حكم من أحرم ثم مات قبل أداء المناسك

تاريخ الفتوى: 27 يونيو 2023 م
رقم الفتوى: 7738
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الحج والعمرة
حكم من أحرم ثم مات قبل أداء المناسك

ما حكم الحجّ لمن أحرم ثم مات قبل أداء المناسك؟ فقد أحرَم شخصٌ بفريضة الحج، ثم توفي قبل أداء شيءٍ مِن المناسك، فما حكم حَجِّهِ شرعًا؟ وهل على ورثته أن يُكمِلوا الحجَّ عنه؟

من أحرم بالحج ثم مات حال إحرامه فقد انقَطَع إحرامه بموته، وسَقَطَ عنه وُجوب الحج بعد أن أَحرَم به ولم يُؤَدِّ مناسكه، وثَبَتَ له أجرُه بشروعه في أدائه، وكَتب الله له أَجْرَ الحج كاملًا دون أنْ يَنْقصَ مِن أجره شيءٌ، ولا يَلزم ورثَتَه أن يَحُجُّوا عنه أو يُكملوا حَجَّهُ.

المحتويات

 

بيان وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة

الحج ركنٌ مِن أركان الإسلام، وهو فرضٌ على كلِّ مكلَّفٍ مستطيعٍ في العُمر مرةً واحدةً؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

ثواب من أحرم ثم مات قبل أداء المناسك

مَن وَجَبَ عليه الحجُّ، فخَرَج مِن بيته قاصدًا أداءَ ما فَرَضه الله عليه مِن عبادةٍ، ثُم مات في الحج، كَتب الله له أَجْرَ الحج كاملًا دون أنْ يَنقص مِن أجره شيءٌ، سواءٌ كان الموت قَبل الإحرام أو بَعده؛ لأنَّ الشُّروع في الطاعة طاعةٌ، وقد بيَّنت السُّنَّة النبوية المطهَّرة أنَّ المسلم إذا همَّ بعَمَلِ طاعةٍ كَتب الله له أجرَها، فإنْ عَمِلَها ضاعف الله له الأجر فيها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".

وفي خصوص ثُبوت أَجْرِ الحج لِمَن خَرج قاصدًا حجَّ بيت الله الحرام وأداء فَرْضِهِ، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرَ الْحَاجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الأئمة: البيهقي في "شعب الإيمان"، والطبراني في "المعجم الأوسط"، وأبو يعلى الموصلي في "المسند" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ-، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا» متفق عليه.

ومعنى «وَقَصَتْهُ»: قَتَلَته، "مِن الوَقصِ وهو كَسْر العُنُق"؛ كما قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (8/ 50، ط. دار إحياء التراث العربي)، ثم قال (8/ 52): [وفيه: أنَّ مَن شرع في طاعةٍ ثم حال بيْنه وبيْن إتمامِهَا الموتُ، يُرجى له أنَّ الله تعالى يَكتُبه في الآخرة مِن أهل ذلك العَمَل، ويَقبَلُهُ منه إذا صَحَّت النِّيَّةُ] اهـ.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 456، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وإذا مات الحاجُّ) عن نَفْسه أو غيره (أو تَحَلَّلَ لإحصارٍ في أثناء الأركان) فيهما (لم يَبطُل ثوابُه)؛ إذ لا تقصير منه] اهـ.

ما تَقرَّر إنما هو في ثواب الحج.

حكم الحجّ لمن أحرم ثم مات قبل أداء المناسك

أما بالنسبة للفرض المتعلق بذمة المكلَّف إذا أحرَم بالحج ثم مات قَبل أداء المناسك، فالمختار للفتوى: أنَّ إحرامَه يَنقطع بموته؛ لزوال مَحَلِّ التكليف وهو الحياة، وهو مذهب الحنفية والمالكية.

وقد استدلُّوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، والترمذي وأبو داود في "السنن" مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والإحرام ليس مِن هذه الثلاثة، كما أنَّ الإحرامَ "عبادةٌ لها إحرامٌ وإحلالٌ، وأُبيحَ له التحلُّلُ فيها، فوَجَب أن يَخرُجَ منها بالموت كالصلاة، ولأنها عبادةٌ يَخْتَصُّ حُكمُها به دون غيره، فوَجَب أن يَبْطُل حُكمها بالموت كالصوم، ولأنَّ حُكم الإحرام لو كان باقيًا لكان يَجِبُ أن يُطاف به، ويُوقَفَ بعرفة، ويُرمَى عنه كما يُفعَل بالمُغْمَى عليه والمريض، وأن يَلزمَ مَن يُطَيِّبُهُ فديةٌ، ولأنَّ الموتَ سببٌ لسُقُوط كفَّارات الإحرام، فأَوْجَبَ الخروجَ منه كالتحلُّل، ولأنه معنًى يَمنع بقاءَ أفعال الإحرام عليه مِن غير مراعاةٍ كالتحليل، ولأنها عبادةٌ يتعلَّق بها تحريمُ الطِّيب، فوَجَب أن يَخرج منها بالموت كالعِدَّة"؛ كما قال القاضي عبد الوهاب في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (1/ 353-354، ط. دار ابن حزم).

وقال بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (8/ 51، ط. دار إحياء التراث العربي): [لأنها عبادة شُرِعَت فبَطلت بالموت كالصلاة والصيام، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ..»، وإحرامُه مِن عَمَلِهِ، ولأنَّ الإحرام لو بَقِيَ لَطِيفَ به وكملت مناسكُه] اهـ.

