ما حكم الوعد ببيع عقار قبل تملكه؟ فهناك رجلٌ مات والدُه، وترك محلًّا بالإيجار، وقد اتفق هذا الرجلُ مع صاحب المحل على شرائه منه بمبلغٍ محددٍ دفعه له وتم البيع، على أن يتم توثيق هذا البيع ونقل أوراق الملكية خلال مهلة أسبوعين، وأثناء هذه الفترة وجد مشتريًا لهذا المحل بمبلغ أكبر، فوَعَدَه ببَيْعه له بعد أن يُنهي إجراءات الشراء ونَقْل المِلكية رسميًّا لنَفْسه أولًا، فما حكم هذا الوعد الذي جرى بينه وبين ذلك الراغِب في شراء المحل منه شرعًا، وذلك بعد إتمام تلك الإجراءات؟
وَعْد الرجل المذكور أن يبيع المحل -بعد إنهاء إجراءات تملُّكه لنَفْسه أولًا- لذلك الراغِبِ في شرائه منه بمبلغٍ أكبر مما اشتراه به -لا حرج فيه، وهو وعد بالبيع يجب الالتزامُ والوفاءُ به شرعًا.
المحتويات
أباح الشرعُ الشريفُ العقودَ التي تحقق مصالح أطرافها متى كانت خاليةً من الغش والغرر والضرر والربا وسائر الممنوعات، ومن أهم العقود التي أباحها الشرع الشريف رفقًا بالعباد وتعاوُنًا على حصول معاشهم: عقد البيع، وهو عقد معاوَضة مالية تفيد مِلك عينٍ أو منفعةٍ على التأبيد لا على وَجْه القُربة، كما في "حاشيتي قليوبي وعميرة" (2/ 191، ط. دار الفكر)، وهو متوافق مع تعريف البيع الذي نصَّ عليه القانون المدني رقم (١٣١) لسنة (١٩٤٨م) في المادة (٤١٨) منه، والتي تنص على أنَّ: [البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكيةَ شيءٍ أو حقًّا ماليًّا آخَر في مقابِل ثمنٍ نقدي] اهـ.
وبالنظر في التعامل محل السؤال نجده يتكون من شِقَّين:
أما الشِّق الأول: فهو عقد بيعٍ تمَّ بين متعاقدَين على محلٍّ معلومٍ بثمنٍ معلومٍ، مع اتفاقهما على توثيق هذا العقد بشكل رسمي بناءً على ما اتَّفَقَا عليه؛ ضمانًا لحقوقهما، ومَنعًا مِن وقوع النزاع والشقاق بينهما فيما بَعْدُ، وقد حدَّد البائعُ والمشتري مدةً زمنية مقدارُها أسبوعان لإتمام إجراءات البيع والتوثيق.
وما دَامَ المتعاقِدان قد حَدَّدَا أركانَ البيع وشروطَه، وتراضَيَا على الثمن المُستَحَق، وتَمَّ البيعُ بينهما، واتَّفَقَا كذلك على الوقت الذي سوف يُوثِّقان فيه عقدَ البيع ويُتِمَّانِ إجراءاته القانونية، فإنه يكون بيعًا صحيحًا جائزًا ونافذًا شرعًا، ولا يُؤثِّر تَأخُّر توثيق العقد في صحته؛ حيث إنَّ الشكل الإجرائي للأوراق ليس شرطًا في صحة عقد البيع، ولا يترتب على تأخره فساد العقد، وإنما محل صحة العقد الثمنُ والمثمَنُ والإيجابُ والقبولُ اللَّذان يَدُلَّان على حصول الرضا مِن المتعاقدَيْن.
وأما الشِّق الثاني: فهو صورة مِن الوعد بالبيع، والوعد بالبيع مختلفٌ عن البيع، حيث يُراد به الْإِخْبَار بإيصال الْخَيْر فِي الْمُسْتَقْبل، كما في "عمدة القاري" للإمام بدر الدين العَيْنِي (1/ 220، ط. دار إحياء التراث العربي)، فلا يتضمن مجردُ الوعدِ معاوضةً، ولا يترتب عليه تمليكُ عينٍ أو منفعة.
