، فيجب عليك أداء حجة الفريضة بعد البلوغ إذا استطعت إليها سبيلًا.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن الحجَّ ركن من أركان الإسلام الخمسة التي ورد ذكرها في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الشيخان.
وقد أناط الشرع الشريف فريضة الحج بالاستطاعة؛ فقال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فقال رجل: كل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثم قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا استَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شيء فَدَعُوهُ» أخرجه الشيخان.
اشترط العلماء لأداء فريضة الحج عدة شروط؛ من جملتها: البلوغ، ومن ثَمَّ فقد أجمعوا على أن الصبي غير مطالب بالحج؛ لعدم تكليفه به ابتداءً، فهو ساقط عنه حتى بلوغه؛ كما في "الإقناع" للإمام ابن القطان (1/ 247، ط. الفاروق الحديثة)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (3/ 213، ط. مكتبة القاهرة).
والصغير وإن كان غير مطالَبٍ بالحج، إلا أنه إذا حَجَّ أو حُجَّ به: جاز حَجُّهُ؛ مميِّزًا كان أو غير مميِّز، وهذا ما عليه الفتوى؛ لحديث السائب بن يزيد رضي الله عنهما قال: "حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فقال: «مَنِ الْقَوْمُ؟» قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللهِ»، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/ 441، ط. دار الوفاء): [لا خلاف بين أئمة العلم في جواز الحج بالصبيان] اهـ.
حج الصغير وإن كان جائزًا ويقع صحيحًا، إلا أنه لا يسقط عنه حجة الفريضة إذا بلغ سن التكليف؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ؛ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"، والقطيعي في "جزء الألف دينار"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"السنن الصغرى".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا حَجَّ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ، ثُمَّ احْتَلَمَ؛ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى» أخرجه سعيد بن أبي عروبة في "المناسك" واللفظ له، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (2/ 146، ط. المطبعة العلمية): [إنما كان له من ناحية الفضيلة دون أن يكون ذلك محسوبًا عن فرضه لو بقي حتى يبلغ ويدرك مدرك الرجال، وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوبَ فرضٍ، ولكن يُكتب له أجرُها تفضلًا من الله، ويُكتب لمن يأمره بها ومَن شدَّه إليها أجرٌ] اهـ.
أجمع أهل العلم على أن حج الصبي في صغره لا يجزئه عن حجة الفريضة بعد بلوغه سن التكليف، ومن ثَّمَ فعليه إذا بلغ هذه السن أن يحج إن استطاع إلى ذلك سبيلًا.
قال الإمام الترمذي في "جامعه" (1/ 252، ط. جمعية المكنز الإسلامي): [أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك؛ فعليه الحج إذا أدرك، لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام] اهـ.
وقال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 60، ط. دار المسلم): [أجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أو حُج بالصبي ثم بلغ، أن ذلك لا يجزئهما عن حجة الإسلام] اهـ، ونقله عنه الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 237) وقال: [كذلك قال ابن عباس، وعطاء، والحسن، والنخعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي] اهـ، وهو ما نص عليه أيضًا الإمام ابن القطان في "الإقناع" (1/ 247).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ما قمتَ به من الحج مع والدكَ حال صغرك؛ هو حجٌّ صحيحٌ تثاب عليه ووالدك أجرًا جزيلًا، ويقع عنك تطوعًا، إلا أنه لا يغني عن حج الفرض، فيجب عليك أداء حجة الفريضة بعد البلوغ إذا استطعت إليها سبيلًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
رجل مسافر لأداء العمرة، ويسأل: ما هو آخر وقت لانتهاء تلبيتي بالعمرة؟ حيث إنني سوف أشرع بالتلبية مع بداية إحرامي بالعمرة من المطار، فإلى متى أستمر في التلبية؟
ما مدى صحة رمي الجمرات بعد الساعة 12 مساءً؛ استنادًا إلى أن الرمي على مدار اليوم؟
ما حكم ترك المبيت بالمزدلفة؟ فقد من الله عليَّ بالحج هذا العام ولكن بعد النفرة من عرفات بعد المغرب وأثناء وجودنا بمزدلفة صلينا المغرب والعشاء جمع تأخير قصرًا، وكان ذلك في وقت صلاة العشاء، وفي عجالة شديدة التقطنا حصوات جمرة العقبة وخرجنا من مزدلفة دون المبيت فيها أو البقاء فيها إلى بعد منتصف الليل، ولم نشاهد المشعر الحرام؛ وذلك بناءً على توجيهات المشرف وخوفًا من الزحام. وقد قرأت في إحدى الكتب بأن المبيت في مزدلفة من واجبات الحج، ومن ترك واجبًا فعليه دم يوزع لفقراء الحرم، ولمَّا عرفت ذلك سألت المجموعة، فقالت لي: ليس علينا شيء؛ لأنه ليس الأمر بيدنا.
هل يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة في الرحلة الواحدة إلى البيت الحرام؟
ما حكم الحج عن مُتَوفًّى والعمرة عن مُتَوفًّى آخر في سفرة واحدة؟ فأنا أريد أن أعرف الحكم الشرعي فيمَن سَافر إلى الحَجِّ، ونوى عمرةً عن أُمِّه الـمُتوفَّاة، وحَجَّة لأبيه الـمُتَوفَّى، والعام الثاني يعكس، أي: يحج لأمِّه الـمُتوفَّاة، ويعتمر لأبيه الـمُتَوفَّى. فهل يجوز ذلك؟
سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية؛ صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبًا وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية:
أولًا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في تأخيرهم بالحجاز زمنًا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.
ثانيًا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويًّا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في وجود خطر على الحُجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة.
ثالثًا: عدم تمكُّن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات.
رابعًا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضًا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج.
لذلك قد أخذت الوزارة في ذلك الوقت رأي فضيلة المفتي السابق عما يراه موافقًا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلًا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج. وحيث إن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين؛ لذلك رأينا لزوم الاستمداد برأي فضيلتكم فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن.