ما حكم صلاة المنفرد والجماعة قائمة؟ فقد رأيت أحد الأشخاص دخل المسجد والجماعة قائمة، فصلى منفردًا صلاة مستقلة دون اقتداء بالإمام، ثم انصرف؛ فهل صلاته منفردًا والجماعة قائمة صحيحة؟
ينبغي على المسلم أن يتحرَّى الصلاة في جماعة؛ لِمَا لها من فضلٍ عظيم، وخيرٍ عميم، وثوابٍ جزيلٍ، وقد حثَّ عليها النبي الكريم، إلا أنه لو صلَّى الشخص منفردًا والجماعة قائمة؛ فصلاته صحيحة وتجزئه، لكنه أساء بفعله هذا؛ لمخالفته مقصود الشرع الشريف منها، ما لم يكن له عذرٌ في ترك الجماعة.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن صلاة الجماعة من أعظم شعائر الإسلام، وهي فرضٌ على الكفاية، سُنَّةٌ على الأعيان، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ» متفقٌ عليه.
الأصل فيمن دخل المسجدَ والجماعةُ قائمةٌ أن يلتحق بها على أيِّ حالٍ؛ إلا أنه لو صلى منفردًا والحالة هذه، فقد نصَّ غيرُ واحد من العلماء على صحة صلاته، وأنها تجزئه، لكنه أساء بفعله هذا.
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 457- 458، ط. دار الفكر): [صلاة الجماعة واجبة على الراجح في المذهب، أو سُنة مؤكدة في حكم الواجب؛ كما في "البحر"، وصرحوا بفِسْق تاركها وتعزيره، وأنه يأثم، ومقتضى هذا أنه لو صلى مفردًا؛ يؤمر بإعادتها بالجماعة، وهو مخالف لما صرحوا به في باب "إدراك الفريضة": من أنه لو صلى ثلاث ركعات من الظهر، ثم أقيمت الجماعة؛ يُتِمُّ ويقتدي متطوعًا، فإنه كالصريح في أنه ليس له إعادة الظهر بالجماعة مع أن صلاته منفردًا مكروهةٌ تحريمًا أو قريبة من التحريم.. (قوله: والمختار أنه) أي: الفعل الثاني جابر للأول بمنزلة الجبر بسجود السهو، وبالأول يخرج عن العهدة وإن كان على وجه الكراهة على الأصح؛ كذا في "شرح الأكمل على أصول البَزْدَوِي"] اهـ.
وقال أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى" (1/ 291، ط. مطبعة السعادة): [ولو قدَّموا رجلًا منهم إلا واحدًا منهم صلى فذًّا، فقد أساء وتُجْزِئه صلاتُه، بمنزلةِ رَجُلٍ وَجَدَ جماعةً تصلي بإمام فصلى فذًّا] اهـ.
وقال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 89، ط. دار الفكر): [قال القَبَّاب في شرح أول القاعدة الثانية -وهي أول الصلاة في كلامه على الصلوات الممنوعة-: فإذا كان الإمام في فرضٍ، فلا يجوز للشخص أن يصلي تلك الصلاة فذًّا، ولا في جماعة، ولا أن يصلي فريضة غيرها، قال القاضي عِيَاض: فإن فعل أساء، وتجزئه، قاله فيمن يصلي فذًّا ما يصلي الإمام جماعة انتهى.
وما ذكره عن القاضي عِيَاض لم أره، بل ظاهر كلامه في القواعد خلافه؛ لأنه عدَّ من مفسدات الصلاة: إقامة الإمام على المصلي صلاة أخرى. فتأمَّلْه، وفي "الأُبِّي شرح مسلم" في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» ما نصه: قلت: الظاهر أنه نفى الكمال لا الإجزاء، بدليل أنه لم يأمر المصلي بالإعادة. انتهى بالمعنى.
وصرَّح به في "التوضيح" في فصل الاستخلاف بالإجزاء، ونقله عن الباجي، ذَكَرَهُ في قوله: وكذا لو أتمَّ بعضُهم وحدانًا، ونصه بعد قوله: وحدانًا، بمنزلة جماعةٍ وجدوا جماعةً يصلون في المسجد بإمام فقدَّموا رجلًا منهم وصلوا، قال الباجي: قالوا: ولو هُمْ قدَّموا رجلًا إلا واحدًا منهم صلى فذًّا فقد أساء، وتجزيه صلاته، بمنزلة رجل وجد جماعة تصلي بإمام فصلى وحده فذًّا] اهـ.
وقال العلَّامة الزُّرْقَاني المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 497، ط. دار الكتب العلمية): [فيكره لِمَن بالمسجد الانفراد بها عن الجماعة التي يصلونها به، وأولى إذا كان انفرادُه يعطِّلُ جماعةَ المسجد] اهـ.