فما حدث مِن وَعْدٍ واتفاقٍ بين الطرفين المذكورَين في السؤال على أن يبيع أحدُهما للآخَر محلًّا معلومًا له بثمنٍ معلومٍ أيضًا، مع اتفاقهما على أن يتمَّ ذلك في وقت معيَّن، وما دَامَا قد حَدَّدَا أركانَ البيع وشروطَه الأساسية، والوقتَ الذي سوف يُبرِمَانِهِ فيه، وعَلَّقَا ذلك على حصولِ سببٍ هو إتمام البيع الأول فهو جائزٌ شرعًا، ويجب على البائع الالتزامُ بهذا الوعد عند إنهاء إجراءات التملُّك لهذا المحل مِن البائع الأول.
ذلك أنَّ الوفاء بالوعد صفةٌ مِن صفات المؤمنين الذين امتدَحَهم اللهُ جَلَّ وَعَلَا بحِفظِهم للأمانات، ووفائهم بالعهود والتزامهم بالعقود، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8].
قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/ 463، ط. دار طيبة): [أي: إذا اؤتُمِنُوا لم يَخونوا، بل يؤدُّونها إلى أهلها، وإذا عاهَدوا أو عاقَدوا أَوْفَوْا بذلك] اهـ.
وأيضًا فإن الوفاء بالوعد والالتزام بالعقد داخلٌ تحت عموم كثير من الآيات التي وردت ليؤكِّد مدلولُها معنَى طلب الوفاء بالعهود والالتزام بالعقود، كما في قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [الْمَائِدَةِ: 1]، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصَّفِّ: 2- 3].
وورد في السُّنَّة عن حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قال: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وفي الحديث دلالة واضحة على وجوب الوفاء بالعهد، كما قال القاضي عِيَاض في "إكمال المُعلِم بفوائد مسلم" (6/ 158، ط. دار الوفاء).
وقد نقل الإمامُ القاضي أبو بكر ابن العَرَبِي الإجماعَ على وجوب الوفاء بالوعد إذا تَعَلَّق بسببٍ مِن الأسباب -كما في مسألتنا-، فقال في "أحكام القرآن" (4/ 242، ط. دار الكتب العلمية): [فإن كان المَقُولُ منه وعدًا، فلا يخلو أن يكون منوطًا بسبب، كقوله: إن تزوجتَ أعنتُك بدينار، أو ابتعتَ حاجةَ كذا أعطيتُك كذا، فهذا لازم إجماعًا مِن الفقهاء] اهـ.
على هذا جرى القانون المدني المصري في مادتيه رقم (101) و(102)، إذ نَصَّتَا على أنَّ الاتفاق بين الطرفين بالوعد على إبرامِ عقدٍ معيَّنٍ في المستقبَل يَنعقد ويكون لازمًا إذا تم فيه تَعيِينُ المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامُه مِن أركان ذلك العقد وشروطه الأساسية، والتي لا يَحتاج الطرفان بَعْد تعيينها إلى الاتفاق على شيءٍ آخَر، كتعيين المبيع والثمن والمدة التي سيتم إبرام العقد فيها، مع وجوب مراعاة ما يشترطه القانون في هذا الشأن مِن الشكلية في بعض العقود، وأنه يحقُّ للطرف الثاني إذا انصرف الطرفُ الأول عن وعده أن يرفع الأمر للقضاء، ومتى صَدَر الحكمُ لصالح الموعود حائزًا قوة الشيء المقضي به فإنه يقُوم مَقَامَ العقد الموعود به.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ وَعْد الرجل المذكور أن يبيع المحل بعد إنهاء إجراءات تملُّكه لنَفْسه أولًا لذلك الراغِبِ في شرائه منه بمبلغٍ أكبر مما اشتراه به لا حرج فيه، وهو وعد بالبيع يجب الالتزامُ والوفاءُ به شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم بيع ما يؤكل من الحيوان وتحديد ثمنه بالوزن وهو حي؟ فرجلٌ يعمل في تجارة المواشي، ويقدِّر ثمن الحيوان حيًّا بحسب وزنه بالكيلو جرام القائم ساعة بيعه وفقًا للعُرف الجاري بين التُّجار، على أن الكيلو جرام القائم بكذا، بحيث يَزِنُهُ قبل البيع، ويحدد ثمنه بضرب ثمن الكيلو جرام الواحد في الوزن القائم، ويَعرضه على المشتري فيرضى به أو يُفاوضُه فيه، ثم يتم بينهما البيع بالثمن الذي يَتَرَاضَيَان عليه، فهل يصحُّ هذا البيع شرعًا؟
ما حكم البيع والشراء من نفس الطرفين في مجلس واحد؟ حيث وجد تاجر يرغب في زيادة استثمار أمواله، وتوسعة نشاط تجارته في الأسواق، بأن يشتري الذهب مِن مالِكِيه بثمن حالٍّ، وقبل أن ينقدهم ثمنَه يتفق معهم على أن يبيعَه لهم بثمن مؤجل مع زيادة في الثمن، بحيث إنه إن اتَّفَقَ مع العميل على الثمن في البَيعَتَين، فإنه يَخصِمُ أولَ قِسط مِن ثمن البَيعَة الثانية (وهي شراء العميل منه بالتقسيط) ويعطيه باقي ثمن البَيعَة الأُولى (وهي شراؤه من العميل)، فإن لم يرض مالِكُ الذهب بشرائه منه مرةً أخرى بالأجل لم يشتره منه التاجرُ ابتداءً، فهل تصح هذه المعاملة شرعًا؟
ما حكم الاشتراك في عمل وصفة لتغذية الدواجن وانفراد أحد الشريكين بالتربح منها دون الآخر؟ فقد اشترك اثنان في مزرعة دواجن، وطلبا من متخصص في التغذية الحيوانية عمل وصفة غذائية للدواجن، وبالفعل أحضرها لهما وكانت بقيمة ثلاثين ألف جنيه، وبعد فترة نمت الدواجن وزادت، فطلب أصحاب بعض المزارع الأخرى من أحدهما أن يبيع لهم طعامًا مما يقدمانه للدواجن في مزرعتهما، فقام أحد الطرفين دون علم الآخر بتحضير الوصفة من ماله الخاص، ثم قام بتركيبها وبيعها، فربح ربحًا وفيرًا. والسؤال: هل لشريكه الأول جزء في هذه الأرباح أو لا؟ وإذا كان له جزء فكيف يتم احتسابه؟
ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة في هذه الآونة التي توقفت فيها صلاة الجمعة بسبب انتشار فيروس كورونا؟ وهل يدخل تحت النهي المنصوص عليه في قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]؟
ما حكم شراء شقة بالتمويل العقاري بفائدة متناقصة؟ فقد تقدمنا لحجز شقة في مشروع الإسكان الاجتماعي في مصر، وكان النظام المتبع أن ندفع 5 آلاف جنيه جدية حجز، وبعد قيام وزارة الإسكان بفرز الأوراق والاستعلام تقوم بتحويل الأوراق لأحد البنوك التابعة للبنك المركزي في إطار مبادرة التمويل العقاري، حيث يقوم البنك بسداد قيمة الوحدة، ثم يقوم بتحصيلها من المواطن بفائدة متناقصة 7 بالمائة سنويًّا، مع منع العميل من التصرف في الشقة بالبيع أو الهبة حتى يتم الانتهاء من السداد. فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم الشرع في الاستيلاء على السلع المدعومة لتحقيق أرباح بطريقة غير مشروعة؟ وما حكم الشرع في بائع السلع ومشتريها؟ وما حكم الأموال التي يكتسبها الرجل من هذه المعاملة؟ وهل توجد عقوبة شرعية محددة لمن يقوم بالاستيلاء على السلع المدعمة وبيعها؟