ما حكم استعمال الصابون والمعقمات التي تحتوي على رائحة عطرية في مناسك الحج والعمرة؟ فبعد الوصول إلى الفندق ذهبت للاستحمام وتطهير جسدي من العرق، واستخدمت صابونًا معقمًا أثناء الاستحمام، فأخبرني أحد الأصدقاء أن هذا الصابون لا يجوز للمحرم أن يستخدمه؛ لأن به رائحة عطرية، فهل أكون بذلك قد ارتكبت محظورًا من محظورات الإحرام؟
لا يجوز شرعًا أن يستخدم المحرم أيَّ نوعٍ من أنواع الطِّيب أو العطور سواء كان للتطيب والتعطر أو لتنظيف بدنه أو ثوبه، أما إذا استخدم المحرم أنواع الصابون المعقم؛ لتنظيف جسده أو ثيابه من العرق والأوساخ، أو كان بنية التطهير والتعقيم، فهذا أمر جائز شرعًا ولا حرج فيه، لأنه وإن احتوى هذا الصابون المعقم على بعض الروائح، فإنه ليس المقصود منه التطيب بحالٍ.
المحتويات
المقرَّر شرعًا أن المحرم بالحج أو العمرة لا يجوز له أن يرتكب أيَّ محظور من محظورات الإحرام، ومن تلك المحظورات استخدام الطِّيب والعطور على جسد المحرم أو ثيابه، فقد أخرج الشيخان في "صحيحيهما" واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنَّ رَجُلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ».
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (8/ 74، ط. دار إحياء التراث العربي): [ونبه صلى الله عليه وآله وسلم بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطِّيب، فيَحْرُم على الرجل والمرأة جميعًا في الإحرام جميعُ أنواع الطِّيب] اهـ.
وقد نصَّ الفقهاء على حرمة أن يقصد المحرم أن يستخدم الطِّيب في أثناء إحرامه.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 189، ط. دار الكتب العلمية): [ولو لبس ثوبًا مصبوغًا بالورس أو الزعفران فعليه دم؛ لأن الورس والزعفران لهما رائحة طيبة، فقد استعمل الطِّيب في بدنه فيلزمه الدم، وكذا إذا لِبَس المُعَصْفَر عندنا؛ لأنه محظور الإحرام عندنا؛ إذ المُعَصْفَر طِيب؛ لأن له رائحة طيبة] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/ 93، ط. دار الحديث): [وأما الشيء الثاني من المتروكات فهو الطِّيب، وذلك أنَّ العلماء أجمعوا على أنَّ الطِّيب كله يحرم على المُحْرِم بالحج والعمرة في حال إحرامه] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (4/ 166، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(الثاني) من المحرمات: (استعمال الطِّيب) للرجل وغيره (في ثوبه)؛ كأنْ يشد نحو مسك وعنبر بطرفه أو يجعله في جيبه أو يلبس حليًّا محشوًّا به لم يُصمَت، وكثوبه سائر ملبوسه حتى أسفل نعله إن علق به شيء من عين الطِّيب؛ للنهي الصحيح عن لبس ما مسه ورس أو زعفران -وهما طِيب-؛ فهو ما ظهر منه غرض التطيب وقصد منه غالبًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 293، ط. مكتبة القاهرة): [(ولا يتطيب المحرم)؛ أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته: «لاَ تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ» رواه مسلم، وفي لفظ: «لا تحنطوه» متفقٌ عليه، فلما منع الميت من الطيب لإحرامه؛ فالحي أولى] اهـ.
في حالة إذا استعمل المحرم في غسله أو تنظيف بدنه وثيابه نوعًا من أنواع المطهرات والمنظفات التي تحتوي على قدر مِن رائحةِ الطِّيب أو العطور؛ فإنه بذلك لا يعتبر مستخدمًا للطِّيب؛ لأن مقصده هو تنظيف جسده أو ثيابه ممَّا علق به من عَرَقٍ، أو التطهير خشية وجود ميكروبات وأمراض ونحو ذلك.
وبيان وجه الاستشهاد يظهر ممَّا قاله الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (8/ 74) -عند شرح الحديث المذكور-: [فيحرم على الرجل والمرأة جميعًا في الإحرام جميع أنواع الطِّيب، والمراد ما يقصد به الطِّيب، وأما الفواكه؛ كالأترج والتفاح، وأزهار البراري؛ كالشيح والقيصوم ونحوهما: فليس بحرامٍ؛ لأنه لا يقصد للطِّيب] اهـ.
وقد نص الفقهاء على أنه لا حرج على المحرم أن يستخدم تلك الأشياء المخلوطة بنسبة من الطِّيب والعطر، التي ليس الغرض منها التطيب والتعطر.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 547، ط. دار الفكر): [اعلم أن خلط الطِّيب بغيره على وجوه؛ لأنه إما أن يخلط بطعامٍ مطبوخ أو لا، ففي الأول: لا حكم للطيب سواء كان غالبًا أم مغلوبًا، وفي الثاني: الحكم للغلبة: إن غلب الطِّيب وجب الدم وإن لم تظهر رائحته كما في "الفتح"، وإلا فلا شيء عليه.. قال ابن أمير حاج الحلبي: لم أرهم تعرضوا بماذا تعتبر الغلبة، ولم يفصلوا بين القليل والكثير كما في أكل الطِّيب وحده، والظاهر أنه إن وجد من المخالط رائحة الطيب كما قبل الخلط فهو غالب، وإلا فمغلوب] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (1/ 474، ط. دار ابن حزم): [إذا مس طيبًا فعلق بيده ريحه، ولم يتلف شيءٌ منه: لم تلزم الفدية، وللشافعي فيه قولان، وهذا ربما بَعُد في العادة بأنه ليس تكاد تعلق الرائحة إلَّا مع إتلاف البعض منه، فإن صحَّ أن الرائحة تعلق من غير إتلاف فلا فدية؛ لأنها رائحة لم يتلف معها شيء من أجزاء الطِّيب فلم تتعلق الفدية عليه] اهـ.
