ما حكم عدم تعيين النية في السعي الواجب في الحج؟ حيث حجَّ أبي العام الماضي مع أحد الأفواج المنظِّمة لرحلات الحج، وبعد طواف الإفاضة سعى مع الفوج من غير استحضارٍ لنية السعي الواجب في الحج؛ فهل يصحُّ السعي الواجب بعد طواف الإفاضة من غير استحضار النية له؟
ما قام به والدك مِنَ السعي الواجب في الحج بعد طواف الإفاضة من غير استحضار نيةٍ خاصَّةٍ له؛ هو سعيٌ صحيحٌ شرعًا، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن نية الحج عند الشروع فيه تشمل كلَّ أعماله.
المحتويات
السَّعْيُ لغةً: المَشْيُ والمُضِيُّ، وقيل: هو العَدْوُ؛ أي ما دون الشَّد وفوق المشي، يقال: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا إذا عَدَا وأَسْرَع، ومنه: السعي بين الصفا والمروة. ينظر: "جمهرة اللغة" للعلامة ابن دُرَيْد (2/ 844، ط. دار العلم للملايين)، و"الزاهر" للعلامة الأزهري (ص: 122، ط. دار الطلائع)، و"تاج العروس" للعلامة الزبيدي (38/ 279، ط. دار الهداية).
والسعي: يُطلق ويُراد به المشي بين جبلي الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ بعد طوافٍ في نُسُكِ حجٍّ أو عُمرةٍ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَطَافَ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
أما النية فهي لغةً: القصد، يقال: نَوَيْتُ نِيَّةً ونَواةً، أي عزمت؛ كما في "مختار الصحاح" لزين الدين الرازي (ص: 322، ط. المكتبة العصرية)، و"المصباح المنير" للعلامة الفيومي (2/ 631، ط. المكتبة العلمية).
واصطلاحًا: هي "قَصْدُ الإنسان بقلبه ما يريده بفعله"؛ كما في "الذخيرة" لشهاب الدين القَرَافِيِّ (1/ 240، ط. دار الغرب الإسلامي).
والنية مطلوبة شرعًا في عموم الأعمال؛ سواء كانت من قبيل العبادات أو العادات؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» أخرجه الشيخان. فدَلَّ الحديثُ على أنَّ ثواب الأعمال وجزاءها مُتوقفٌ على النية.
من المقرر شرعًا أنَّ أول ما يبدأ به الحاج أو المعتمر من المناسك أو أعمال الحج والعمرة: الإحرام، ويُراد به نِيَّةُ الدخول في النُّسك الذي هو عبادةٌ محضةٌ لا تصح بغير نية؛ لعموم الأحاديث الدالة على أن الأعمال بالنيات؛ ولِمَا أجمع عليه المسلمون مِن عدم صحة الحج بغير نية.
قال الشيخ ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" (2/ 601، ط. مكتبة العبيكان): [الحج لا يصح بغير نية بإجماع المسلمين] اهـ.
الحكم في مسألتنا ينبني على مبدأ "الانسحاب" عند الفقهاء؛ ولَمَّا كان الحج من العبادات ذات الأفعال المتعددة، فإن نية الإحرام وحدها تكفي عن جميع المناسك بعدها كالسعي، والوقوف بعرفة، ورمي الجمرات.. ونحو ذلك؛ لأن نية الإحرام تنسحب على جميع الأعمال المندرِجة تحته فتشملها، ومن ثَمَّ فإذا أحرم الحاج أو المعتمر بالنُّسك فقد نوى جميع المناسك بإحرامه ضمنًا، ولا يحتاج السعي بين الصفا والمروة حينئذٍ -كما هي مسألتنا- إلى تجديد النية عند الشروع فيه؛ لأنه يندرج تحت نية الإحرام؛ وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية في الصحيح، وظاهر قول أكثر الحنابلة، وهو المختار للفتوى.
قال علاء الدين الحَصْكَفِيُّ الحنفي في "الدر المختار" (ص: 61، ط. دار الكتب العلمية): [المعتمَد أنَّ العبادةَ ذاتَ الأفعال تنسحب نِيَّتُهَا على كُلِّها] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 438، ط. دار الفكر) مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: المعتمَد أنَّ العبادة.. إلخ) مقابله ما في "الأشباه" عن "المجتبى" مِن أنه لا بد مِن نية العبادة في كلِّ ركنٍ، فافهم. واحترز بـ"ذات الأفعال" عما هي فعلٌ واحدٌ كالصوم، فإنه لا خلاف في الاكتفاء بالنية في أوله، وَيَرِدُ عليه الحَجُّ فإنه ذو أفعال، منها طواف الإفاضة، لا بد فيه من أصل نية الطواف وإن لم يُعَيِّنْهُ عن الفرض، حتى لو طاف نفلًا في أيامه وقع عنه، والجواب: أن الطواف عبادة مستقلة في ذاته كما هو ركن للحج، فباعتبار ركنيته يندرج في نية الحج فلا يُشترط تَعْيِينُهُ، وباعتبار استقلاله اشتُرط فيه أصل نية الطواف، حتى لو طاف هاربًا أو طالبًا لغريمٍ لا يصح، بخلاف الوقوف بعرفة فإنه ليس بعبادة إلا في ضمن الحج فيدخل في نيته، وعلى هذا الرميُ والحَلْقُ والسعيُ] اهـ.
وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 321، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية العدوي"): [وإنما طُلبَت النيةُ مِنَ المارِّ دون غيره ممن وقف؛ لأنه لَمَّا كان فِعله لا يشبه فعل الحاج في الوقوف احتاج إلى نية، بخلاف من وقف؛ لأن نية الإحرام اندرج فيها الوقوفُ؛ كالطواف والسعي] اهـ.
قال العلامة العدوي في "حاشيته عليه": [(قوله: بخلاف مَن وقف) أي: ففِعله يُشبه فِعل الحاج، بل فِعله فِعل الحاجِّ أي: غيره، وإلا فهو حاجٌّ أي: فلا يحتاج لنية، وقوله: (لأن نية الإحرام) تعليل للمحذوف الذي هو "قولنا" فلا يحتاج، وقوله: (لأن نية الإحرام) اندرج فيها أي: ولم يندرج فيها ما لا يُشبه فِعله فِعل الحاج] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 37، ط. دار الفكر): [(قوله: إن نواه) إنما طُلبت النية مِنَ المارِّ دون غيره ممن استَقَرَّ مُطمَئِنًّا؛ لأنه لَمَّا كان فِعله لا يُشبه فِعل الحاج في الوقوف احتاج لنية، لعدم اندراج فِعله في نية الإحرام، بخلاف مَن وقف؛ لأن نية الإحرام يندرج فيها الوقوفُ كالطواف والسعي] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 16-17، ط. دار الفكر): [(فرع) قال القاضي أبو الطيب في تعليقه في أعمال يوم النحر في مسائل طواف الإفاضة: أفعال الحج؛ كالوقوف بعرفات وبمزدلفة والطواف والسعي والرمي هل يفتقر كلُّ فِعل منها إلى نيةٍ؟ فيه ثلاثة أوجُه: (أحدها): لا يفتقر شيءٌ منها إلى نية؛ لأن نية الحج تشملها كلَّها، كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها ولا يحتاج إلى النية في ركوع ولا غيره، ولأنه لو وقف بعرفة ناسيًا أجزأه بالإجماع. (والوجه الثاني) -وهو قول أبي إسحاق الْمَرْوَزِيِّ-: لا يفتقر شيءٌ منها إلى النية، إلا الطواف؛ لأنه صلاةٌ، والصلاة تفتقر إلى نية. (والثالث) -وهو قول أبي علي بن أبي هريرة-: ما كان منها مختصًّا بفِعلٍ؛ كالطواف والسعي والرمي افتَقَرَ، وما لا يختصُّ وإنما هو لُبْثٌ مجرَّدٌ؛ كالوقوف بعرفات وبمزدلفة والمبيت لا يَفْتَقِرُ، هذا كلام القاضي. (والصحيح) مِن هذه الأوجُه هو الأول، ولم يذكر الجمهورُ غيرَه إلا الوجه الضعيف في إيجاب نية الطواف، والصحيح أيضًا عنده ذِكرُ الخلاف فيها: أنها لا تَجِب كما سبق، والله أعلم] اهـ.
وقال شمس الدين ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (6/ 45، ط. مؤسسة الرسالة، ومعه "تصحيح الفروع") في كلامه عن شروط السعي: [ومِن شرطه: النية؛ قاله في "المذهب" و"المحرر"، وزاد: وألَّا يُقَدِّمَهُ على أشهُر الحج، وظاهر كلام الأكثر خلافُهما] اهـ.
قال علاء الدين المَرْدَاوِيُّ في "تصحيح الفروع" مُحَشِّيًا عليه: [قلتُ: الصواب ما قاله في "المذهب" و"المحرر"، وقاله أيضًا في "مسبوك الذهب" و"الفائق"؛ لأنها عبادة قطعًا، وظاهر كلام الأكثر أن النية لا تُشترط لذلك؛ لعدم ذكرهم لها في شروط السعي، وقد يُجاب بأنهم لم يذكروها اعتمادًا على أنها عبادة، وكلُّ عبادةٍ لا بد لها مِن نية، ولكن يُعَكِّرُ على ذلك كونُهم ذَكَروا النية في شروط الطواف ولم يذكروها في شرط السعي، والله أعلم] اهـ.