وقال العلَّامة المَحَامِلي الشافعي في "اللباب" (ص: 94-95، ط. دار البخاري): [وأما المكروه؛ فهو خمسة أنواع وهو:.. والصلاة منفردًا في المسجد في وقت الجماعة] اهـ.
وقال العلَّامة البُهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 259، ط. عالم الكتب): [(لا شرطًا) أي: ليست الجماعة شرطًا لصحة الصلاة نصًّا؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رواه الجماعة إلا النسائي وأبا داود، ولا يصح حمله على المعذور؛ لأنه يُكتب له من الأجر ما كان يفعله لولا العذر للخبر، ولا يمتنع أن يجب للعبادة شيء وتصح بدونه، كونه كواجبات الحج، وكالصلاة في الوقت (فتصح) الصلاة (من منفرد) لا عذر له، ويأثم، وفيها فضل لما تقدم] اهـ.
من المقرر أن المقصودَ الأعظم من صلاة الجماعة هو تحقيقُ وحدة واجتماع المسلمين، وإظهار التعاطف والتراحم والقوة ووحدة الصفوف، وفي صلاة الشخص منفردًا مع قيام الجماعة ما يخالف هذا المقصود، فضلًا عما قد يقع للمنفرد من تشويش؛ لعلو صوت الجماعة، ممَّا قد يفسد عليه صلاته.
قال الإمام الحطَّاب في "مواهب الجليل" (2/ 111) في صلاة جماعتين في مسجدٍ واحد: [الفعلُ المذكورُ مناقضٌ لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة، وهو اجتماع المسلمين، وأن تعودَ بركةُ بعضِهم على بعض، وأن لا يؤدي ذلك إلى تفرُّق الكلمة، ولم يسمح الشارع بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة وهي حضور القتال مع عدوِّ الدين، بل أَمَرَ بقَسْمِ الجماعة وصلاتهم بإمام واحد، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بهدم مسجد الضرار لما اتُّخِذَ لتفريق الجماعة] اهـ؛ وهذا المعنى متحققٌّ في صلاة الشخص منفردًا والجماعة قائمة.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فينبغي على المسلم أن يتحرَّى الصلاة في جماعة؛ لِمَا لها من فضلٍ عظيم، وخيرٍ عميم، وثوابٍ جزيلٍ، وقد حثَّ عليها النبي الكريم، إلا أنه لو صلَّى الشخص منفردًا والجماعة قائمة؛ فصلاته صحيحة وتجزئه، لكنه أساء بفعله هذا، ما لم يكن له عذرٌ في ترك الجماعة؛ لمخالفته مقصود الشرع الشريف منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم قيام المسافر بالأذان للصلاة عند أدائها؟
هل يجوز شرعًا للعاملين بالمستشفى ترك العمل لأداء صلاة القيام -التراويح- في جماعة؟ علمًا بأن هؤلاء العاملين مرتبطون بأداء عمل مباشر، وكذا غير مباشر، في خدمة المرضى، وتركهم العمل يُنْقِصُ في الأغلب الأعمّ من الخدمة المقدمة للمرضى، وقد يلحق الضرر بأحدهم أو بعضهم.
ما حكم قضاء السنن الرواتب التابعة للصلاة المفروضة؟
ما حكم إمامة الأعمى ومقطوع اليد أو جزء منها؛ فشخص كان يؤدي واجبه نحو الوطن، فانفجرت في وجهه قنبلة أدّت إلى فقد بصره وبتر كف يده اليمنى وأصابع يده اليسرى وباقٍ جزءٌ من الإصبع، فتقبل قضاء الله وقدره وبنفس راضية، وقد أحبه الناس لصبره على البلاء، وعندما كان يذهب إلى المسجد يقدمه الناس إمامًا للصلاة في حالة غياب الإمام؛ لأنه يحفظ بعض السور من القرآن الكريم، لكن بعض الناس شكّك في إمامته؛ نظرًا لإصابته؛ بحجة أنه لا يتيقن الطهارة، علمًا بأنه يتطهر تطهرًا كاملًا، وحدث خلاف بين القائمين على المسجد في صحة إمامته. وطلب بيان الحكم الشرعي في ذلك.
ما حكم ترك الصلاة خلف إمام بدعوى كونه متصوفا؟ حيث يخرج عددٌ من المصلين في بلدتنا من المسجد، ولا يُؤدّون الصلاة خلف إمام المسجد بحجة أنَّه متصوفٌ وينتظم في سلك إحدى الطرق الصوفية، وأنَّه يقوم بزيارة أضرحة آل البيت والأولياء، وهو بذلك في نظرهم يكون قد أشرك، كما أنَّه يقيم حلقات الذكر وهم يرونها بدعة؛ فما حكم الشرع في فعل هؤلاء المصلين؟
هل يجوز بعد الأذان مباشرة أن يقول المؤذن: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، والصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله، والصلاة والسلام عليك يا مليح الوجه يا رسول الله، وهل هو فرض أو سنة؟