وقال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (3/ 334، ط. دار الفكر): [أما لو طرح نحو البنفسج على نحو السمسم أو اللوز، فأخذ رائحته، ثم استخرج دهنه: فلا حرمة فيه، ولا فدية] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 491، ط. دار الكتب العلمية): [فأما نبت البرية كالشيح والقيصوم والإذخر والخُزامَى، والفواكه؛ كالأترج والتفاح والسفرجل والحناء: فليس بطيب؛ لأنه لا يقصد للطِّيب، ولا يتخذ منه طِيب] اهـ.
فيستفاد من نصوص الفقهاء أن كل ما يستخدم من مواد للتنظيف أو التطهر والتعقيم يجوز استخدامها للمحرم، ما دامت ليست طيبًا أو عطرًا في أصلها، لأن المقصود منها ليس التطيب أو التعطر، ولا يضر وجود روائح عطرية في هذه المواد؛ لأنها ليست المقصودة منها، فوجودها فيها تبعًا.
والتعقيم ضرورة طبية ماسة بحسب تعليمات السلامة الطبية، وتحمي الجروح من المضاعفات السيئة ونحو ذلك، كما أن من خصائص مواد التعقيم أن العطر الذي تحتوي عليه ضعيف غير نفاذ ولا منتشر، فلا يُعَدُّ من العطور أو الطِّيب المنهي عن استعماله أثناء الإحرام؛ قال الشيخ سَعيد بن محمد بَاعَليّ الحضرمي في "بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم" (ص: 662، ط. دار المنهاج): [والمراد بـ (الطِّيب): ما يقصد ريحه غالبًا، كمسك وعود وورس وكافور وعنبر وصندل وبنفسج ونرجس وبان وريحان وسوسن ونمام وفاغية ولو يابسة بقيت فيه رائحة تظهر ولو بالرش. بخلاف ما يقصد منه التداوي أو الإصلاح أو الأكل وإن كان له رائحة طِيبة، كالفواكه طِيبة الرائحة كسفرجل وتفاح وأترج ونارنج أو قرفة وقرنفل وسنبل ومحلب ومصطكى وغيرها من الأدوية] اهـ.
بناء على ذلك: فإنه لا يجوز شرعًا أن يستخدم المحرم أيَّ نوعٍ من أنواع الطِّيب أو العطور سواء كان للتطيب والتعطر أو لتنظيف بدنه أو ثوبه، أما إذا استخدم المحرم أنواع الصابون المعقم؛ لتنظيف جسده أو ثيابه من العرق والأوساخ، أو كان بنية التطهير والتعقيم، فهذا أمر جائز شرعًا ولا حرج فيه، لأنه وإن احتوى هذا الصابون المعقم على بعض الروائح، فإنه ليس المقصود منه التطيب بحالٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سئل فيمن أُمر بالحج عن الغير، فقصد الحج، حتى إذا قارب الوصول إلى أرض الحجاز حصل له مانع سماوي، مثل: اصطدام السفينة بشعب في البحر، بحيث أُحصر مدَّة، إلى أن نُقل إلى سفينة أخرى أوصلته إلى أرض الحجاز، وعند وصوله قبل إحرامه وجد الحج قد فاته، ثم رجع إلى وطنه الذي خرج منه. فهل -والحالة هذه- يضمن ما صرفه في الرجوع، أم يحسب من بدل الحج المأمور به؛ لداعي إحصاره بالعارض السماوي، أم كيف الحال؟ أفيدوا الجواب.
ما حكم الصعود على جبلي الصفا والمروة في أداء المناسك في الحج والعمرة؟ وبيان القدر الواجب في السعي بين االصفا والمروة في كل شوط؟
سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية؛ صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبًا وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية:
أولًا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في تأخيرهم بالحجاز زمنًا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.
ثانيًا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويًّا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في وجود خطر على الحُجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة.
ثالثًا: عدم تمكُّن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات.
رابعًا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضًا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج.
لذلك قد أخذت الوزارة في ذلك الوقت رأي فضيلة المفتي السابق عما يراه موافقًا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلًا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج. وحيث إن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين؛ لذلك رأينا لزوم الاستمداد برأي فضيلتكم فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن.
سائل يقول: ينتشر بين الناس أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أن الملائكة تلعن الجنب في كل خطوة يخطوها"، أو "أنها تلعنه حتى يغتسل". فما مدى صحة هذا الكلام؟
ما حكم التيمم للجنابة في البرد الشديد؛ فأحيانًا أستيقظ في الصباح قبل صلاة الفجر وأكتشف أني قد احتلمت أثناء نومي، وأحيانًا يحدث ذلك حين أستيقظ أثناء الليل، وأحيانًا يكون الطقس باردًا جدًّا فلا أستطيع أن أغتسل، فأتيمم وأصلي، وكما قلت أنا لا أغتسل في هذا الطقس البارد لخوفي من أن أمرض، فهل ما أفعله صواب؟ وهل صلاتي صحيحة؟ أرجو الإجابة على سؤالي.
ما كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد مرات الطواف وليس من عادته الشك؟ حيث حجَّ رجلٌ، وأثناء طواف القدوم شَكَّ في عدد ما أدَّاه مِن أشواط الطواف، هل طاف ثلاثًا أو أربعًا، ولا يَغلب على ظَنِّهِ أحدُهما، فماذا عليه أن يفعل لتكملة أشواط الطواف سبعًا؟ علمًا بأنه غير دائم الشك.