وقال جمال الدين المَنْبِجِي الحنفي في "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 45، ط. دار القلم): [الإحرام يَنقطع بالموت] اهـ.

وقال أبو عبد الله المَازَرِي المالكي في "شرح التلقين" (1/ 1143، ط. دار الغرب الإِسلامي): [الميت انقَطَع التكليفُ عنه، وتكليفُه لا يصح، فلا معنى لبقاء حُكم الإحرام؛ لانقطاع التكليف، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ..»، ذَكَرَها ولم يَذكُر فيها الإحرام، وهذا تنبيهٌ على صحة ما قال مِن انقطاع حُكم العمل، مع أنَّ ظاهِرَ الحديث يوجِب انقطاعَ حُكم الإحرام بعُمُوم ما ذُكِرَ فيه مِن الِانقطاع سِوَى ما استَثْنَاه، أَلَا تَرَى أنَّ المُحرِمَ إذا مات لا يُطافُ به ولا يُفعَل بجسده مناسكُ الحج، وإنما ذلك لِاستحالة تكليفِه وانقطاعِ العبادة عنه، فإذا لم يُفعَل به مناسكُ الحج دَلَّ ذلك على سُقُوط حكم الإحرام] اهـ.

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (1/ 353): [مسألةٌ: حُكم الإحرام يَنقطع بالموت.. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ..»، ولم يَذكُر فيها الإحرام] اهـ.

وهذا يقتضي عدم جواز البناء على حجه؛ لانقطاع إحرامه بالموت، وسقوط الحج عنه بعد السعي في أدائه؛ لأنه "مَتَى سَعَى فيه سَعَى في واجبه، وإن مات قبل فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَط عنه"؛ كما قال شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 474، ط. دار الفكر).

كما أنه لا يطالَب بالوصية بالحج عنه ولا إثم عليه في ذلك؛ لأن الوصية بالحج إنما هي في حقِّ مَن وَجَب عليه الحج فلم يخرج لأدائه حتى مات، فإن خَرَج للحج سَقَط عنه وجوب الوصية به.

قال العلامة الشُّرُنْبُلَالِي في "حاشيته على الدرر الحكام" (1/ 260، ط. دار إحياء الكتب العربية): [قوله: (خَرَج إلى الحج ومات في الطريق وأَوْصَى.. إلخ) أقول: ولا تكون الوصيةُ واجبةً عليه على ما قال في "التجنيس"، إنما يجب الإيصاء بالحج على مَن قَدَرَ إذا لم يَخرج إلى الحج حتى مات، فأما مَن وَجَب عليه الحج فخَرَج عن عامه فمات في الطريق لا يجب عليه الإيصاء بالحج؛ لأنه لم يؤخِّر بعد الإيجاب، قال الكمال: وهو قيدٌ حسن] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ إحرام الرجل المذكور بالحج قد انقَطَع بموته، وسَقَطَ عنه وُجوب الحج بعد أن أَحرَم به ولم يُؤَدِّ مناسكه، وثَبَتَ له أجرُه بشروعه في أدائه، ولا يَلزم ورثَتَه أن يَحُجُّوا عنه أو يُكملوا حَجَّهُ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التطوع بأقل من سبعة أشواط في الطواف بالبيت؟


ما حكم أداء العمرة عقب الانتهاء من أعمال الحج؟ فقد قمت بأداء فريضة الحج ولم أكن أعرف أنواع النسك، فأحرمت ونويت الحج دون تحديد نوع معين من النسك، ثم بعد رمي الجمرات والنزول من منى مباشرة ذهبت إلى مسجد التنعيم وأحرمت بالعمرة. فما الحكم في ذلك؟


ما حكم قصر الحج على الموجودين في السعودية بسبب الوباء؟ ففي ظل انتشار وباء كورونا في هذه الآونة، قررت وزارة الحج بالسعودية إقامة حج هذا العام بأعداد محدودة جدًّا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًّا، يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، فهل يتماشى هذا القرار مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ خاصة مع ظهور بعض الدعاوى بأن منع الحج أو تقييده بشكل جزئي لا يجوز، وأن هذه سابقة لم تحدث قبل ذلك.


ما حكم التبرع بنفقات الحج والعمرة للوالد؟ فزوجتي تعمل ولها دخل مستقلٌّ ووالدها رجل طاعن في السن وغير قادر ماديًّا على أداء مناسك الحج والعمرة، وولداه الذكور غير قادرين على مساعدته في ذلك، وتريد زوجتي وأنا أتفق معها على تخصيص المال الكافي من ذمتها المالية لأبيها حتى يتمكن من أداء مناسك الحج والعمرة، وأنا وزوجتي أدَّينا فريضة الحج والحمد لله، هل يجوز شرعًا أن يحج أو يعتمر والد زوجتي على نفقتها؟


ما حكم ترك التروية في مِنًى ليلة عرفة؟ وهل الوقوف بها سُنَّةٌ، أو واجبٌ، أو رُكنٌ، أو مَندوبٌ؟ وما حكم مَن تركها بدون عذر؟


ما حكم الإمساك عن الأخذ من الشعر والأظفار لمن يجمع بين الحج والأضحية؟ فرجلٌ عزم على الحجِّ متمتعًا هذا العام، وقد وكَّل مَن يذبح عنه أضحيةً في بلده، فهل له أن يأخذ مِن شَعرِه وأظفاره للنظافة الشخصية قبل إحرامه، أم هو مطالبٌ شرعًا بالإمساك عنهما مِن أول ذي الحجة إلى أن تُذبح أضحيتُه؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57