وقال في "الإنصاف" (4/ 22، ط. دار إحياء التراث العربي): [تنبيه: ظاهر كلام المصنِّف: أن النية ليست شرطًا في السعي، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، قاله في "الفروع". قلت: وفيه نظر وضعف، وقيل: هي شرط فيه، قلت: وهو الصواب؛ لأنه عبادة، وجزم به في "المذهب"، و"مسبوك الذهب"، و"المحرر"، و"الفائق"، ولا أظن أحدًا من الأصحاب يقول غير ذلك ولا وجه لعدم اشتراطها] اهـ.
وقال برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في "المبدع" (3/ 206، ط. دار الكتب العلمية): [وفي شرط النية قاله في "المذهب" و"المحرر" وزاد: وألَّا يقدمه على أشهر الحج، وظاهر كلام الأكثر خلافهما] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ما قام به والدكَ مِنَ السعي الواجب في الحج بعد طواف الإفاضة من غير استحضار نيةٍ خاصَّةٍ له؛ هو سعيٌ صحيحٌ شرعًا، ولا حرج عليه في ذلك، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الحج عن المريض في حال حياته؟ فإن لي عمًّا يبلغ من العمر 80 عامًا يعاني من عدة أمراض: القلب، حساسية في الصدر، الكلى. وقد أوصاني بتأدية فريضة الحج عنه بعد مماته. هل يجوز أن أؤديها وهو على قيد الحياة -في حياة عينه-؟
ما مدى صحة حديث: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَن يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَن شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»، وهل ينطبق على الحاج؟
ما حكم لبس قبعة المظلة الشمسية المثبتة على الرأس للمحرم؟ فقد ذهب رجل لأداء فريضة الحج، واشتد عليه حرُّ الشمس، ولم يجد ما يحتمي به غير ما أعطاه له صديقه من قبعةِ المظلَّة الشمسيَّة القابلة للطَّي، والتي تثبت على الرأس بشريط مطاط، وتبقى مرتفعةً عن الرأس غير ملامسةٍ له، فاستعملها خلال أداء المناسك، فهل ما فعله يوجب عليه الفدية؟
ما حكم الحج عن المريض؟ فبرجاء التكرم والتفضل من سيادتكم بإعطائي الفتوى الشرعية عن حكم قيامي بالحج وحالتي الصحية غير منتظمة؛ حيث إنني مصاب بالتهاب كبدي -فيروس c- مزمن، وتضخم وتليف بالكبد، ومضاعفات عملية إزالة ورم حميدي نشط بالمخ، واضطراب في إفرازات الغدد الصماء، وكسل في الغدة الدرقية، وخشونة شديدة في المفاصل والعمود الفقري، وسيولة في الدم، وصرع، ويتم علاجي بالمُكَمِّلات الغذائية والمُسَكِّنات -24 صنف علاج يوميًّا-، ولا أقدر على الصلاة واقفًا، فأصلي على كرسي، وأتحرك دائمًا بالتوك توك -أعاذكم الله مِن مِثل هذه الأمراض-، مع ملاحظة أني تقدمت للحج في أكثر من جهة عن طريق القرعة والشركات السياحية منذ ثلاث سنوات. فهل عليَّ وزرٌ إذا لم أحج؟ وهل إذا ذهبت للحج يكون في ذلك إهلاك لنفسي؟ وماذا أفعل في حالتي هذه؟
ما حكم الإحرام لمن سافر إلى مكة ثم نوى أداء العمرة؟ فقد سافرت إلى مكة المكرمة لزيارة ابنتي، فدخلتها غير محرم؛ ثم بدى لي طالما أنني موجود في هذه الرحاب الطيبة، الذهاب غدًا لأداء العمرة، مع العلم أنني حين دخلتها لم أكن أقصد أداء العمرة، وإنما قصدت زيارة ابنتي، فهل دخولي إليها على هذه الحال يوجب علي دم؟ وهل يجوز لي الإحرام بالعمرة منها؟ أم أرجع إلى ميقات بلدي؟
ما حكم الوقوف بعرفة للمريض حامل قسطرة البول؟ فهناك رجلٌ حاجٌّ أصابته مشكلة مَرَضية يوم عرفة، وتم تركيب قسطرةٍ بوليةٍ له متصلةٍ بالمثانة مباشرة، مما جعله غير متحكِّمٍ في عملية إخراج البول المستمر طول وقت الوقوف، فهل وقوفه بعرفة على هذه الحال صحيحٌ شرعًا؟ علمًا بأنه لا يستطيع نَزْعَ هذه القسطرة ولا إفراغَ ما فيها مِن البول بنَفْسه.